المنظور الامني للمشروع هذا كل ما نخشاه

سبق أن طرحنا فكرة تطوير اداء مستشفيات قطاع غزة ورفدها بكادر من الأطباء المتقدمين فنيًا واستجلابهم سواء فلسطينيين أو عرب أو أجانب، ربما كان هذا الاستجلاب لا يكلف السلطة الفلسطينية ولا يكلف الخزانة الفلسطينية مثلما تكلفه التحويلات العلاجية لإسرائيل والدول العربية في أمراض السرطان والأورام عمومًا والدم والمناعة فتكلفة التحويلات العلاجية التي تدفعها السلطة تقارب فاتورتها السنوية 100 مليون دولار، إلا إذا كان هناك بعض "البزنسة" تحول دون أخذ هذا القرار.

قيل عن التهدئة إنشاء مستشفى أميركي في شمال قطاع غزّة على مساحة 40 دونم ويتكون من أكثر من 50 قسم وبإدارة "دولية" أي تجميل الإستعداد الأميركي لإدارته فنيًا وإداريًا، وقيل أن الوساطة من قبل العمادي بين حماس من ناحية وإسرائيل من جهة أخرى، في حين أن شمال غزة يحتوي على ثلاث مستشفيات ولماذا بالتحديد في منطقة ايرز؟ ولماذا إذا كان العمل إنسانيًا والظروف الكارثية الصحية في غزة لماذا لم ينشأ في منطقة رفح التي تعاني من عدم وجود أي مستشفى بها ومنطقة مكتظة سكانيا في حين أن أهالي رفح قد طالبوا بمستشفى يلبي خدماتهم الصحية، هذه التساؤلات تقع في موقعها لكي نقول "ما نخشاه".

مستشفى ميداني بمعدات وعقارات متنقلة تنقلها أميركا من منطقة الشرق الأوسط ومن مناطق وجودها وربما وكما قال أحد الأخوة يتم نقلها من سوريا لعلاج حالات السرطان والأورام وأقسام كثيرة أخرى وبأطباء أميركان وبإدارة أمريكية وإسرائيلية والفلسطينيون يتفرجون، الفلسطينيون لديهم كفاءات علمية سواء داخل الوطن أو خارجه، وينقصهم المعدات المتطورة، لماذا لم تكن التفاهمات لتطوير الأداء الصحي في المستشفيات الفلسطينية وأطبائها ولماذا هذا المستشفى الأميركي وهو يخرج عن دائرة وزارة الصحة والمؤسسات الفلسطينية.
البعض يتحدث أن هذا سيعمق الانقسام ويسير في اتجاه توثيق سلطة في غزة وأجهزة سيادية في غزة بعيدًا عن كل الطموحات في المصالحة وإعادة الوحدة لما تبقى من أرض الوطن، ربما المدخل إنساني وغزة تحتاج فعلًا لخدمات صحية متقدمة بعد أن ظهرت عدة أمراض طارئة وهي في حالة نمو وتزايد مثل أمراض الدم والسرطانات بكافة أنواعها، وربما تلك الأمراض ظهرت نتيجة الأسلحة المحرمة دوليًا التي استخدمتها اسرائيل في غزة في ثلاث حروب.
ولكنني ومع تنامي الإفصاح عن صفقة القرن والتي ربما يكون لها علاقة بشكل غير مباشر بكل محادثات أو مباحثات التهدئة سواء تم الافصاح عن ذلك أو لم يتم، ولكن هذا هو الواقع، أي أن جميع المشاريع التي تطرح الآن سواء مشاريع ومناطق صناعية وإعادة صياغة البنية التحتية تحت بند التهدئة لها مدخل آخر أيضًا في الحل الاقتصادي الأمني الذي تطرحه أميركا الذي يؤسس لرؤية سياسية لغزة وما تبقى من الضفة، وهنا يجب أن لا ينتابنا رد الفعل أن نكون مع هذا الطرف أو الطرف الآخر في غزة أو رام الله، ولكن يبدو أن الأمور تسير في اضعاف السلطة وتقوية الواقع في غزة بحكم فرضيات هذا الواقع والممرات الإجبارية التي هي المنفذ الوحيد لرفع الحصار وتخفيف العناء الإنساني الذي يواجهه سكان قطاع غزة، ولكن لا يمكن الفصل مع كل هذه الحاجيات الضرورية لأهالي غزة، فهم لا يتبرعوا للفلسطينيين من أجل عيونهم، وإلا لما كان هذا الواقع من ظلم وجور على الفلسطينيين بشكل عام والإستيلاء على مقدراتهم وحقوقهم، وما يتحدث عنه التاريخ والأصالة على هذه الأرض، ولكن الأمور قد تختلف تمامًا، وهنا أريد أن أذكّر لكي نقول "ما نخشاه".

الدول الغربية وعلى رأسها أميركا قبل تنفيذ سيناريو الربيع العربي قامت باختراق الأنظمة العربية في مؤسساتها وربما السيادية منها والصحية وطواقم صحية تمتهن الطب وتعمل كأجهزة استخبارات لأميركا وفرنسا وبريطانيا، ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي كانت فكرة التغيير في تلك الأنظمة الوطنية جاهزة وسهلة لاحداث الفوضى ثم التغيير وهذا ما نبهنا له في حينه، ولكن كان غرور تلك الأنظمة يدفعها لأن تستبعد كل هذه الخيارات للآخرين، وبالرغم من أن كل شيء كان واضحًا ومنذ ما قبل الربيع العربي، أما في غزة فحماس وغير حماس تعلم أن أجهزة الموساد الإسرائيلي والشاباك والسي آي ايه عملت من خلال مؤسسات المجتمع المدني والأنشطة الإنسانية في غزة، وآخرها وليس بآخرها عملية خانيونس التي كان لها أكثر من هدف، وأهمها زرع أجهزة التنصت واستكشاف المواقع للمقاومة الفلسطينية.

ومن هنا أستطيع أن أقول "ما نخشاه" أن هذا المستشفى الميداني ربما سيتم تسوية جزء منه لاستقبال طائرات مروحية وادخال معدات تنصت ذات درجة عالية من الذكاء وربما يتحول هذا المستشفى لتجمع لقوات المارينز والقوات الخاصة الإسرائيلية، فبالتأكيد أيضًا أن هذا المستشفى سيكون تحت الحماية الأمريكية والإسرائيلية، إذا هل نستطيع أن نقول أن ما نخشاه هو أن يتحول هذا المستشفى لقاعدة أمريكية؟ وإذا كانت حماس قد وافقت على هذا المشروع من باب الحالة الإنسانية ألم ترى حماس أنه يمكن أن يهدد وجودها تراكميا عبر سيناريوهات مختلفة أم أن لدى حماس برنامج آخر لاستقبال أطروحات سياسية وتنازلات سياسية منها تخرج عن ثوابت قد أعلنت عنها بقبولها بالحد الأدنى وهو إقامة الدولة على حدود 1967 إلى شيء آخر وفرضيات أخرى تفرضها مبادرة ترامب وكوشنير.
سميح خلف