عــودي
شعر مصطفى الزايد

عُــودِي فَـحُـبُّــكِ لـلـفــؤادِ أمـــانُ
ولِـمَـركَـبي فـي تِـيـهـهِ شُـــطـآنُ

ضَيَّعتُ بُوصلتي وَكُـلَّ خَـرائِطي
وَبَكى بِصـدري عُـمْـرَهُ الـرُّبّــانُ

عَـيـناكِ نجـمٌ إنْ يَغِبْ واضَيْـعَـتـا
فـي بَـحْـرِ قَهـرٍ مَـوجُـهُ الأحـزانُ

عُـودي إليَّ فإنَّ شِـعْـري صامتٌ
شَــيـطـانُـهُ لَــمْ يُـغْــرِهِ الـتِّـبـيــانُ

لم يَـبْـقَ لي في العُـمرِ إلا حَسْـرةٌ
تَـجـتـرُّني والـمَــدْمَــعُ الـهَــتّــانُ

ونـداءُ أحـلامٍ يُجَلْـجِـلُ كَالصَّـدى
ونُــــواحُ ثــاراتٍ بـــــهِ رَنَّـــــانُ

وَبِـمُـقْـلَـتَـيَّ زَنـابـقٌ قـد أُحـرِقـتْ
وَبـخـافـقي قــد دُمِّــرتْ أوطـــانُ

وَتَـهَـدمتْ بـيـنَ الضُّلـوعِ أوابِـدٍ
وَتَـفـجَّـرتْ بِـعـروقـيَ الـنِّـيـــرانُ

* * *

في مُهـجَـتي كُـلُّ البَـرامـيـلِ التي
يَـرمي بـهــا أحـبـابيَ الـطَّـيــرانُ

وَتَعَـكَّـرَ الـدَّمُ بالـصَّـواريخِ الـتي
قَصَفتْ حـنايا الصَّدرِ وهي جِـنانُ

كلُّ اليَتـامى الـذّاهِليـنَ عَنِ الـبُكـا
مـا بَيـنَ أضـلاعـي لـهُـمْ عُـنْـوانُ

عُودي فَـلستُ كما تَقولُ صِحافـةٌ
عـنّي بَـقـايـا... بـلْ أنـا الـبُـركـانُ

قَدْ شبَّ بعدَ الأربعينَ فشـقَّ في الـــدَّ
يجـورِ نــوراً هــابَــهُ الطُّـغـيـانُ

كَـيْ تَعـلـمي أنّي كَعَـهـدِكِ طاهـرٌ
مـا اقْـتـادَني بَـطَــرٌ ولا بُهْـتـــانُ

لكنَّ في صَدْري حُـسَـيـناً لا يَرى
ظُـلـمـاً يَصول ويَخْضَعَ الإيـمـانُ

* * *
يـا فُـسـحـةً سَـنَحَـتْ بـهـــا الأيّــام
وهـي الـعـوابـسُ مـا لـهـنَّ أمـانُ

فَـتَـنَـفَّـسَ الـقَـلبُ الشَّـقِـيُّ بِـنَـشـوةٍ
عَـبَـقَ السَّــمـاءِ فَـألـقَـحَ التَّحْـنانُ

فَـغــدا جِـنـانـاً تُـشْـتَـهى أفـيــاؤُهـا
ويضـوعُ فـيها الـفُــلُّ والرَّيحـانُ

كـربـيــعِ بـغـــدادٍ وهـارونٌ بـهـا
هـابَـتـهُ فـرسٌ وانحـنى الـرومانُ

فَـزَهَـتْ كَـقُـرْطُـبةٍ يـزيـدُ بهـاءَها
مجدٌ وحـسـنُ مجـالـسٍ وحِـسـانُ

ويـلـوحُ دجـلــةُ في نـقـائِـك مـاؤهُ
كـصـفـاءِ وَجْهـكِ مُـشـرقٌ فـتّـانُ

عُـودي فمَنزِلُكِ العـزيـزُ بخافـقي
بـاقٍ وإن عـاثتْ بــــهِ الـغِـربــانُ

عُـودي فَـأنتِ كَـأنتِ أوَّلَ مُـلْـتـقى
جَـادتْ عـلى بُـخـلٍ بِـكِ الأزمـانُ

* * *

لا تَيْأسـي مِنْ راكبِ الأهْـوالِ في
سُـبـُلِ الـحـيـاةِ فـثـورتي وِجـدانُ

وكـرامـةٌ نَهَـضتْ بِـدافِـعِ نَـخْــوةٍ
وضـمـيــرُ إنـسـانٍ بـــهِ إنـســانُ

يتـنـفَّـسُ الـرحْـماتٍ سِـلْـماً عـادِلاً
لا سِــلْمَ ظُـلـمٍ يُـرتَـضى ويُـعـانُ

وعـيـونُهُ تَدمى بسـوطٍ كـم شَـوى
وَجْـهـاً بـلا ذنبٍ يُـســـا ويُـهــانُ

وعلى كـرامةِ ماجـدِيـنَ رمى بِهـا
تحتَ الـنِّـعالِ وقـهْـقَـهَ الـسَّـجّـانُ

ودمـاءٍ اصْطَبَغَـتْ بِـهــا ســجّـادةٌ
في الجـامعِ العُـمَـرِيِّ والجـدرانُ

وبـلادٍ احْـتُـمِـلَتْ فـريسـةَ ضـابِـعٍ
لِـتَـلي مُشـاشَ عِـظـامِهــا إيـرانً

فَتُشـادَ فيها الشَّامِخاتُ «لِمَـزْدَكٍ»
وتُــزالَ مـئـذنـــةٌ بــهـــــا وأذانُ

* * *

عـودي فَمِنْ عـينيكِ كانتْ ثورتي
من نَجْـمَـتَيـنِ ضِـياهُـمـا الـقُـرآنُ

مـا جَـرَّني طَـمَـعٌ ولا نِـقَــــمٌ إلـى
هـذي السَّـبـيلِ فـفي النُّهى مِيزانُ

لـكـنَّـهـــا شِـــيَـمٌ تُـوَرِّدُ أهْـلَـهــا
حوضَ المَـنـونِ إذا اسـتـكانَ جَـبانُ

شِـيَـمٌ بِـصَـدْرِ الحُـرِّ تُشْـبِـهُ حُـرَّةً
تَسْـتَـصْـرِخُ النَّخْـواتِ حيـنَ تُهانُ

عُـودي إليَّ فـفي فُـؤادي غُـصّـةٌ
مُــذُ أزَّكِ «الـشَّـبِّـيـحُ» وَالخَــوَّانُ

عـودي بـلا وَجَــلٍ فَـلَـيْـلـةُ عِــزّةٍ
تُـفْـــــدى بِـعُـمْـرٍ كُـلُـــهُ خِــذلانُ

وَهَـواكِ أنْـهـضَ أمَّــةً مَـغـبـونــةً
فَـتَـزَلْـزَلَـتْ بِـالـغـابِـنِ الأرْكــانُ

* * *
مصطفى الزايد – الرياض – الأربعاء/ 13/ 12/ 1440هـ الموافق 14/ 8/ 2019م