" التطور من سُنَّة الحياة".. هكذا قال المؤرخ الدكتور أبو القاسم سعد الله، و لذا على المثقف ان يسرع الخطى في مواجهة كل ما يهدد هويته و أن يواجه كل التحديات، لأن القطار يغذ السير و لا ينتظر، لأن التطور يقتضي معرفة ما عند الآخر و الإستفادة منه عند اللجوء إلى التغيير، و التغيير عند الفلاسفة يقتضي حرية التفكير و التعبير، و بدون هذان العنصران لا يمكن تحقيق أي معادلة ، يقول سعد الله أنه بالنظر إلى الأنظمة العربية و الغربية منها لم تعرف بلدان المغرب العربي حالة الإنفتاح و التعددية إلا مؤخرا و بشكل نسبي، يوم اندلعت حرب الهوية الأمازيغية في الجزائر ، و ثورة الخبز في تونس، و ما حدث في مصر و ليبيا و ثورة الريف، راح العالم العربي يبحث عن مُنَظِّرٍ فكري كمالك بن نبي أو ارنولد توينبي يستطيع الترويج لأفكاره ( اي العالم العربي) و يسوقها، في وقت تحوّل فيه المثقف و الأديب و الإعلامي إلى مجرد موظف يتلقى راتبه كل شهر مقابل خدمة يقدمها أو خبر ينقله، ولا يكلف نفسه في البحث عن البديل، و تقديم الحلول لتغيير الوضع، و اعتقد أن المسيرات الشعبية وحدها التي توصل صوته إلى الرأي العام، مثلما يحدث في الجزائر و السودان و حتى العراق من حراك شعبي.
لقد غاب صوت المثقف في هذا الحراك، الصّوت الذي قرأنا عنه في كتب التاريخ و الفلسفة، تلك الأصوات الثائرة التي اتخذ الصراع معها شكل مقاومة شرسة، انتهكت فيها الثوابت و ديست فيها القيم، لأن الثقافة العربية كما يقول أبو القاسم سعد الله لم توحد برامجها في الوطن العربي و غرقت في الخصوصية التي تشتت الجهود و تبعث على الفرقة، و على حد قوله لا تستطيع دول من من الوطن العربي مشرقا و مغربا أن تقاوم العولمة وحدها في اللغة و الآداب و الفن و الإعلام، بل لابد من تظافر الجهود و العمل المشترك و المنسق، يرى أبو القاسم سعد الله أن الضربات الواقعة على رأس الثقافة العربية اليوم أقوى من الضربات الواقعة على رأس السياسة، فنحن - كما يقول هو- نرى نوعا من التسامح مع النظام السياسي و تراخي القبضة الحديدية إذا تعلق الأمر بنظم الحكم و الحكام و تصرفات الدول العربية، بينما نشاهد هجوما كاسحا على نظام التعليم و تعاليم الإسلام و على القيم الإجتماعية و نظام الأسرة.
الأمور تجري تحت شعارات مغرية مدروسة، تجندت لها نخبة حولت المجتمع العربي إلى نكبة و تواطأت عليها جيوشا من وسائل الإعلام و دعت إلى إزالة كل الحواجز، و السبب هو أن النخبة لم تطلب يوما لقاءات دورية مع أهل الحكم، بل لجأ البعض منهم إلى نفاق أهل السلطة لتحقيق طموحاتهم الذاتية، و غطوا نواياهم برفع شعارات باسم الديمقراطية و الحرية و حقوق الإنسان و القضاء على الفساد و الإرهاب و الطغيان، و مواجهة العولمة، هذه العولمة التي تسعى الولايات المتحدة إلى وحدة العالم سياسيا و ثقافيا، و أـن تكون اللغة لغة واحدة مشتركة هي اللغة الأمريكية و ليست حتى الإنجليزية، و أن تكون لها مرجعية واحدة هي الدستور ألأمريكي و ثقافة واحدة تكون نتاج القلب و العقل الأمريكي المدبر و المخطط، و هذا يدخل في باب الإحتلال الفكري، أو جدلية الإحتلال و التحرر التي عجزت الشعوب على مقاومته عبر التاريخ مما زاد في اتساع الهوة بين السياسي و المثقف، أو بالأحرى بين المثقف و السلطة، لأن القرارات التي تصدرها السلطة غالبا ما لا تتوافق مع أهل الفكر و الثقافة و الإعلام، و ظل المثقف حبيس ذاته يجلس في الصفوف الأخيرة يتأمل و لا يتفاعل، و حتى لو طلب التدخل لا يمنح له حق الكلمة، فعجز حتى عن تفريغ مكبوته الفكري لأن السوق لا يتكلم إلا بلغة تجارية.
علجية عيش