خطيئة فك الإرتباط
من المؤلم ان لا نتذكر التاريخ و ان لا نأخذ عظة أين انتكسنا ولماذا ، ولماذا فشلنا ، ولماذا خسرنا .
عقد أول مجلس وطني فلسطيني برئاسة الحاج امين الحسيني عام 1948 وبناءا على قرار مجلس الأمن (181) الصادر بحل الدولتين لعام 1947 في مدينة غزة ، وبناءا عليه شكلت حكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي وهي حكومة منفى وبالمناسبة أحمد حلمي ممثل فلسطين في الجامعة العربية ، الا ان تلك الحكومة انتهت ايضا بقرار عربي و عاش الحاج امين الحسيني ما تبقى من حياته في لبنان الى ان توفاه الله ، هذا هو اول مجلس وطني فلسطيني يمثل الفلسطييين وكذلك أول حكومة كسلطة تنفيذية للفلسطينيين .
ولكن شيء من القفز على التاريخ ، عقد كما هو موثق في بعض ارشيف منظمة التحرير ، عقد أول مجلس وطني فلسطيني في مدينة القدس عام 1964 ايضا برئاسة ممثل فلسطين في الجامعة العربية وله عدة مواقع دبلوماسية وسياسية في دول عربية مثل السعودية وغيره ، وهو أحمد الشقيري الذي أسس ايضا منظمة التحرير بقرار عربي ، وان كان احمد الشقيري كانت له مواقف واضحة بعد مؤتمر القمة الذي فرض عليها اللاءات الثلاث "لا صلح لا اعتراف لا مفاوضات مع اسرائيل " وهذا لم يعجب كثير من الدول العربية ، هذا المؤتمر الذي عقد بعد نكسة حزيران عام 67 ، وكانت مواقف احمد الشقيري المتشددة هي المسبب الاساسي لاقصائه من رئاسة منظمة التحرير و استبداله بما فرضته ظروف و مناخات الهزيمة و ارهاصات لتغيير وسيلة مقاومة المشروع الصهيوني بالكفاح المسلح والثورة و حرب العصابات التي سريعا ماا تخلى عن منهجيتها من دونوا تلك الادبيات والشعارات ، من المهم ان نذكر للتاريخ في هذا المجلس الذي عقد في القدس والذي تحدث فيه الملك الراحل حسين والأمين العام للجامعة العربية عبد الخالق حسونة و من ثم أحمد الشقيري ، عقد هذا المؤتمر في صبيحة 28/5/1964 ولكن من المهم ان نتذكر ما قاله أحمد الشقيري في خطابه أمام المجلس وكأنه يستشرف ما سيحدث مستقبلا حينما اوضح " ان منظمة التحرير لن تمارس شرعيتها الدستورية على الضفة الغربية وتبقى الضفة هي تحت السيادة الاردنية اما دور منظمة التحرير فهو دور تعبوي واسنادي للشعب الفلسطيني " فالتتخيلوا ان منظمة التحرير بعدما سيطرت عليها حركة فتح و فصائل المقاومة بقيت ملتزمة بذلك وبقيت تحت السيادة الاردنية ، هل فعلا كنا سنجد هذا التهويد المطلق في الضفة الغربية ، وهل كنا سنشاهد ما يحدث من عمليات تهويد في المسجد الاقصى وضواحيه او في الخليل ، او كنا سنشهد مستوطنات كبرى واستيطان ب 850 الف مستوطن وعمليات ضم فعلية ام كان الاردن بموجب القانون الدولي والسيادة سيحافظ على وحدة اراضيه وينتزعها انتزاعا حربا او سلما او بمفاوضات كما فعلا لرئيس السادات ، فالقانون الدولي لا يبيح لاسرائيل ان تضم ارض ذات سيادة دولة اخرى .
لا نريد هنا ان ندخل كيف استولت فصائل المقاومة على منظمة التحرير وتحت اي مبرر او تعليل ، الا انها من دخلت لاجله تخلت عنه بعد سنوات قليلة ، بل مارست قيادة منظمة التحرير بوجوهها المعروفة كل قدراتها و طاقاتها للاعتراف بها كممثل شرعي ووحيد في حين انها وجدت من اجل الاعتراف بالحقوق الفلسطينية ، فاعترف المجتمع الدولي بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ولم يعترف بالحقوق الوطنية الفلسطينية على الأرض الفلسطينية بل تعرضت كل أبجديات الحقوق التاريخية الى التنازل الى ان وصلنا لما يسمى صفقة القرن وتطبيقاتها واقاويلها التي تنهي قضية فلسطين كقضية وطنية وقضية حقوق وشعب اخرج بالعنف من ارضه ، بل ودخلت تلك القيادة من خلال اطار التمثيل بالتنازل والاعتراف باسرائيل وحق الوجود والتنسيق الأمني و ما يطرح اقتصاديا و غيره ، حيث تحولت قضية فلسطين والشعب الفلسطيني الى قضية انسانية يجب التعامل معها في تجمعاتها السكانية ، وخاصة بعد الانقسام عام 2007 .
و أصبح المجلس الوطني يشكل المجلس الوطني المرجعية العليا لكل هيئات ومؤسسات "م.ت.ف"، ويختص بكافة المسائل الدستورية والقانونية والسياسية العامة المتعلقة بالقضايا المصيرية للشعب الفلسطيني، وكل ما يتعلق بمصالحة الحيوية العليا والتي تبلورت في التعاطي مع عدة مشاريع سياسية ، ومازالت تناضل منظمة التحرير بأنها هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بكل ما تحمل من اوبئة وفساد هي ووليدتها السلطة ، في حين ان تلك القيادة ترفض اي اصلاحات بداخلها بعد ان تخلت عن ميثاقها ، ومازال رئيس المجلس الوطني منذ عام 1996 هو رئيس المجلس الوطني وهو من مواليد 1933 وبعد انقلاب على رئيس المجلس عبد الحميد الشيخ لمواقفه المعارضة لاطروحات التسوية التي تعاملت بها منظمة التحرير .

بعد الخروج من بيروت وبعد مؤتمر القمة العربي فاس في المغرب ايضا قاتلت قيادة منظمة التحرير مستخدمه كل امكانياتها مع الدول العربية من أجل فك الإرتباط بين الضفة الغربية والضفة الشرقية للنهر لتصبح المنظمة فعليا مسؤولة عن الضفة الغربية وقطاع غزة وباقي الفلسطينيين في العالم وبالتالي تعفى المملكة الاردنية الهاشمية من مسؤولياتها على الضفة الغربية ، في حين أن الأردن و في مؤتمر اريحا عام 1949 أقر الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والشعب الأردني شرق النهر بأن الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من الاردن ، ونتيجة الضغوط التي مورست على الملك الراحل حسين ، قام الملك بفك الإرتباط مع الضفة الغربية لتصبح الضفة تحت مسؤوليات منظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي دخلت منظمة التحرير مفاوضات مع الإسرائيليين ، نتج عنها اتفاق اوسلو الذي قسم الضفة لثلاثة مناطق A , b , c حيث تسيطر اسرائيل فعليا على 60% من اراضي الضفة و 40% جزء منها تحت سيطرة السلطة و جزء اخر تحت الحماية الامنية الإسرائيلية ، ولم يستقر الواقع الى هذا الحد بل احتلت اسرائيل بعد ان اعادة انتشارها عام 1994 في الضفة الغربية الى احتلال كل اراضي الضفة والتوسع المطلق في الإستيطان .
منظمة التحرير لم تلتزم بالجمل الإستراتيجية التي اطلقها الشقيري في المؤتمر الأول بل اخذها غرورها لتتنازل عن حقوق شعب ولو فعلا بقيت كما قلت الضفة الغربية هجزء من المملكة الأردنية لاستخدمت الأردن كل امكانياتها لاسترجاع هذا الجزء الذي يمس فقدانه الامن القومي الأردني ، هذه احدى خطايا منظمة التحرير الفلسطينية التي فقط وربما ضمن سيناريو دولي منحت الوصاية الأردنية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية و مازالت الأردن ملتزمة بهذه الوصاية وتعمل بمجهودات كبيرة لحمايتها ويبدو ايضا ان قيادة منظمة التحرير عندما لجئت الى منح الوصاية ايضا كانت ضمن مخطط للمستقبل وللحل السياسي المطروح كما ترونه اليوم ، حيث يبقى المسجد الاقصى تحت الوصاية الأردنية والحاق التجمعات السكانية في الضفة للأردن وبالتالي خسر الفلسطينيون والاردنيون والعرب 70% من اراضي الضفة لصالح ما يسمى دولة اسرائيل .
الأردن و منذ انطلاق ما يقال عن صفقة القرن عارضت وبشدة تلك الصفقة و ناضلت دبلوماسيا من أجل تعديل كثير من بنودها بحيث لا تفقد الاردن الوصاية على المقدسات الاسلامية وربما كانت صفقة القرن تشكل تهديدا للأمن القومي الأردني و نتيجة هذا الرفض وقرار ترامب بمنح القدس كعاصمة موجدة لإسرائيل والتي عارضته الأردن وحضر الملك عبد الله الثاني مؤتمر المعارضة في تركيا قد تعرض لعدة هزات داخلية تفجرت في الاردن رأسها الازمات الاقتصادية واصوات من هنا وهناك تنبح متشدقة بظواهر فساد في الحكومة تلو الحكومة وعدم وجود عدالة كلها كانت ضغوط على الملك عبد الله والنظام الأردني للقبول بتلك الصفقة واعتقد ان الاردن لن يعيش وحيدا في العالم و معارضا في حين خفتت كل الاصوات والمواقف ، اذا الاردن اضطراريا بشكل او بأخر سيتعامل مع تلك الصفقة بخسائر الحد الأدنى ، و محاولة الحفاظ على الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية والعربية في الأرض التي تبتلع ، واعتقد ايضا ان الاردن على اضطلاع كامل على صفقة القرن محاولا تعديل بعض بنودها الامنية و الجغرافية والسياسية والتعامل مع ما هو مطروح حتى بإلحاق الأجزاء المتبقية من الضفة الى الاردن او اي خيارات اخرى ستلحق بغزة ايضا اذا تجاوبت غزة مع نزع سلاحها واعترفت بالدولة اليهودية .
ولذلك : -
اجد من الصائب الان بعد ان عجزت منظمة التحرير عن حماية شعبها و حماية الارض الفلسطينية والحقوق الفلسطينية وانجرفت في تنازل تلو التنازل واصبح من الصعب الرجوع خطوات للخلف و في ظل استعصاء تحديث و تطوير منظمة التحرير وتجديد مؤسساتها لتتمكن من سحب اعترافها وتنفيذ قرار المركزي لكي تكون منظمة التحرير في المستوى المطلوب للدفاع عن شعبها وحقوقه بلا بأس ان تبقى منظمة التحرير ممثلة للشعب الفلسطيني في ظل المطالب المطالبة بها ، فإنني ارى ان يقوم الأردن و قبل اعلان صفقة القرن والتعامل معها الغاء فك الاترباط من جانب واحد لتعود الضفة الغربية كجزء من الاراضي الاردنية ولو مرحليا وبموجب القانون الدولي فإن للأردن الحق في استخدام كل الوسائل لاسترجاع تلك الاراضي واستنادا بأن منظمة التحرير مازالت تمثل لدى الكونغرس الأمريكي منظمة ارهابية وليست ملزمة ويقع عليها عاتق المسؤولية في التنازل عن جزء من الاراضي الاردنية او الفلسطينية فهي لم يعترف بها للأن كدولة وان حازلت على قرار غير ملزم من الجمعية العامة كدولة مراقب في الامم المتحدة .

بقلم / سميح خلف