رغم معرفة الفصائل !

بعض الفصائل لها خبرة واسعة في مسلكيات منظمة التحرير وبرنامجها الذي يترك مستنقع إلى مستنقع آخر باعتبارها عضوًا في تلك المنظمة على الأقل منذ عام 1969 وإلى الآن، ومنها بعض الفصائل التي انشقّت عن فصائلها الأم في عام 1984 أبان انعقاد المجلس الوطني في عمّان، حيث كانت قيادة منظمة التحرير بحاجة إلى توثيق شرعيتها بعد الإنشقاق الكبير الذي حدث في فتح والذي أدى إلى الفرز بين سلوك اليمين وسلوك اليسار. ومهما كانت التبريرات بمحاولة دمشق احتواء الثورة الفلسطينية وهي تبريرات لاحتواء المشاعر الفلسطينية المتمردة على كل شيء وهو تبرير ليس بالضرورة هو الأصوب، بل كان الأصوب هو التناقض الكبير الذي يحدث داخل حركة فتح ومحاولة طرف فرض رؤيته السياسية التي بلور عنها بسلوكياته في اتجاه مهمات لبعض الكوادر للاتصال بالإسرائيليين في دول أوروبا وغيره، وهذا موضوع طويل ليس هذا بمكان لطرح التفاصيل فيه.
المهم هنا أن تلك الفصائل تعرف أن تلك القيادة إذا قررت عقد جلس وطني أو مؤتمر عام حركي بالتّأكيد ليس لتنشيط الأطر والمؤسسات الفلسطينية فكلكم يعرف حال تلك المؤسسات الآن، وكلكم يعرف أن المؤتمرات الحركية لا تعقد في مواعيدها حسب النظام تحت مبرر الظروف الغير ملائمة، ولكن تكون الظروف ملائمة عندما يكون هناك منهجية وسلوك واستحمار مطلوب تمريره على أطر فتح أو على اللجنة التنفيذية للمنظمة أو على الشعب الفلسطيني بشكل عام.
إذًا بعد غياب أكثر من تسع سنوات على استحقاقات الإنتخابات الرئاسية والتشريعية ومضي أكثر من عقدين على غياب المجلس الوطني يقرّر الرئيس عبّاس إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية لتفعيل المؤسسات للسلطة وتحت مبرّر أيضًا تجاوز المعوّقات في الوصول إلى المصالحة، واللجوء للشعب لحسم هذا الأمر، ولكن الحقيقة أيضًا ليست كذلك، فعباس يفهم وهو أحد المعوقات في اتجاه عدم تحقيق المصالحة بتصريحاته ومواقفه التي تتقدم للأمام نحو إسرائيل والتزاماته نحوها، وتصلّب حماس من ناحية أيضًا والجهاد على اعتبار أنهم يتبنون مشروع المقاومة ومشروع المفاوضات ايضًا ولكن بشكل تهدئة وهدنة، وكذلك يفهم عباس وتفهم الفصائل أن هناك أجهزة سيادية قوية لحماس في غزة مبنيّة على أسس حزبيّة وهناك مؤسسات سيادية للسلطة ولكلٍ برنامجها الخاص وطريقة أدائها وعملها والكل هنا يبحث على أن يحذف الآخر من قاموس الساحة الفلسطينية، ومهما قيل من شعارات الشراكة وغير الشراكة فالقضايا كلها مدمجة بين المصالح الحزبية والفصائلية والطبقية التي أفرزتها تلك الفصائل وبين البرنامج الذي يتبناه كل منهما وبالتالي أصبحت فكرة الإنتخابات بعد تسع سنوات من الغياب تضرب في عمق التيه والتوهان والحسابات الغير دقيقة لكل منهما وربما نذهب لجرف أوسع وأكبر وربما نذهب لائتلاف لتقارب البرامج بعد صعود الأزمة الإنسانية في غزة لتكتسب مفاهيم سياسية مع الإسرائيليين أيضًا وهذا تقارب بين منهج عباس ومنهج المقاومة في تلك المرحلة التي انعدم فيها من كلا الطّرفين أسس الصراع الرئيسية وهي تحرير فلسطين إلى بناء دولة في الضفة أو غزة أو ما تبقى، ربما يكون هذا أيضًا مخرج لائتلاف وقوائم مشتركة إذا أجادوا فن المحاصصة بينهم بقناعة، وبالتالي تذهب حركة النضال الوطني الفلسطيني على الأقل أكثر من عقد أو عقدين إلى مهب الريح في ظل تغيير جيو سياسي وجغرافيا سياسية في المنطقة قد تستطيع لخبطة كل الأوراق الفلسطينية بحيث لا يصبح هناك جدوى من البدء من جديد في صياغة الحُلم الفلسطيني والنضال من أجله.
وافقت الفصائل بلا شروط على إقامة انتخابات تشريعية أولًا وتبقى قصة الرئاسية في "جيب عباس" وإلى منظور جديد وإلى متغيرات قد تقلب كل الأوراق في الضفة الغربية لتبقى غزة هي مركزيّة القرار الفلسطيني والحاق ما تبقى من مدن الضفة إلى غزّة في ظل شبه دولة، أما عن عقدما نص عليه النظام في ظل قرار ترامب بالاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة إسرائيل والتدقيق في تلك المناخات التي يمكن أن ترفض فيها إسرائيل الانتخابات في القدس فنحن إذًا أمام خيارين الخيار الأول أن ترفض حماس وباقي الفصائل إجراء الانتخابات وبالتالي يقوم عباس باجراء انتخابات في الضفة فقط مبررًا رفض حماس والفصائل التجاوب معه وبرغم وضع موافقتهم بلا شروط، والخيار الثاني والذي تحتاجه حماس بعد مشروعها بالتهدئة والهدنة مع إسرائيل وتقنين عمل المقاومة أو تجميدها فهي تحتاج أن تخرج من أزمتها بخصوص مشروعها المقاوم، وتلقي المسؤولية على رئاسة السلطة ومنظمة التحرير في هذه المرحلة عن كل التداعيات التي قد تصيب القضية في الفلسطينية في العمق وهي بحاجة أيضًا أن توافق على كل ما يقول عليه عباس لحاجتها لاكتساب الشرعية الدولية والإقليمية وعلى أمل أن تحيي مشروع الإخوان المسلمين الذين انهزم في عدّة محطّات رافعة لواء الوسطيّة والعلمانية أحيانًا لتعيد ثقة الإقليم والعالم بالاخوان المسلمين كمنهج دعوي وليس كمنهج عنفي ونضالي، هكذا يمكن لحماس أن توافق على كل ما يقول عباس لتخلي مسؤولياتها في حين أن برنامجها قد أصيب بالعجز نتيجة الضغط الإنساني من 2 مليون فلسطيني في داخل غزة ولأسباب أخرى أيضًا.
إذًا لم تكن دعوة عباس في الأمم المتحدة وإعلانه عن نواياه لاقامة انتخابات هي ناتج قناعة ذاتية منه بل ما سربته الأنباء برسالة مهددة للسلطة ولمحمود عباس من الدول المانحة بضرورة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لكي تستمر في تمويل السلطة وإقناع الدول الأخرى بأن هناك جانب من الديمقراطية لسلطة فلسطينية تستحق أن تعيش وأن تكرّس ذاتها كمسؤولية على الشعب الفلسطيني بعد أن تعرضت بعض الدول الأوروبية لانتقادات أمريكية وغير أمريكية بعد أن دعمت سلطة فاسدة يدب في أركانها الفساد وهي ليست جديرة بتمثيل الشعب الفلسطيني هكذا عباس يدافع عن وجوده ووجود حاشيته فقط، كما دخلت منظمة التحرير في مشروعها السياسي سابقًا للاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وبدون الاعتراف بالحقوق الفلسطينية والدولة الفلسطينية هكذا تسير الأمور في الضفة وغزة، إذًا استطاع نهج أوسلو أن يجيّر اليسار واليمين لمآربه عبر عقود إلى أن وصل إلى قمة التيار الإسلامي الذي تمثله حماس ومشروعها ليتم تدجينه لأكثر من سبب ولأكثر من مبرّر ولكن العبرة في النتائج وفي النهايات وليس في البدايات، فالخيارات محدودة والدروب محدودة بين هذا وذاك والمصيدة التي لن تستطيع الخروج منها حماس والجهاد وفصائل أخرى مصيدة أعدتها الدول الأوروبية وينفذها الرئيس الفلسطيني عباس لمتغيرات تحدث في الساحة الفلسطينية والإقليمية ونحن نفهمها الآن سواء من اتفاق ليبيا تركيا والمصالحة السعودية القطرية والتهدئة على الجبهة اليمنية والثورة على التدخّل الإيراني في العراق كلها متغيرات قد تصنع لوحة جديدة أهمها ومركزيتها تلك المتغيرات التي قد تحدث في الساحة الفلسطينية.

بقلم/ سميح خلف