البطة
. يحكي أن صياداً اصطاد بطة برية لغذائه فذبحها وتبّلها ودفع بها إلى الفران لطهيها بالفرن على أن يعود لأخذها بعد ساعة ،فبينما قاضي المدينة عائد إلى بيته ممتطياً بغلته مر من أمام الفرن فملأت خياشيمه رائحة الشواء فأرسل في طلب الفران ليسأله عن مصدر هذه الرائحة الطيبة ، فأبلغه بخبر البطة والصياد ، فقال له القاضي : إذا أتممت شيها فأرسل بها إلى بيتي لأتغذى بها .
قال الفران :
ولكن يامولانا ماذا سأقول للصياد حين يأتي لأخذها .
أجاب القاضي :
قل له بعد أن تم شيها وتجهيزها قامت وعضتني في يدي وطارت !!
قال الصياد:
ماهذا الكلام يامولانا . وهل يقول بهذا الكلام إلا مجنون .
قال القاضي : وماشأنك أنت .. أليس إذا أراد أن يشكوك أتى إلى ديواني ؟
عندها سأعرف كيف أخرجك منها كما تخرج الشعرة من العجين .
ثم إن الفران أرسل البطة المشوية إلى بيت القاضي فأكلها لاهنيئاً ولامريئاً .
وعاد الصياد إلى الفرن ليحمل بطته المشوية فاستقبله الفران مزمجراً شاتماً لاعناً أباه وأمه قائلاً :
إن البطة الملعونة لما اكتمل شواؤها وذهبت أخرجها من الفرن هجمت على يدي وعضتني وطارت في الفضاء الفسيح
فهاج الصياد وماج وأمسك بخناق الفران يريد الفتك به ونشبت بينهما معركة فأراد أحد المارة أن يصلح بينهما فصرخ فيه الفران :
إليك عني .. ماشأنك أنت ثم ضربه ضربة فقأت عينه فصرخ الرجل وأمسك به وقال لاأتركك حتى اقتص منك .
فتفلت منهما وراح يعدو وهما يعدوان خلفه حتى وجد مسجداً فدخله وصعد إلى مئذنته وهما يتبعانه حتى إذا حوصر قفز من أعلى المئذنة إلى باحة المسجد وتصادف عندها أن مصلياً كان ساجداً فهبط عليه ودق عنقه .فقام أخوه يصرخ ويمسك برقبة الفران وأقسم ليقيمن عليه الحد عند القاضي ..
ولما وصل الموكب الصاخب إلى ديوان القاضي وقد علا صراخهم وزعيقهم قال لهم اسكتوا وتأدبوا يالمامة ياغجر وأنتم في حضرة قاضي القضاة وسأحكم بالعدل فيماشجر بينكم .
تقدم الصياد أولاً فقال :
يامولانا هذا الصياد دفعت له بطة مذبوحة ومتبلة لشيها فقال كلاماً لاينطلي على المجانين إذ زعم أنها بعد اكتمال شيها عضته وطارت .
فأخذ القاضي يفكر حيناً ثم هتف في الصياد منتهراً :
وماذا تنكر من هذا ياقليل الدين .. ألست تعلم أن الله يحيي العظام وهي رميم .الفران لم يكذب عليك . فالله قادر على أن يبعث البطة المشوية من الصينية لتطير .
- ولكن ياحضرة القاضي .
- مالكنش . هل ستنكر المعلوم من الدين ياكافر . والله لئن لم تنته لأقيمن عليك حد الكفر . وسأكتفي بتوقيع غرامة مالية عليك قدرها ألف دينار .
ثم تقدم الرجل الثاني ممسكاً عينه وحكى للقاضي ماكان من أمره ..
سأله القاضي عن اسمه وديانته فتبين أنه نصراني من أهل الذمة
فقال القاضي:
شكواك مقبولة ومحل اعتبار ولهذا سننصفك ونعيد إليك كامل حقك .. لكنك تعلم أن دية النصراني نصف دية المسلم .. وفي حالتك هذه سيقوم الفران باقتلاع عينك الثانية وفي المقابل تقوم أنت باقتلاع إحدى عينيه .
صرخ الرجل هلعاً وقال تريدني يامولانا أن أصير أعمى بعد أن صيرني هذا المجرم أعوراً ؟!
نهره القاضي قائلاً:
تسب خصمك أمامي وترفض حكمي .. قد حكمنا عليك بغرامة مالية قدرها ألف دينار .
وجاء شقيق الرجل الذي دق الفران عنقه حين قفز فوقه فحكى حكاية شقيقه الساجد العابد ففكر القاضي برهة ثم قال :
اسمع يارجل .. سنعيد إليك حق أخيك كاملاً فالنفس بالنفس .. وماعليك سوى اعتلاء المئذنة وسيتخذ الفران وضع السجود في باحة المسجد ثم تقفز من أعلى فتدق عنقه .
فارتعد الرجل فرقاً وقال :
وهب أننى لم أسقط مباشرة عليه وانحرفت يميناً أو يساراً .. ألا أفقد عندها حياتي وألحق بأخي ؟!
قال القاضي :
فأنت ترفض حكم المحكمة إذن وفي هذه الحالة يتم تغريمك ألف دينار كذلك ..
هكذا كان حكم القضاء العادل ، نجا الفران من العقاب وفاز القاضي بالبطة المشوية.
--------
#M_M