الفلسطينيون وصفقة القرن والتطبيع

الفلسطينيون على اختلاف مناهجهم السياسية واختلافهم ومناكفاتهم واتهاماتهم لبعضهم البعض اجمعوا على رفض صفقة القرن وان كانت الاتهامات ما زالت مستمرة بينهم كل يتهم الاخر بالعمل على تمرير صفقة القرن ، واذا ما اخذنا التيرمومتر الشعبي قياسا لهذا الرفض وهو المقياس الحقيقي وليس السياسي لطبقة الحكم والسلطة فان الشعب الفلسطيني يرفض تلك الصفقة او حلول انت بها الطبقة السياسية تمخض عنها اتفاق اوسلو الذي اصبح غير موجودا اسرائليا مع احتفاظ السلطة باهم بنوده التنسيق الامني والتعاون التجاري والاقتصادي والفني بموجب اتفاقية باريس ولكن اتفاق وسلو وسلام الشجعان لم يعد قائما ، هذا الموقف والبرنامج الذي تعتمده السلطة لايعبر عن رأي موقف الشعب الفلسطيني في ظل مطالبات لتنفيذ قرارات المجلس المركزي والقيادة المقته لمنظمة التحرير في اجتماعها في بيروت قبل اكثر من عامين ، وفشل كل محاولات انهاء الانقسام واخرها ما توصلت له الاطراف في القاهرة عام 2017م ، اما في القسم الاخر مما تبقى من الوطن في الجنوب ، صدرت بعض التصريحات بان الحرب لن تحل مشكلة ولذلك طرح الهدنة امرا ممكنا بين غزة واسرائيل وتجميد فعل المقاومة لتصبع في حالة دفاع عن الحدود وليس الهجوم واستخدام المقاومة كاستراتيجية تحرير ، ولذلك يبقى البرنامجين عاجزين عن تلبية الطموح الفلسطيني في حرير فلسطين ، وكلا البرنامجين في الشمال والجنوب لهما ذرائعهما ومبرراتهما والمتشبثين بها كل من طرفه كواقع قائم يأخذ الواقع الديموغرافي والوطني الفلسطيني الى دروب واحتمالات قد تكون حالة انفصال دائمة وقائمة بين الشمال والجنوب وفي ظل غياب الجراءة وتجميد المصالح لكل منهما فالبحث عن اطروحات وحلول اخرى خارج الصندوق الاكلاسيكي فمثلا يمكن انهاء الانقسام بادارة ذاتية اقليمية بين في الشمال والجنوب يعبر عنها فدراليا او كنفودراليا كمحطة اولى لتجاوز الازمة ، بل فكرة الانتخابات والمطالبة بتفعيلها وهي عقدة من عقد عدم انهاء الانقسام والقفز عن ما هو مهم جدا وطرح المهم او التقليدي بين البيضة اولا ام الدجاجة ، في كل الاحوال هي حالة تيه فلسطينية بابسط الاوصاف ، وربما الاندفاع لطرح فكرة الانتخابات وان كان حالة تتطلبها الحالة الفلسطينية ولكن طرحها الان وفي عمق تعمق الازمة وعدم الوصول لحلول لازماتها وتحت ذريعة ان الانتخابات هي الحل امر مشكوك فيه ولفرض وقائع ربما تؤدي للانفصال ، فاذا كان قانون الجرائم الالكتلرونية باعتراف الوزير السابق العيسة كان باملاءات خارجية فايضا هذا الطرح وفي هذا الوقيت قد يكون كذلك ..هذا اذا ما عدنا للخلف كيف استحدثت انتخابات السلطة في عام 2005 م و2006م والتي اقربها كل الاطراف كانت باملاءات امريكية واسرائيلية .

صفقة القرن الذي اعلن عن تأجيلها اكثر من مرة اصبحت الان وكانها خيال ولكن قد تقول الوقائع على الارض ان اهم ما تحتويه هذه الصفقة عدة قرارات تجاوزت السبع قرارات اتخذها ترامب بشأن القدس واللاجئين والانروا والصحة والجولان ومكتب منظمة التحرير في نيويورك والاحتفاظ بدعم الاجهزة الامنية وهذا يكشف الترتيبات المتوقعة للضفة في ظل دعوات اسرائيلية لضم اكثر من 70% من الارض وتوسيع افق مسؤليات الادارة المدنية والمنسق العام الاسرائيلي لادارة الضفة ، اما غزة فهناك اكثر من لاعب فيها الاحتلال وقوة وسائله في التأثير وقطر ومصر وتركيا وايران ولكن الخط العام للجميع يسير تحت بند التهدئة ولكل من الاطراف مصالحه ومستشفى امريكي واموال قطرية ووعود بمشاريع وفتح افاق العمل للعمالة في بلدات غلاف غزة ومنطقة صناعية ، اعتقد بذلك قد وصلنا لتعريف ما يسمى صفقة القرن ، اما الركيزة الاخرى للصفقة فهي التطبيع مع الدول العربي او ما يسمى الحلف السني في المنطقة توتحت مفهوم مواجهة التمدد الشيعي الايراني بالتحالف مع اسرائيل ، وما يستجد في هذا الشأن هي نفس فكرة بدايات الربيع العربي ثورة الشعوب على الفساد والاموال المنهوبة التي دفعت المواطن في العراق ولبنان للانتفاض ضد الدولة والفاسدين ولكن اعتقد ان الهدف السياسي الذي تحركة دول خارجية هو محاولة تغيير النظم السياسية في العراق ولبنان بحيث لا يكون التحام حدودي وجغرافي للهلال الشيعي الذي يبدا من طهران مرورا بالعراق وسوريا الى لبنان .

اسرائيل تعول على التطبيع مع الانظمة العربية وهذا ما صرح به اكثر من مسؤول اسرائيلي في ظل الدعوات لنهوض مفهوم الامن القومي العربي مقابل ايران وهلالها في المنطقة ، وربما توصلت اسرائيل وبتعبيرات من الانجاز والسرور تشدق بها نتنياهو كاحد انجازاته ، في اعتقادي ان هذا الانجاز سطحي وساذج فما زالت الشعوب ترفض التطبيع مع اسرائيل وليس كل ما يقرره اي نظام سياسي بحكم المعادلات الاقليمية يمكن ان تستجيب له الشعوب واريد هنا ان استشهد بعدة وقائع :

  1. في فترة حكم الرئيس مبارك اراد السفير الاسرائيلي في القاهرة الاحتفال بعيد ما يسمى الاستقلال في جروبي وسط القاهرة ، دخل السفير وضيوفه الى القاعة وقدمت لهم الوجبات وعند انتهاء الحفل اراد السفير ان يغطي التكلفة ، فما كان مدير جروبي الا ان يرفض ان ياخذ تكلفة الحفل ، فاندهش السفير فرحا بان الشعب المصري يفتح لهم اذرعه ، ولكن قاطعه مدير الفندق وقال له لااريد الحساب ولكن لا اريد ان اراك هنا مرة اخرى ... حينها احتجت وزارة الخارجية الاسرائيلية ، وكان رد الرئيس حسني مبارك : انا لا استطيع اجبار الشعب المصري للتطبيع معكم .
  2. اعتقد الشاهد الثاني لرفض الجماهير العربية للتطبيع هي تلك الهتافات التي هتفت لفلسطين في مبادين تونس ولبنان والعراق
  3. اعتقد عودة لجذور الموقف العربي والجمل الحادة التي استخدمها الرئيس قيس سعيد التونسي تجاه اسرائيل وانتماءه للقضية الفلسطينية
الجماهير العربية ترفض التطبيع اما الفلسطينون وبموقفهم الرافض للصفقة لن تجروء اي دولة عربية لقبولها وان كان التطبيع الشكلي بينها وبين اسرائيل او هناك تطبيع امني بموجب اتفاقيات دولية واقليمية :

يقول عموس جلعاد رئيس القسم السياسي والامني السابق في وزارة الحرب الاسرائيلية من خلال صحيفة جروزلم بوست : (اسرائيل ستندم بعد رحيل عباس والتطبيع مع الدول السنية هش ) اما بخصوص صفقة القرن كان له رأي يقول :( إنّه إذا لم يكُن ترامب متأكّدًا على الأقل بنسبة 75 بالمائة بأنّ العالم العربيّ لن يرفض صفقة القرن، فعليه التقدّم فيها، مُشدّدًا على أنّ فرص قبول الدول العربيّة لخطة يرفضها الفلسطينيون، والتي قالوا بالفعل إنّهم سيفعلونها، لا شيء تقريبًا. إنّه إذا رفض الفلسطينيون والدول العربيّة خطّةً طرحتها أمريكا، أقوى دولةً في العالم، فهذا يعني أنّه لا يوجد أمل ولا أفق سياسيّ، وهذا لن يؤدّي إلّا إلى الإحباط، مُحذّرًا من أنّ طرح خطة سيتّم رفضها سيكون مزعزعًا للاستقرار، لأنّه سيظهر بوضوح أنّه لا يوجد خيار سلام.
وأوضح أنّه لا يستطيع أنْ يتخيَّل أنّ الفلسطينيين سيقبلونها، وعليه لن يجرؤ العرب على اعتمادها، لأنّ القيام بذلك سيؤدّي لزعزعة الاستقرار الداخليّ الخاصّ فيهم، لافتًا إلى أنّ قوّة عبّاس تكمن في ضعفه، فهو يستطيع أنْ يقول للدول العربيّة بألّا تجرؤ على الاعتراف بخطة ترامب، ولن يفعلوا ذلك، لأنّ القيام بذلك سيُنظر إليه على أنّه شكل من أشكال الخيانة للقضية العربية، جازِمًا: انطباعي من العرب هو أنّهم لن يفعلوا أيّ شيءٍ يُعتبر خيانةً للفلسطينيين، ليس لأنهم يحبونهم، بل لأنهم يحبون أنفسهم، وفق تعبيره. وأشار إلى أنّه إذا كانت الدول العربيّة، كجزءٍ من الخطّة، ستُقيم علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ أوْ اقتصاديّةٍ مفتوحةٍ مع إسرائيل، ستُنظر إليها على أنّها خيانة لقضيةٍ عربيّةٍ عميقة الجذور، مُضيفًا: ليس لدى العرب أي مشاكل في تعميق علاقاتهم بنا تحت الأرض، لكن ليس لديهم علاقات طبيعية، ولقد اكتشفت الدول العربية قيمة إسرائيل، ولكنّ العلاقات تبقى “تحت الأرض”، بحسب توصيفه، وقال إنّ التطبيع الجاري مع دولٍ عربيّةٍ هو بمثابة وهمٍ، ولا يثير إعجابه، “لا أبحث عن الإيماءات، ولكن عن أشياءٍ حقيقيّةٍ، أريد أنْ يذهب رئيس أركاننا إلى مصر في منتصف اليوم وأنْ يستقبله حرس الشرف، بعد 40 عامًا من السلام، لماذا لم يحدث هذا؟، وقال السبب بسيط: إنّهم يخشون التطبيع، الجمهور ليس في صالحهم، وهم قلقون من أنّهم إذا فعلوا ذلك، فسوف يتزعزع استقرارهم. وكشف أنّ التعاون الأمنيّ والاستخباريّ بين إسرائيل والدول العربيّة السُنيّة قوي ومُرحّب فيه، لكن هذا لا يكفي، لأنّه غيرُ مستقّرٍ ويمكن أنْ يتغيّر، وشبّه ذلك بشجرة ذات جذر واحد فقط يُمكِن أنْ يزول بسهولةٍ في إعصارٍ سياسيٍّ، ومثل هذه الأعاصير معروفة بالشرق الأوسط، وقال غلعاد إنّ إسرائيل “ترتكب أخطاءً كبيرةً في سياساتها تجاه الفلسطينيين، وخاصّةً تجاه عبّاس، الذي قال إنّ الكيان سيندم عند رحيله، إذْ أنّه على عكس عرفات، الذي وصفه بأنّه قاتل عملاق وإرهابيّ رئيسيّ، وشخص قال إنّه أوصى بعدم التفاوض على السلام، عباس مختلف، لافتًا إلى أنّه ضدّ الإرهاب، ونحن نقدمه كإرهابيٍّ، إنّه ليس إرهابيًا، ولن يقول أيّ شخصٍ في المؤسسة الأمنيّة أنّه إرهابيّ، كما قال.
وفي معرِض ردّه على سؤالٍ قال غلعاد إنّه يتحتّم على إسرائيل أنْ تُقرِّر ما إذا كانت تُريد استمرار عباس والسلطة الفلسطينيّة، أوْ ما إذا كانت تريد إنشاء إدارةٍ عسكريّةٍ جديدةٍ وإعادة تأكيد سيطرتها الكاملة على الضفّة الغربيّة، مُوضحًا أنّ هذا التحوّل يكّلِف مليارات الدولارات. ولفت غلعاد إلى أنّه يُعارِض انهيار السلطة الفلسطينيّة، ليس لأنّه يعتقد أنّ السلام المتفاوض عليه هو قاب قوسين أوْ أدنى، ولكن لأنّ الوضع الأمنيّ الحاليّ في إسرائيل جيّد، وله مصلحة بإبقائه على هذا النحو.
ورأى أنّه على إسرائيل العمل كي لا تنهار السلطة الفلسطينيّة، ولكن بدلاً من ذلك تضرب شريان الحياة الاقتصاديّ، مُشيرًا إلى أنّ إسرائيل تُدمِّر الأونروا، وهي منظمة حقيرة، لكنها لا نجلب بديلاً، وفي النهاية نعتمد عليها لتوزيع الأموال في غزة، مُختتمًا حديثه بالقول: بغضِّ النظر عن المشكلة الأخلاقيّة المتمثلة في تحويل الأموال إلى السلطة، والتي يتّم استخدامها لتمويل “الإرهابيين”، فإنّ هدف إسرائيل هو إنقاذ الأرواح، وطالما تعمل السلطة الفلسطينيّة ضدّ الإرهاب، فلا ينبغي لنا أنْ نتحرّك ضدّ مصادر أموالها، لأنّه بدون نقود، سيكون الوضع مثل سيارةٍ بدون بنزين، وفق توصيفه.
سميح خلف