الغرق حبا
شعر مصطفى الزايد

لا تحمليني بالعتاب على الجفا
إن العتاب مقابر الأشواق

وخذي من الود السلاف وما صفا
كي ترتقي بمدارج العشاق

ودعي الثمال لمن تعلل بالوفا
وفؤاده مقصى عن الإحراق

أما القصيدة فانتخبت لعرسها
حبب الدنان وما اصطفاه الساقي

سبقتك في زمن الوفود فعششت
في القلب واستولت على الأعراق

فكأنها مرآة قلبي تجتلى
فتذيبه تبرا على أوراقي

وكم استعارت وجهك الزاهي لها
لتطل منه صبيحة الإشراق

وأرتك من سري الخفي ملامحا
جذبتك في بحري إلى الأعماق

هي أنت حينا وهي أحيانا أنا
فكأننا معها على ميثاق

وبك استحال البيت قصرا باذخا
وبها اقتحمت معاقل الأذواق

فسرى ضياؤك في جلال حروفها
وسرت بحسنك عذبة الأنساق

فتكامل الحسن اكتمال حديقة
بزهورها والجدول الرقراق

فإذا أرتك مع الجمال تألقاً
فكلاكما مرآة حسن راق

أو غرت منها فالصبية ربما
غارت من الأشباه يوم تلاق

هي بنت أعناب البيان دنانها
وكؤوسها مرصوفة برواقي

كم ذا لجمت تشوقي بصوارف
منها إذا ما لج في خفاقي

وقمعت نار صبابة في وهجها
شبت لهتك سواتر الأخلاق

ولزمت في سكراتها حبل النهى
وسددت باب الغي عن طراقي

يا طفلة مس الغرام فؤادها
فتوهجت ألقاً على أحداقي

وتغلغلت كالعطر في رئة الضحى
سحرا يخامر رعشة الخفاق

واستفتحت بطلاسم من ودها
قلبا حصينا محكم الإغلاق

ورمته بالطرف المريض فأسقمت
واستعبدته برشفة الترياق

أبقي الذي ما بيننا ما بيننا
واستخلصي قلبي من الأعلاق

وتحملي نبوات شاعر احتفى
بك يوم كان القلب في إملاق

وسقاك ما يسقى الكرام إذا أتوا
ندمان كأس في الرياض دهاق

واستمطري سحب المنى حلما إذا
جاست بقلبك خاطرات فراق

ما زال في عمر الزمان بقية
كي يرتوي القلبان ذات عناق

كي نقطف اللوز المشرب باللمى
شهد الرضاب ونكهة الدراق

ونشم عطر الياسمين معتقا
متلافحاً متتابع الإغداق

وإذا ارتمت كف بكف أشرقت
مؤق العيون بصادق الإبراق

تذكي السنا مثل السحائب ألقحت
)مشتاقة تسعى إلى مشتاق)*

فأنا امرؤ أقسمت ألا ينطفي
بدمي الشباب وفي الفؤاد بواق

وأصخت سمعي حين جاء نداؤه
كصهيل خيل في الفلاة عتاق

قد هبته دهرا ولم آبه له
دهرا وأوحشني الزمان الباقي

واليوم أرقبه ترقب هارب
أجلا يطل وقد حللت وثاقي

ما لي مطامع في موارده سوى
بحر صفي يرتضي إغراقي

مصطفى الزايد

*تضمين لشطر من بيت أمير الشعراء أحمد شوقي:
رمضان ولى هاتها يا ساقي
مشـتاقة تسـعى إلى مشـتاق