الاكراد والجغرافيات السياسية

ثمة ما هو مهم، أن نفهم حاجة أمة مشتتة في أنحاء العالم وينتشرون في حوالي37 دولة في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا ودول مختلفة وبنسب مختلفة أيضًا، ولكن معظمهم يتركزون في منطقة آسيا في إيران وتركيا والعراق وسوريا وهي التجمعات الأكبر التي يمكن أن تشكل لها جغرافيات سياسية. مشكلة الأكراد مشكلة قديمة وهي تلك الأصول التي تعود للأصول الفارسية والأفغانية ومنها العربية، ومنهم زعماء تاريخيون قادوا المنطقة وقادوا الحروب ضد القوى الإستعمارية الغازية مثل صلاح الدين الأيوبي. غالبية الأكراد تعتنق الدين الإسلامي السني والقليل الشيعي، ومنها ديانات الأيزيدية وديانات خارج الديانات السماوية وهي قليلة أيضًا.

يعيش الأكراد في مناطق تجمعاتهم الكبرى بدون أي تراخيص لتكوين أحزاب تعبر عن طموحاتهم أو مشاركاتهم في الأنظمة السياسية في المنطقة، بل هناك بعض دول الشرق الأوسط لا تعترف بمواطنتهم أصلا لعدم توافر سجلات عن المواليد والجدود وأماكن تواجدهم، وتبقى الأمة الكردية مشتتة في القرن الواحد والعشرين وسبقه القرن العشرين وما قبله. مشكلة الأكراد هي مشكلة إنسانية لحقوق إنسانية في مواطنتهم وأمتهم وقوميتهم وهو ما يطالبون به في القرن السابق والحالي لكي يمتلكوا نوع من المواطنة تكفل لهم حريتهم وممارسة حقوقهم الإنسانية على الكرة الأرضية، إلا أن جميع الحركات والأحزاب الكردية لم تلاقي متسعًا من تلك الأنظمة السياسية في المنطقة لكي تمارس دورها أو تشارك في دستور البلاد أو في الحركة السياسية لتلك الدول، وتبقى الأمة الكردية أمة مضطهدة في حقوق المواطنة والوطن. ففي شمال العراق منح الأكرد حكمًا ذاتيًا والعام الماضي كان هناك استفتاء لاستقلال شمال العراق عن الدولة الأم الجمهورية العراقية. نكثت أمريكا بعهودها والتزاماتها تجاه هذا التعهد، أما في سوريا فكما قلت لم يمنح الأكراد مواطنة كاملة والمشاركة في الحياة السياسية. وربما عدم الاعتراف بالمواطنة لبعض منهم، أما في تركيا ويشكلون نسبة كبيرة فأيضًا هم ينخرطون في المجتمع التركي تحت اسم جمهورية تركيا بلا تمثيل حقيقي في نظامها السياسي أيضًا. قاد الأكراد في تركيا عن طريق زعيمها عبد الله أوجلان ثورة كردية لنيل الأكراد حقوقهم واعتنقت الكفاح المسلح وكثير من الحزب الديمقراطي والحركة الشعبية الكردية تم تدريبها في قواعد الثورة الفلسطينية سابقًا، واحتضنت دمشق عبد الله أوجلان ورعت نشاطاته في الضغط على تركيا إلا إن تركيا قد هددت الدولة السورية بحرب واسعة إذا لم تكف عن دعم عبد الله أوجلان ووصلت الأمور إلى حافة المواجهة ونقل الأسد قوات النخبة إلى الجبهة الجنوبية من الشمالية لتفجير الوضع في الجولان، عندها تدخل الرئيس المصري السابق حسني مبارك وأبرمت اتفاقية بين سوريا وتركيا برعاية مصرية بطرد أوجلان من سوريا ولبنان إلى دولة أفريقية ومنها تم تسليمه إلى النظام التركي. في ٢٠ تشرين الأول ١٩٩٨، التوقيع على اتفاق أضنة الأمني بين سوريا وتركيا وينص على التعاون في مواجهة الإرهاب ومنع تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني على الأراضي السورية. جاء ذلك بعد التهديدات التركية بالقيام بعمل عمل عسكري ضد سوريا لإيوائها مقاتلي حزب العمال الكردستاني ورئيسه عبد الله أوجلان.

شهدت العلاقات التركية السورية توترات متعددة:

- 13 أكتوبر 1957، نزلت قوات مصرية في اللاذقية لدعم سوريا في مواجهة التهديدات التركية. كانت التوتر قد بلغ ذروته بين تركيا وسوريا بعد أن حشدت تركيا (في عهد عدنان مندريس) قواتها على الحدود. نتجت الأزمة عن التقارب بين سوريا والاتحاد السوڤيتي والذي اعتبرته الدول الغربية ودول حلف بغداد تهديداً شيوعياً في الشرق الأوسط.
- في بدايات القرن الواحد والعشرين بنت تركيا عدّة سدود مما أثر على كمية ومستويات المياه على مجرى نهر الفرات واستطاعت تحويل عدة أنهر منطلقة من تركيا بحيث لا تصل إلى الأراضي السورية، كما حدث ذلك أيضًا في نهر دجلة في العراق.
- كانت هناك اتفاقية للتعاون المشترك بعد طرد عبد الله أوجلان بين سوريا والعراق والتي كان من أحد نصوصها حق تركيا في مطاردة حزب العمال الكردستاني في الشريط الحدودي لشمال شرق سوريا، وبالتالي ليست أول مرة تعتدي تركيا على الأراضي السورية كما هي أيضًا تقوم بعدة تدخلات في شمال العراق أيضًا وعمليات عسكرية محدودة.
- ومنذ الانتداب الفرنسي على سوريا سلمت فرنسا لواء الاسكندرونة واقتطعته من الأرض السورية لصالح الدولة التركية وهي المنطقة الخصبة والتي تسمى الحزام الأخضر ففي 1 نوفمبر 1936 قضية لواء الإسكندرون، وبالذات بعد أن تم قبول سوريا، طبقاً لمعاهدة 1936، عضواً في عصبة الأمم وفقاً لحدود معاهدة لوزان. هنا، كان فصل لواء لاسكندرونة من قبل فرنسا عن الأراضي السورية واعطائه لتركية،عبر اتفاقيتي 29 نوفمبر 1937 و23 يونيو 1939، خرقاً لالتزامات فرنسة كدولة منتدبة من عصبة الأمم وكدولة موقعة على المعاهدة الفرنسية- السورية عام 1936.
- مع ظهور ما يسمى الربيع العربي وخطة كونداليزا رايس للفوضى الخلاقة وشرق أوسط جديد دعمت تركيا بقيادة أردوغان تلك الثورات المدمرة وتعاطفها ومشاركتها في أنشطة الإسلام السياسي في المنطقة وبالتحديد حركة الإخوان المسلمين للانقضاض على السلطة في عدة دول عربية منها تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، ولكن كانت الحلقات المؤلمة جدًا والمدمرة جدًا في سوريا حيث انسلخ عن حركة الإخوان المسلمين عدة فصائل إسلامية متطرفة يفوق عددها 34 فصيل من أهمها جبهة النصرة والقاعدة وداعش، وكما قال الرئيس بشار الأسد أنه لا يحارب فئة معينة قليلة، بل هناك مئات الآلاف شكلوا فصائل مسلحة وهنا الوصف هو الخلل الثقافي الذي دعا إلى وجود مثل تلك الفصائل، تركيا ساهمت بحشد كل ما هو متطرف عبر أراضيها للوصول إلى الساحة السورية حتى أصبحت سوريا محل نفوذ دولي وصراع دولي إقليمي وقوى دولية دخلت المنطقة مثل أميركا وفرنسا وبريطانيا وروسيا بالإضافة إلى كثير من الممولين العرب لتلك الحركات التي استهدفت النظام السوري تحت حجج طائفية ومذهبية، في حين أن إسرائيل قد استفادت من هذا التناقض الكبير في الساحة السورية وكانت أحد أطراف العدوان على الجيش السوري والمؤسسات السورية ولا ننسى هنا الدعم اللوجستي الكبير الذي قدمته تلك الدول من خلال تركيا لتلك الفصائل.
- تركيا تتعامل مع الأكراد على أراضيها ليس من ناحية مذهبية فهم غالبيتهم سنة وحزب أردوغان هو اخوان مسلمين يعتنق المذهب السني، ولكن هي الحرب المردودة للنظرة القومية كما هو الحال في سوريا والعراق.
العدوان الأخير على سوريا والذي تتحدث فيه تركيا عن وجود منطقة آمنة بعمق 30 كيلو متر في الشمال الشرقي لسوريا وحقن تلك المنطقة بثلاث أرباع مليون لاجئ سوري يمثلهم جيش تم تدريبه في تركيا لتوفير ديموغرافيا آمنة على حدودها لتفصل بين أكراد سوريا وأكراد تركيا في ظل انسحاب أميركي من تلك المنطقة وشرق نهر الفرات.
من الصعب في ظل الأوراق المختلطة في سوريا والقوى المتداخلة فيها أن تحسم الأمور أيديولوجيًا أو سياسيًا ولكن الدولة السورية قطعت شوطًا كبيرًا في ممارسة سيادتها على غالبية الأرض السورية بدعم روسي إيراني، والمشكلة الآن أصبحت فقط لتأمين الحدود التركية والفصل بين الأكراد جغرافيًا وسياسيًا وأمنيًا، أي بين ثلاث دول، تركيا وسوريا والعراق وهذا ما تعمل عليه السياسية التركية في المنطقة وربما يتطور الحال إلى خلق كيان سياسي في تلك المنطقة لدولة وليدة تقضي على الحلم الكردي للأبد، ولكن هناك ما يعاب على الأكراد في شمال شرق سوريا إذا كنا نحن مع مطالبهم بحكم ذاتي واسع أو دولة كردية فانهم مارسوا عملية التطهير العرقي في تلك المنطقة ضد القبائل العربية من تهجير وقتل وغيره لكي تكون المنطقة نقية العرق كرديًا وهذا ما يعاب على سلوك القوى السياسية والقتالية التي حكمت تلك المنطقة وبمساعدة أمريكية فيما بعدما يسمى الربيع العربي.

- اوراق اللعبة في سوريا متغيرة دائما ومكونات المعادلة تتغير سوريا لن تكون بخير في وجود 100 الف مسلح كردي مدربين بواسطة خبراء اسرائيليين وامريكان وفرنسيين وقد تتحد المصالح وتتقاطع مع مصالح تركيا وايران والعراق بانهاك الاكراد والقضاء على قوتهم، من مصلحة تركيا تسليم الشريط الحدودي الشمالي الشرقي للدولة السورية وهذا ما طرحته تركيا على روسيا وايران والدولة السورية
الاعلام يصور الوضع خارج اتفاق في معادلات اقليمية دولية لصالح الدولة السورية الان بعد ان بسطت نفوذها على غالبية الارض السورية وتجاوزت المحنة ، العرب تقودهم ردود الافعال المتشجنجة ونحو تعبئة ليست في مكانها وتقودها نظرة العداء كونها ساهمت بشكل كبير في انتشار الارهاب في المنطقة واذا خضعنا لهذا المفهوم فهناك دول عربية ساهمت في ذلك منذ بداية ما يسمى الربيع العربي.

- من مصلحة تركيا وايران وسوريا والعراق اضعاف الاكراد وتحجيم حلمهم القوات الكردية في شرق سوريا تقدر100الف مقاتل مدربة اعلى مستويات التدريب من خبراء اسرائيليين والمان وفرنسيين وامريكان واسلحة صاروخية اسراييلية وامركية وفرنسية الحلم الكردي سيقضي على سوريا الموحدة وعلى تركيا والعراق وايران بينما تطالب تركيا في المنطقة الامنة تواحد قوات وامن الدولة السورية على الشريط الحدودي للقضاء على الخطر الكردي
- مجرد سؤال بدون عواطف او تشجنج واريد اجابة بمنظور استراتيجي وليس بالشكل المباشر المحدود
السؤال
ايهما اخطر على الدولة السورية العملية التركية على الشريط الحدودي مع سوريا ومواجهة قوة الاكراد ام وجود 100 الف مسلح كردي مسلحين باحدث الاسلحة اسرائيلية امريكية فرنسية يعملون على بناء دولة كردية من شمال العراق لشمال سوريا كمناطق ضعيفة وايهما يهدد الامن القومي العربي بجغرافياته السياسية وما هو المطلوب فعله من مواقف امام تلك المعادلين ؟؟؟

ولكي نعطي القضية الكردية حقها الإنساني فمطلوب من العالم حل تلك المشكلة التي هي تساوي تقريبًا ما تنظر له الحركة الصهيونية للشعب الفلسطيني من تشتيت وترحيل وعدم وجود نظام سياسي ودولة للشعب الفلسطيني وبالتالي نحن مع حقوق الشعب الكردي في إيجاد كيانيات سياسية معبرة عنه وممثلة له في ظل الدول الإقليمية كحكم ذاتي واسع وحقوق المواطنة، أذكر هنا بالتجمعات الرئيسية والتي ليست هي أقليات في دول المركز التي يتواجد فيها الأكراد:-
- يشكل كرد تركيا 56% من مجموع الكرد في العالم. وعددهم 30,016,000 نسمة (20% من مجموع سكان تركيا). يعيش معظمهم في الجنوب الشرقي لتركيا.

- يشكل كرد إيران 16% من مجموع الكرد في العالم. عددهم 4,398,000 نسمة (حوالي 6% من مجموع سكان إيران). يعيش معظمهم في غرب وشمال غرب إيران
- .يشكل كرد العراق 15% من مجموع الكرد في العالم. وعددهم 3,916,000 نسمة (حوالي 12% من مجموع سكان العراق.

- يشكل كرد سوريا 6% من مجموع الكرد في العالم. عددهم 1,661,000 نسمة (حوالي 8% من مجموع سكان سوريا) . يعيش معظمهم في شمال شرقي سوريا.

توصية:
1- أعتقد بعد الجريمة الكبرى التي مورست من قبل الجامعة العربية وسوء تقدير الموقف في قراراتها والتي نتج عنها توصية مجلس الأمن بمناطق حظر جوي في ليبيا وسوريا مما مهد لعدوان شامل على تلك الأراضي وتحويلها إلى دول منهارة ودول فاشلة وممارسة بعض أعضائها تمويل ما يسمى الربيع العربي قد أتت متأخرًا فكرة الأمن القومي العربي وإدانة العدوان التركي على الأراضي السورية في حين أن تلك الإدانة كانت بعيدة جدًا عن توافق روسي إيراني أمريكي قد يخدم بشكل أساسي النظام السوري في اضعاف الأكراد لصالحه وبرغم التفسير المباشر للعدوان التركي على تلك الأراضي فان هذه العملية قد تخدم العراق وايران وسوريا وتركيا أيضًا ولذلك نوصي بتراجع الجامعة العربية عن قرارتها السابقة في اجتماعها يوم السبت القادم للبحث في العدوان التركي وأخذ قرار عاجل بعودة الدولة السورية لمقعدها في الجامعة العربية.
2- فلسطينيًا لا يوجد موقف فلسطيني واضح بخصوص العدوان التركي من قبل السلطة الفلسطينية أما فصائل المقاومة يسارها بيمينها فقد صمتت على هذا العدوان ولم تبدي رأيًا في ذلك رغم وساطة إيرانية للتقارب بين حماس وسوريا ولكن مؤخرًا اليوم صرح سامي أبو زهري بشكل أو بآخر بدعم العدوان التركي وبالتالي حماس حسمت أمرها في ذلك الصراع.
3- اتخذ القائد الوطني محمد دحلان موقفا رائدا وفوريا وحادا تجاه العدوان التركي على سوريا مطالبا الجامعة العربية بالعمل السريع على عودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية محذرا وبشدة من خطورة المارب العدوانية التركية للمنطقة العربية ، وهو موقف متقدم جدا عن حالة التردد والتيه والنظرة الحزبية وتجاذباتها و التي اصابت النظام السيساسي الفلسطيني بشقيه في الضفة وغزة.

سميح خلف