أميل للتفريق بين القوى العظمى والقوى الكبرى

القوة العظيمة هي التي تفرض سياساتها وحضورها عبر الإقناع والمشاركة والتفاعل الإيجابي معتمدة على قوتها الاقتصادية والعسكرية من ناحية، وذكاء قادتها وإيمانهم بالسلام من ناحية أخرى، هذه القوى قليلة في العالم الآن لكن حضورهم ملحوظ في الأزمات.

أما القوة الكبيرة فهي التي تمتلك جيش واقتصاد أقوياء لكنها غير متفاعلة إيجابيا وسياستها الخارجية لا تقوم على المشاركة بل المواجهة، لذا فتأثيرها السياسي ضئيل بالمقارنة مع القوة العظيمة، لكنه يبقى ضئيلا لفترة مؤقتة لحين صعود زعماء ليها مؤمنين بالسلام ويقرروا المشاركة البناءة في تطور العالم..

مثال للتوضيح

أمريكا قوة كبيرة..لكن تأثير سياستها لم يعد كبيرا كما في السابق، هي الآن ليس لها نفوذ سياسي على إيران وروسيا والصين ناهيك عن خصومها في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، ومؤخرا افتعلت مشاكل اقتصادية مع أوروبا حتى وصل نفوذها لأقل معدلاته الآن في سوريا...تخيل لما يقرر أردوجان الهجوم على مناطق الأكراد التي يتواجد فيها الجيش الأمريكي..دليل أن أمريكا الآن ليست قوة عظمى لفقدانها أذرع الدبلوماسية وكفرها بمبدأ المشاركة والحوار وقعودها التام حاليا عن التفاعل الإيجابي مع قضايا العالم بالانسحابات المتكررة من المعاهدات..

أما بريطانيا وفرنسا فبرغم أنهم أقل اقتصادا وجيشا من أمريكا لكن حضورهم الدولي أقوى من أمريكا، ماكرون هو الذي حرر سعد الحريري من اعتقال بن سلمان له في الرياض، وكلتا الدولتين طرف أساسي في الاتفاق النووي، وفي الوساطة بين أطراف كثيرة في العالم خصوصا في أفريقيا، هنا العَظمة تحققت بإيمان قادتهم بالسلام والحوار رغم الاختلاف مع بعض سياساتهم ومواقفهم، لكن في الأخير هم معبرين عن معنى (القوى العظمى) لتأثيرهم الآن على السياسة الإيرانية كمثال بوضع روحاني في دايرة الاتفاق واللقاءات الدبلوماسية المتكررة اللي ستضطر إيران في الأخير للاستجابة..وتلك مزايا الدبلوماسية لو تعلمون..

القوة ليست في إمكانية البطش أو القدرة على الفتك، بل القوة الحقيقية في الحضور والإقناع، مجالس القبائل مثلا والمصالحات العرفية هل يختارون أقوى الناس ذراعا وعضلات والا يختاروا الأكثر حضورا وعقلا وقبولا من كل الأطراف؟

هو ليس مجرد خلاف لفظي بالمناسبة لأن معناه يتحقق برؤية دول كبيرة ذات نفوذ ضئيل دون معرفة السبب، في المقابل رؤية دول قد تكون صغيرة لكن نفوذها كبير أيضا دون معرفة السبب، والسر في إيمان البشرية (بالعظَمة) وتجلياتها وشروطها، فليس من المقبول أن يظل رئيس جمهورية دولة ينسحب من المعاهدات ويشتم رؤساء آخرين ويشعل صراعات تافهة حتى داخل حزبه ثم يقال أن دولته عظيمة...بالعكس..هذه دولة حمقاء تافهة لكن بإمكانيات كبيرة والخطر في بقاء الوضع على ما هو عليه فترة طويلة لأن السقوط هيكون نتيجة حتمية يفرضها التاريخ للبقاء وإمكانية التطور..