الله غير قادر على إحياء الموتى

استحالة قدرة الله على إحياء الموتى نتن ظِرْباني أورده قابانجي بطرح يبدو عليه الجهل والقصد.
يقول صاحب الديانة الشيعية أحمد القبانجي أن الله تعالى غير قادر على إحياء الموتى، هو قادر فقط على إعادة الشبه، وليس قادرا على إحياء نفس الذي مات، هذا ما يزعم هذا المتفلسف الطاعن في ذات الله عزّ وجلّ والمكذب للقرآن الكريم، وكل ما يدعيه يدخله في العمل المستهدف التدليس على الناس ومستمعيه ممن غابت عقولهم.
هذا زعمه في محاضرة له بفيديو منشور له على اليوتيوب، ولقد أطال في الشرح لإثبات زعمه، وجاء بآيات من القرآن الكريم تثبت قدرة الله على الإحياء ولكنها لا تثبت قدرته على الإتيان بنفس الميت، بنفس الذي يراد إحياؤه، فلو أراد الله إحياء الميت؛ إحياء أبي مثلا رحمه الله ورحم أموات المسلمين جميعا فهو قادر على الإتيان بشبهه ولكنه لا يقدر على الإتيان به نفسه من الموت إلى الحياة، ودليله على ذلك ويعتبره أقوى دليل وهو في القرآن الكريم كما ادعى في سورة ياسين وهو قوله تعالى: ((وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79))).
وعرج على الجانب العلمي التجريبي فجاء بأمثلة على تجدد الدم، والدم في كل ثلاثة أشهر بحسب زعمه؛ يتبدل، ونحن نعلم أن مدة حياة الكريات الحمراء أربعة أشهر، وفي السنة الماضية كآخر بحث صدر في شهر نوفمبر من سنة: 2019م ذكروا أن مائة يوم إلى مائة وعشرين يوما هي مدة حياة الكريات الحمراء في الدم، بمعنى أن الخلايا خلايا الدم تتجدد، لا بأس، جاء بمثل عن تجدد الخلايا في ذات الإنسان مآت المرات في حياته، يتبدل الإنسان كما زعم وكل ذلك يدل على تبدُّله ككيان، فإذا أراد الله إحياء الميت والميت بهذه الحالة فهو غير قادر على إحيائه بسبب تبدل مكونات جسمه في كل لحظة وحين، وجاء بمُسَلَّمة كما ادعى، جاء بمُسَلَّمَة فلسفية وهي استحالة إعادة المعدوم وكأن مسلمته يخضع لها رب العالمين، وللتذكير فهي غير صحيحة علميا ومعرفيا ولنا معها وقفة إن شاء الله تعالى.
ومن خلال التبدل كمسلَّمة فلسفية فالإنسان في جهنم بحسب زعمه ليس هو نفسه الإنسان الذي عرفناه وذلك بسبب تبدله، وربما يكون أبو جهل في جهنم ليس أبا جهل الذي حارب الله ورسوله، ويكون المجرمان القاتلان للشعوب ترمب وبوتين إن ماتا على كفرهما ليسا هما ترمب وبوتين اللذين نعرفهما، لن يكونا هما هما في نار جهم، واستدل على ذلك بقوله تعالى عن تبدُّل الجلود، وللإشارة فإنه حين يأتي بآيات من القرآن الكريم للاستدلال بها يأتي بما يؤيد رأيه بحسب ظنه ولا يقرأها قراءة صحيحة وهذا معروف عن الشيعة لأنهم لا يدرسون كتاب الله ولا يهتمون به ولا بلغته العربية لأنه عند علمائهم كالقمي والكليني والجزائري وغيرهم من الذين قَعَّدوا لهم دينهم؛ مُحَرَّف، جاء بقوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) النساء، واستمر إلى أن أثبت من خلال قوله تعالى عن اطّلاع النار على الأفئدة ((كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) الهمزة؛ أن التبدُّل يحصل للقلب والكبد والمخ، يحصل للجسم كله، والنتيجة أن الإنسان ليس هو نفس الإنسان الذي أُدْخل النار، والجلد الجديد الذي استبدل بالجلد القديم الذي احترق ما ذنبه؟ والقلب القديم الذي استبدل بالقلب الجديد والذي احترق هو الآخر ما ذنبه هو أيضا في الاحتراق كما يزعم؟.
إن أهم ما يجب مناقشة هذا المفلس فكريا وثقافيا وأضرابه فيه حين ترد مواضيع غيبية من مثل ما ذكر؛ هو قابلية مناقشتها من حيث الخضوع للعملية العقلية، فالعقل البشري يفكر ويبحث ولكن فيما يقع عليه الحس أو يقع على أثره، فالتفكير الإنساني لا يمكن أن ينتج الفكر والرأي والحكم إلا وفق شروط حتمية لابد منها وهي وجود الواقع أو أثر الواقع والإحساس بذلك الواقع أو أثره والمعلومات السابقة والدماغ وخاصية الربط، فإذا تناولنا ما تناوله ذلك المفلس فكريا نجد أن البعث والنشور والحياة ما بعد الموت وجهنم وعذابها وكل ما هو شبيه بذلك؛ غيبي، وكونه غيبيا يعني أن العقل لا يستطيع التفكير فيه وإصدار الحكم عليه لغياب شروط التفكير ولو شرطا واحدا، فإذا فكر فيه الإنسان أنتج التُّرَّهات من مثل ترهات ذلك المفلس عقليا، والعاقل من الناس لا يفكر في الغيب، فإذا ورد شيء عن الغيب في العقيدة الإسلامية مثلا لا ينظر إليه من حيث تمثّله التمثل الحقيقي والواقعي لأن ذلك فوق العقل وفوق الخيال وخارج نطاق الإدراك، انظر إلى الخالق جلّ وعلا فهو غيب ولكن وجوده مدرك بشكل بسيط يجده كل الناس بما فيهم المنكر لوجوده، فالمنكر لوجود الله لم ينشئ كفره إلا على خلفية وجود الله، وجود خالق الكون والإنسان والحياة، فالوجود أولا ثم النفي ثانيا وهذا كاف لإدراك الحمق في عقل هؤلاء، فهل نفكر في معرفة ذات الله العلية؟ أليس عقلا أن يكون الخالق مختلفا عن المخلوق؟ أليس المخلوق عاجز ناقص محتاج محدود يستند في وجوده إلى غيره؟ فكيف نفكر في ذات لا تشبه ذاتا وهي غيب؟ كيف نفكر في الذي لا يتركب من أجزاء وليس هو كلية ويستحيل أن يكون له شبه؟ أليس من العقل أن يكون الله تعالى غير محدود ولا عاجز ولا ناقص ولا يستند في وجوده إلى غيره؟ أليس الذي لا يشبه شيئا يسمع ويبصر دون أجهزة؟ ليس مثله شيء فكيف يسمع في اللحظة كل شيء ويبصر كل شيء؟ أليس هذه الصفة تليق بالخالق جل وعلا؟ هل تليق بغيره؟ كلا، ولا يقال إن التفكير في الغيب يجلب الخوف والشفقة والطمع والشوق وغيره وكل ذلك يخدم الإنسان المؤمن، لا يقال ذلك لأنه ليس تفكيرا بالمعنى الصحيح للتفكير، بل هو استحضار لعظمة الله وصفات أسمائه لجلب الخشية والشفقة والشوق وما شابه، فإذا أصررنا على التفكير يكفي أن نقف على ما هو أدنى مما هو أعلى فنأخذ شيئا منا وفينا وهو الروح، فأين الجواب على ماهيتها وحقيقتها؟ لا يوجد ولن يوجد، ولا يقال أن المستقبل كفيل بإعطائنا جوابا مقنعا عن حقيقة الروح وماهيتها، لا يقال ذلك، فلنذهب إلى المستقبل إذا قدرنا وإلا وقفنا عند حدنا هذا، فإذا نضج إدراكنا ولن ينضج حتى يلغي شروط التفكير المذكورة؛ عندها نفكر، فإذا عشنا ملايين السنين بجنسنا فالإنسان حينها لن يختلف عنا في طريقة إدراكه للأشياء والأفعال لأنها طريقة لا تتخلّف، لأنها سنة فينا كما هي السنن الكونية في كوننا علما بأن الكون سيختل وستتلف سننه وقوانينه لأنه هو نفسه محكوم عليه بالموت والزوال، أما سنننا نحن فلن تتخلف خلاف الكون، لن يخلفها الله تعالى لأنه بذلك يسلبنا الإرادة، فإذا سلبت منا الإرادة خرجنا من دائرة التكليف وهذا محال لأن الله تعالى عادل لن يخلف سنننا ما دمنا مكلفين، بل إن فناء الدنيا سيقوم على شرار الخلق وهم مكلفون، أي عاقلون لم تسلب إرادتهم. لقد اختلفنا نحن عن أسلافنا في الوسائل والأدوات وطرق العيش.. أما التفكير وطريقة تكوينه فهي هي لم تتخلّف عنهم ولن تتخلّف أبدا، وعليه فالمستقبل الذي يراهن عليه غيرنا يفرغهم من المواقف ويعطِّل فيهم النضج الثقافي لأنهم لن يفكروا إلا بعد أن يثبت إدراك الروح من حيث حقيقتها وماهيتها، وإثبات الغيب كالبعث والنشور من حيث وقوع الحس عليه ولن يثبت شيء من ذلك مطلقا، وبذلك يكونون كمن نزعت مِخَخُهم عن رؤوسهم، وقلوبهم عن صدورهم، ونحن لا نقبل بذلك مطلقا لأن التعقل يضغط على بشريتنا، فلن نعطل تفكيرنا لمجرد غياب الإدراك لشيء ما، بل نحن نوقن بإدراكنا لما ذكر من حيث الوجود عقلا وبما ثبت في القرآن الكريم لأنه قد ثبت بالعقل أن القرآن الكريم كلام الله يتحدى به العلم والعالمين قال تعالى: ((ِإنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) فصلت))، لا نراهن على ذلك المستقبل الخرافي لأننا نصدر من حقيقة جنسنا وفطرتنا، ستظل طريقة التفكير وشروطها عند الإنسان في المستقبل هي عينها التي عندنا، فالتفكير في المستقبل خارج نطاق تصوره للاستفادة منه أو رسمه بغية جعله واقعا؛ ليس عملا عقليا، الأول للمنظرين والمفكرين والملهمين لا فائدة فيه، بل فيه انحراف وتجاوز لقدرات العقل، والثاني به فائدة، وهو المطلوب، يكفينا أن نعتبر به فلا نتجاوز حدود إدراكنا، فها هي ذي الروح فينا وهي غيب عنا من حيث الحقيقة والماهية ولكنها حاضرة من حيث الوجود، ندرك وجودها دون مغالطة فأين إدراكنا لها كماهية؟ المفكر والعاقل يكتفي بالإيمان بكل ذلك شرط أن يتثبت من ذلك من حيث الوجود بالعقل، فالأخبار الغيبية من مثل إحياء الله للموتى بعد الموت وغيرها من الغيبيات لا نؤمن بها هكذا دون دليل، هذا صحيح، ولكن الدليل عليها ذاتها لإثبات أنها واقع مستحيل لأنها غيب كما قلنا، والغيب لا يبحث لأنه خارج نطاق التفكير والإدراك ولكن الخبر الذي وصلنا عن هذه المغيبات هو الذي يبحث من حيث صدوره عن الله، فإذا كانت تلك الأخبار واردة في القرآن الكريم والحديث المتواتر كانت عقيدة بالنسبة للمسلم يعتقد بها ويسلّم بوجودها ووقوعها بعد الموت، وإذا كانت أخبارا غيبية عن مخلوقات موجودة بيننا كالجن والملائكة سلمنا بوجودها من حيث الوجود ولا نسلم بها من حيث الكنه والحقيقة إلا إذا جاءت عنها أخبار من الله عزّ وجلّ لأنه الوحيد الذي يعرفها ويعرف كنهها وحقيقتها، أما نحن فما دام لم يرد عن حقيقتها خبر نسلم بوجودها قطعا ونكتفي بذلك ولا يضيرنا عدم معرفة حقيقتها، لا يبحث في الدليل عن كيفيتها، عن حقيقتها وماهيتها لأن ذلك يعجز الإنسان ولا طائل من ورائه لأنه كما قلت بحث في غير الواقع الذي يشترطه تفكير الإنسان حتى يدرك، وما دام كذلك فالعاقل لا يفكر في الغيبيات من حيث إرادة ثبوت حقيقتها وماهيتها، بل يبحث عن الدليل الذي دل على وجودها أو نص عليه ليؤمن بها ويسلم بوجودها وحقيقة ماهيتها التي لا يعرفها، والدليل دليلين، دليل عقلي، ودليل نقلي.
الدليل العقلي على ذلك ليس دليلا على ماهيتها وحقيقتها، بل هو دليل على وجودها فقط، أما الحقيقة والماهية فلا يبحث عنها لغياب شروط حصول العملية العقلية وذلك بغياب أحد شروط العملية العقلية وهو الواقع كما قلنا أو أثر الواقع لأنه كغيره شرط حتمي لوجود العملية العقلية، وعليه لا يبحثها العاقل لاستحالتها ولكنه يبحث عن دليل وجودها، والدليل على وجودها عقلا مثل الدليل على خلق الكون والإنسان والحياة عقلا، فالصنعة لا بد لها من صانع، والموجود لابد له من موجد، والسبب لابد له من مسبب، والخبر الوارد بشأن الغيب إما أن يكون خبرا ظنيا أو خبرا قطعيا، والخبر الظني لا يؤدي إلى العقيدة ولو ترجّح فيه جانب الصدق على جانب الكذب، وهو خبر معقول ومقبول بشروطه ولكنه ليس عقيدة، والدليل على الغيب دليل عقلي ونقلي، الدليل العقلي على الغيب يجب أن يكون دليلا مباشرا عن الغيب وهذا محال لغياب شرط حتمي للتفكير وهو وجود الواقع أو أثر الواقع أي الغيب، فكان حتما ألا يقبل العقل بالخبر إلا إذا بُنِي الخبر على العقل، فكانت الأخبار الدالة على الغيب في كتاب الله ّعز وجلّ أخبارا قطعية من حيث الثبوت، فهي عقيدة، وكان العقل المتزن هو ذلك العقل الذي يحمل تلك الأدلة على أن تبنى على العقل، وكيفية بنائها على العقل يتأتّى من خلال ما يلي:
ــ أولا: لا يمكن للعقل أن يثبت تلك الأخبار وإن كان قد توصل في تقدمه العلمي التجريبي إلى ما يؤكد وجود ذلك الغيب قطعا ويقينا ولكنه في بحثنا هذا ليس معتبرا إذ هو عمل العلم التجريبي ونحن هنا لسنا بصدده، بل نحن بصدد إثبات أن تلك الأخبار عن الغيب الذي هو البعث والنشور وإحياء الموتى وما شابه قد وردت في القرآن الكريم، والقرآن الكريم هو الذي يثبتها، أما العقل فليس قادرا على إثباتها لغياب شرط من شروط التفكير الأصلي وهو وجود الواقع أو أثر الواقع، فكان القرآن الكريم الذي أثبت تلك الأخبار الغيبية هو بيت القصيد في البحث، فإذا ثبت أن القرآن الكريم كلام الله كانت تلك الأخبار قطعية، وكان العقل البشري المتزن يقبل بتلك الأخبار بطريق البناء وليس بطريق الانبثاق، والبناء بناء على العقل، أما الانبثاق فهو انبثاق عن العقل وهذا في حق العقل المتزن مرفوض لأن شرط وجود الواقع لإحداث العملية العقلية حتى ينتج عنها الحكم؛ غائب، وما دام غائبا فأي نتيجة معتمدة نتيجة باطلة يرفضها العقل المتزن، وعليه فالبناء العقلي هو الوحيد المتبقّي للعقل ليعتمده بشأن الأخبار الغيبية التي لا واقع لها في عالمه، وكونها مبنية على العقل تأتّى من خلال بحث القرآن الكريم الذي وردت فيه تلك الأخبار، فإذا ثبت أنه كلام الله كانت الأخبار التي فيه جميعها قطعية من حيث الثبوت.
ــ ثانيا: أما كون القرآن كلام الله فلا يخرج عن ثلاثة أمور وهي: إما أن يكون كلام الله، أو كلام محمد صلى الله عليه وسلم، أو كلام البشر بما في البشر أرباب الفصاحة والبيان من العرب، فكونه كلام محمد صلى الله عليه وسلم لا يصح ولن يصح، فمحمد له أسلوبين اثنين عرف بهما، الأول كان له قبل بدء ظهور القرآن الكريم، والثاني بعد ذلك، والأسلوب هو الإنسان، فقد مكث أربعين سنة لا يتحدث بالقرآن، لا يتحدث بأسلوب ثان، ثم ظهر فجأة أن له أسلوبين اثنين، واحد هو القرآن الكريم، والثاني هو كلامه العادي الذي عرفه به الناس، والأسلوب عند البلاغيين وعند العقلاء هو الرجل، هو شخصية الرجل، فلا يمكن لأحد أن يكون له أسلوبين اثنين، بل إن استطاع الإنسان أن يمثل ويقوم بأدوار فله ذلك ولكنك حتما ستجد لجميع الأدوار شيئا منه ومن أسلوبه ولن تجد شيئا خارجا عن ذاته خلاف محمد صلى الله عليه وسلم، فالقرآن الكريم متميز بأسلوبه بشكل معجز نظما وتأليفا وإخبارا عن الأمم السابقة وخلق الكون ومصيره وتكوين الجنين وتشكيل المطر وغير ذلك مما ورد فيه فكان القرآن كلام الله عزّ وجلّ ولا أحد من الناس ادعى أنه كلامه هو بما في الناس محمد صلى الله عليه وسلم وهو الأولى، ويشبه ذلك خلق الكون، فالله تعالى يثبت لنفسه وحده خلق الكون، خلق الإنسان، خلق الحياة ولا أحد ادعى مشاركته له في ما خلق، فكان الكون من خلق الله حتى يثبت العكس ولن يثبت قطعا، فكذلك القرآن الكريم، القرآن الكريم كلام الله قطعا كما وصفه هو جلّ وعلا ولن يقدر أحد زعْم أن القرآن من نظمه وتأليفه أو هو من نظم وتأليف بشر، وأي مدّع نسبته إليه مخفق وواقع في فضيحة، وأولى الناس بنسبته إليه هو محمد صلى الله عليه وسلم، ولو نسبه إليه وحاشاك أيها الأمين على وحي الله تعالى فسوف ينفضح أمره في الحال لأن القرآن الكريم متميز تميزا لافتا به تحدٍّ لا ينتهي، فقد نسب الرسول الكريم القرآن الكريم لربه وهو الله تبارك وتعالى فكان كلام الله بحقيقته وشهادة رسوله الأمين، فلا يمكن أن يكون كلام محمد ولا كلام العرب لأن العرب ومحمد صلى الله عليه وسلم شيء واحد من حيث الإثبات والإنكار، والنتيجة أنما ورد فيه من أخبار غيبية قطعا صادرة عن الله تعالى، وما دامت واردة عن الله تعالى فهي واقع وحقيقة، فكان القرآن دليلا على الغيب من حيث الثبوت والوجود، وكانت جميع الأخبار الغيبية الواردة فيه مبنية على العقل لأن القرآن الكريم قد ثبت بالعقل أنه كلام الله فكان ما ورد فيه مما هو غيبي مبني على العقل أيضا حتى وإن لم ندركه.
إن أهم ما يمكن الحكم عليه من خلال الاستماع إلى هذا المفلس عقليا هو أنه يتناقض في عرضه لأفكاره دون أن يتثبّت ممّا يقول، فسوْقه قصة إحياء الموتى لإبراهم والقصة قصة الطيور يسخر بها من الله عزّ وجلّ ويكذِّب القرآن ويتَّهمه بأنه قد وضع مسرحية بهذه القصة للعوام، هذه القصة تفحمه من حيث إحياء الميت بنفس محتوياته، فقد أوردها الله عزّ وجلّ في سورة البقرة وهي قوله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)))، وقبانجي حين استبعد ذلك وفرض على الله عزّ وجلّ ألاّ يتعب إبراهيم حتى يصعد الجبال ليضع عليها أجزاء الطيور ثم بعد ذلك يَدْعُهُنَّ ليأتينه سعيا لتلتصق تلك الأجزاء بالرؤوس التي عنده؛ لم يدرك الحكمة من وراء ذلك، هذه القصة حجّة عليه من حيث واقع إحياء الله للموتى بنفس العناصر والأجزاء التي كانت فيهم، حتى الدماء التي جمّدها الهواء عادت مَيِّعَة إلى أجسامهن وقد كانت الرؤوس عنده ينظر إليها إبراهيم وينظر إلى عملية الالتحام والتشكيل للكليات، أما أن تكون الحادثة قريبة من إبراهيم فهو لم يدرك كما قلت حكمة الله في إبعاد الأجزاء لأنها لو كانت قريبة لاختلط الأمر واشتبه الإحياء على إبراهيم، أمَا وهي بعيدة فستُرى بالعين المجردة وهي قادمة كل جزء يسير متجها إلى رأس الطير التي انتزع منها، يريد قبانجي اللئيم أن يملي على الله ما يفعل.
أعتذر إليك حضرة القارئ المحترم فوالله إنني مضيع لوقتي مع هذا الجاهل الخبيث، المغرض الدساس، المنافق الكذاب.
إن إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام لم يشك في قدرة الله على الإحياء وهذا بديهي عند كل مؤمن فكيف بالرسول؟ وأما غاية سؤاله فهي الزيادة في العلم إلى علم اليقين، فعلمه بقدرة الله عزّ وجلّ كائن، وعلمه أيضا بفعل الله لذلك عيانا كائن أيضا ولكنه أراد الزيادة في العلم ليشاهد ذلك عيانا وقد حصل، فأين أقوال الخبيث قابانجي من هذه الصور الرائعة التي وردت عن نبي الله إبراهيم وهو يريد مشاهدة الإحياء عيانا؟ وأين هو من الزمن حتى يقول أن الموتى تتلف خلاياهم ومكونات أجسامهم فإذا أحيوا كانوا غير هم؟ أين ذلك من هذه القصة التي تفحمه وتفضح جهله وتناقضه؟ إبراهيم أخذ الطيور فصرهن إليه أي قطعهن وخلطهن كما أمر الله وترك رؤوسها عنده ثم صعد الجبال ووضع على كل جبل جزءا ثم نظر إلى الرؤوس وهو يرى مكان وضعه للأجزاء ثم دعاهن كما أمر الله وقد كنّ ميتات فجاءت تلك الأجزاء وهو ينظر بعينه
المجردة إلى الأجزاء وهي تلتصق وتلتحم برؤوس الطير التي قطعها حتى قامت سوية من بين يديه وقد حقق حلمه من الله الذي استجاب له فأراه إحياء الموتى عيانا وهو مؤمن بقدرة الله على الإحياء، طالب الإحياء بالمشاهدة وقد تحقق له ذلك، فأين أنت من الفهم السليم للقصة يا جاهل؟ كيف تفرض التعب والنصب على إبراهيم وكأنه صعد جبالا بعلو جبل إفرست أو توبقالت؟ كيف تفرض نتنك الفكري وسقطك المعرفي وتورُّم ذهنك الثقافي فتملي على الله ما لن يكون أبدا؟ هل حضرت قصة إحياء الطير فكانت الأجزاء بعيدة عن إبراهيم لا يراها ولا يعرف مكانها وأن غرابا ربما أنقص منها أو ذهب بها كلها حتى تصل إلى أنها قصة للعوام؟ هل هي واردة في ألف ليلة وليلة؟ قبّحك الله لأنك قد آذيتني في عقيدتي وأحمد ربي أنك لن تضر الله شيئا.
إن سؤال إبراهيم عن هيئة الإحياء وليس عن قدرة الإحياء، فهو عالم موقن أن الله تعالى قادر على إحياء الموتى، والشك الوارد ليس هو ذلك الشك المصطلح عليه بالوقوف بين أمرين اثنين لا مزية لأحدهما على الآخر فهذا منفي عن المؤمنين فكيف بالأنبياء والرسل الموقنين بقدرة الله على كل شيء؟ فيكون الشك الوارد هو عن نفي الشك، فسؤال إبراهيم "رب أرني كيف تحيي الموتى" لا غبار عليه في أنه يتعلق بهيئة الإحياء، يريد نبي الله إبراهيم أن يرى كيفية إحياء الله للموتى، وهذا لا شيء فيه وقد حصل عيانا لإبراهيم.
ألم تقل بنو إسرائيل نريد رؤية الله عيانا فتم قتلهم ثم إحياؤهم من جديد؟ قال تعالى في سورة البقرة: ((وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)))، هل بعثوا بغير مكونات أجسامهم؟ هل من دليل على ذلك؟ أما يسلَّم بأنهم قد بعثوا هم هم؟ فإذا كانوا هم هم أيكونوا غير هم هم؟.
والذي أماته الله مائة عام ثم بعثه هل بعثه بغير مكونات جسمه التي كانت فيه؟ وحماره الذي قام بين يديه هل بعثه الله بغير مكونات جسمه هو أيضا؟ قال تعالى: ((ٍ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) البقرة))، كيف نرد على ذلك بمجرد الاستنتاج بالهوى والتشهي دون دليل؟ هل يعجز الله تعالى عن إعادة جميع محتويات الجسم وما فقده في زمنه سواء كان يوما أو مائة عام؟ العلم قد بدأ في محاولة نقل الإنسان ذريا إلى مكان بعيد يعمد إلى الاستنساخ للذرات حتى يظهر المتنقل إلى المكان المرغوب كيانا قائما بذاته، وهناك محاولات انتهت إلى أن ذلك لن يكون إلا استنساخا لأن ذرات المراد انتقاله سوف تدمر كلية وفي ذلك عدم الانتقال، هذه بحوث في إطار العلم التجريبي وهي معقولة ولكن نتائجها غير صحيحة لأن ذرات الإنسان ومحتويات جسمه وإن تم التصرف فيها إلا أنها أسيرة شيء في الإنسان يقيم كيانه ألا وهو الروح، فالمسألة ليست مسألة فيزيائية أو كيميائية حتى نبحثها ونسبر أغوارها ونصل إلى ما نريد، لا، المسألة مسألة وجود غيب فينا لم ندرك كنهه وهو الذي يعين الكيان الإنساني ذاته، فلولاه لما قام للإنسان كيان حي وعاقل، والانتقال بواسطة فسخ ذراته وبنائها من جديد إلى هناك سيؤدي إلى فناء الإنسان ككيان عاقل حي، فإذا نقلنا ذرات بدنه كلها فسننقلها على حساب زوال الحياة من بدنه وهذا لا يفيد في شيء.
والذي أحياه الله عزّ وجلّ من بني إسرائيل حتى يشهد على قاتله هل كان إحياء لغير الذي مات لأنه قد تناقص من بدنه ما تناقص؟ قال تعالى" ((وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) البقرة))، ألم يتم ذلك عيانا وبنوا إسرائيل ينظرون؟ هل قام الميت هيكلا عظميا يشهد على قاتله ثم أعيد إلى ميتته؟.
وعيسى الذي يحيي الموتى هل كان يحييها مشوهة على غير هيئة الإنسان السوي المعتدل؟ قال تعالى: ((وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) آل عمران.
لو أراد الله تعالى أن يحيي الميت لعبده حتى يراه عيانا فهو قادر على إحياء ولد آدم هابيل إحياء كيميائيا وفيزيائيا، لو أراد لمنح لعبده عينين ميكروسكوبيتين حتى ينظر بهما إلى الذرات والخلايا، فأين أنت يا خبيث من الفهم والدراية والعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
محمد محمد البقاش طنجة بتاريخ: 14 ــ 01 ــ 2020م
www.tanjaljazira.com
mohammed.bakkach@gmail.com
GSM : 0671046100
+212671046100