حارس الصورة

[الدكتور حسين فيلالي]

حارس الصورة
قصة قصيرة
حسين فيلالي

عمي قدور البهلول كما يسمونه، معلم متقاعد يحمل قفته الفارغة صباح مساء، ويجوب شوارع المدينة بخطى متثاقلة، يدخل السوق المغطاة، يقف عند الخضار دقائق، يحملق بعينين غائرتين، يخرج من قفته طبشورا، و قائمة بأسماء الخضر، والفواكه، ويتظاهر بالتسوق ثم يحملها فارغة. ينتقل إلى الجزار، يفعل كما فعل أمام الخضار يجمع، ويطرح في الفراغ، ويراجع قائمة المشتريات الوهمية، ينظر إلى قفته وهي فارغة، يتظاهر بثقلها،يطلب مساعدة صبي لحملها على كتفه، ينظر إليه الصبي بريبة وينصرف.
يحمل قفته الفارغة، يقف أمام اللبان، يخرج من قفته مسطرة صغيرة، و بصوت مبحوح يسأل الصناديق المكومة أمام اللبان، أنت ما فائدة اللبن؟ خطأ، يوجه السؤال إلى صندوق آخر؛ أنت، نعم، أحسنت، الجهل نور والعلم ظلام ، ثم يجهش بالبكاء،و يخرج من السوق يتأبط قفته الفارغة، يلفح وجهه الشاحب حر الشمس، يضع قفته على رأسه، يقف أمام صورة أحد المترشحين المعلقة على أحد الجدران ، يتساءل كم بذروا من أموال في هذه الألوان والزخرفة؟
يتأمل نص الدعاية:
من أجل حياة أفضل.
يتغير وجهه، يحتقن، يضع قفته الفارغة من على رأسه، يخرج من جيبه قطعة طبشور وبخط جميل يكتب تحت الصورة:
أخلف من عرقوب، وأكذب من مسيلمة.
كان يقف بالقرب من الصورة شخصا كأنما يحرسها من مجهول.
أسرع إلي صاحب القفة الفارغة، هوى عليه بعصاه، يتعثر عمي قدور تسقط قفته الفارغة، يحاول أن يستردها، يركله على ظهره، تسقط نظارته، تتهشم، تمتد يده دون جدوى تبحث عنها، يركله على مؤخرته، ينهض كأسد عجوز، يحاول الدفاع عن نفسه، يهوى على الأرض، يقترب منه أحد المارة، يتأمله، يساعده على الوقوف، وباندهاش يقول:
معلمي ثم يقبل رأسه، يتجه الرجل نحو حارس الصورة، لكن صاحب القفة الفارغة يمنعه، ويقول:
لا تلطخ يدك به يا عبد الله.
يعود الحارس إلى صورة المتر شح يحاول مسح ما كتبه صاحب القفة الفارغة، يتجمهر الناس حول حارس الصورة، قيل أنه كان كلما حاول مسح النص ازارد وضوحا، كأنما هو يطليه بلون شفاف براق، اندهش الحارس وراح يمسح بعصبية و راح النص يبدو أكثر وضوحا وحروفه تشع بلون أحمر، خلع الحارس قميصه، ثم سرواله وحاول حجب النص اخترقت الحروف قميصه و سرواله، بدا الحارس عاريا، تكاثر الناس من حوله، بدأ النص يتناسل، يطير، ينتقل عبر جدران المدينة، وراح الحارس يصرخ، يجري أوقفوه، لقد سحر بلدتكم صاحب القفة الفارغة.
حروف النص تتحرك تحدث صوتا يرتفع عاليا كأنما يبعث من مكبر صوت و الجمع يزحف ،يردد وراء الصوت المجهول:أخلف من عرقوب وأكذب من مسيلمة....
الحارس يجري، والنص يجري خلفه، تتحول الحروف إلى حشرات غريبة، تطير بأجنحة، تلتف على جسد الحارس العاري يتحول الجسد إلى هيكل عظمي وصاحب القفة يضحك، يضحك بأعلى صوته، يطلب الحارس النجدة، يمتلأ المكان بأصحاب البدلات الرسمية، والجيش، والكلاب المدربة، تبدأ ساحة المعركة في التوسع، العسكر يتكاثر والحشرات تتضاعف، والشرطة بكلابها تتوعد والناس يتفرجون من أعلى أسطح المنازل، والنساء تزغرد، والجمع يزحف حتى ينتهي خارج المدينة.
تراجعت الحشرات ضربت طوقا على المدينة واتخذت من المراقص والخمارات مكتبات ومسارح.
يروي صاحب معجم أخبار الحكام، والملوك، أن المدينة عاشت في رغد وأمان، وأن صاحب القفة تولى من جديد تعليم الصبيان وتخرج على يده علماء انتشروا في الأمصار ينشرون دعوته ويرون ما حل بحارس الصورة.

[سعاد محمود]

الأديب حسين
تحياتى
والله أنت كاتب مبدع مبدع الى ما لانهاية . يا أخى جننت الكتابة جِن. من أجمل ماقرأت وأنا متابعة لنصوصك تعجبنى تطربنى بوقع كلماتها وسرديتها ورمزيتها واصل واخرج لنا من مخيلتك الخصبة هذه الروعة دمت متألقا دائما أديبا مقتدرا.بوركت

[الدكتور حسين فيلالي]

الأستاذة الفاضلة سعاد محمود
السلام عليكم ورحمة الله وبعد،سررت بقراءة ماكتبت عن قصة حارس الصورةواصدقك القول انني احاول التعبير عن هموم الطبقات المحرومة،وقد تستغربين إن قلت لك أن القصة فيها الكثير من الواقع.بطلها ماخوذ من الواقع،واضفت إليه لمسات خيالية، كنت أراه دائما يحمل قفته الفارغة ويجوب شوارع مدينة بشار .وهو الذي افنى عمره في التدريس.
لك خالص تقديري واحترامي
حسين فيلالي

[زينب رشيد]

و اتخدت من المراقص و الخمارات مكتبات ومسارح

يا ريت يا ريت ، جعلتني أستاذ فيلالي أتدمر في بداية القصة من قضاء خمسة و عشرون سنة في التعليم إلا أنك أفرحتني
بفضيحتك لحارس الصورة ، تحيتي و تقديري للمعلم الذي كان يجوب شوارع بشار ، تمتعت بقراءتي لقصتكم ، دمت تتحفنا دكتور.

[الدكتور حسين فيلالي]

الفاضلة زينب رشيد السلام عليكم
سررت بتعليقك على قصة حارس الصورة.
لك خالص تقديري
وفقك الله
حسين

[صباح نجد]

ماشاءالله مبدع رسمت في مخيلتي تلك الشخصية التي تجوب الطرقات 🌺