يسأل البعض عن حقيقة تلك الكلمة الموصوف بها ملوك مصر القديمة، وفي الحقيقة رغم كمّ الاجتهادات والنتائج على الشبكة والمليئة بها الكتب لكني غير مقتنع بما قدموه..ولم يسبق لي التعليق على هذه النتائج لكونها تحريفا لغويا لا صلة له بالواقع..


كيف؟


أشهر تفسير للكلمة وهو (البيت الكبير) من مقطعين (بر عا) وهذا خطأ من ثلاثة نواحي:


الأولى: لا يوجد رابط بين برعا وفرعون..النطق والرسم مختلف


الثاني: لو كان وصفا للملك لاستعمله ملوك مصر جميعهم منذ أول اكتشاف له بعصر الدولة الحديثة..أقصد لفظ (بر عا) فكل الأسرات التالية لم تستعمله، واليونان والفرس والآشوريين لم يعرفوه برغم أن الآشوريين هم أولاد عمومة العبرانيين والعرب في اللغات السامية..


الثالث: المصريون القدماء لم يقدسوا قصور الملك لكي يصفوا بها الملوك أصلا، وأكبر دليل على ذلك أنه لا توجد آثار مصرية قديمة للقصور والمنازل..فقد كانوا يبنوها من الطين والخشب المعتاد في مصر والذي ظل إلى وقت قريب موروث منذ آلاف السنين قبل تحديثها بالطوب المحروق والمشهور عند الفلاحين (بالأمينة)


المصري القديم كان يبني منزله بالطين (ملوك – فقراء – وزراء – جنود..إلخ) والسبب أنه كان المتوفر والأسهل في تربة مصر النيلية، ولأنه يعزل الحرارة في الصيف فيكون المنزل باردا ويعزل الرطوبة في الشتاء فيكون المنزل دافئا..وبرغم هذه الميزة لبيوت الطين المصرية لكنها كانت ضعيفة أمام الفيضان والمطر فكانوا يعالجون ضعفها بالخشب وخصوصا خشب الجمّيز..


والمشكلة لمن يفسر فرعون بالبيت العظيم أنه لا يستطيع تفسير لماذا خلت آثار مصر من قصور الملوك وحُصِرت فقط بالمعابد والقبور والأهرام والتماثيل، هذا يعني أن استخدام الحجر عند المصري كان له علاقة بالموت وفكرة الخلود المذكورة في كتاب الموتى، والحجر ملائم جدا لفكرة الخلود بشكل عام ولولا اعتقاد المصري القديم بخلوده ما بني قبوره ومعابده من الحجر وما ورثنا هذه التركة العظيمة ..


في الحقيقة ليس لدي تفسير مؤكد حول الكلمة، لكني أميل لأنها نطق (سامي) لوصف ملوك مصر القدماء منذ عصر الدولة الحديثة وأول ذكر لها كان في سفر التكوين بقصة يوسف، والآثار تقول أنها كانت لإخناتون..وبالنظر لموسوعة تل العمارنة للدكتور سيد القمني نجد أن نفرتيتي زوجة إخناتون كانت من (بدو الميدانيين) التي عاصمتهم البتراء في الأردن، بينما في سفر التكوين نجد أن التجار الذين باعوا يوسف في مصر كانوا من أهل ميديان، وبالتالي وصف فرعون في قصة يوسف متفق مع زمن إخناتون في القرن 14 ق.م، ومن هذا المدخل رأى البعض أن إخناتون هو يوسف..وهذا بحث آخر مختلف ليس عليه أدلة علمية بل مجرد تخمينات.


المهم: أن النطق السامي لفرعون شبيه بالنطق السامي لإسم (سمعان/ سيمون) وهو (شمعون) وبالتالي نطق (فرعون) كنطق (شمعون) أصوله لغوية سامية مرتبطة بالحضارة الأكدية ورثها البابليون ومنها العبرانيين والآراميين والعرب بوصفهم أشقاء للبابليين في الثقافة السامية..مما يعني بأن فرعون هو وصف وليس إسم علم..والأقرب أنه كان وصفا مقدسا للملك من طرف الساميين فقط..


فإذا علمنا أن شمعون أو سمعان تعني (المطيع) ففيها معاني العبادة والطاعة وبالتالي وصف فرعون يعني (عبد لكذا) والسؤال: عبد لمن بالضبط؟..والجواب: لا أعلم والأقرب أنه للإله (رع) الذي وصفته في دراستي عن مصر القديمة منذ فترة أنه كان حاضرا في ذهن إخناتون كخالق ورب واحد، فأراد إحياء صفاته ومعانيه بإسم جديد وقتها هو (آتون) ويمكن ملاحظة أن حرفيّ (رع) يشكلون نصف المقطع الأول الصوتي (فارع) قبل أن يكسره العرب ب (فيرع) ولا زال هجاء الكلمة في اللاتينية لنفس المقطع متأثر بالنطق العبري phar


هذا مجرد اجتهاد أزعم أنه غير مؤكد مني، لكني في المقابل غير مقتنع بكل المعاني التي قيلت في السابق، وأؤمن أن المصري القديم كان يسمي ملوكه بإسمهم فقط، أما الألقاب فكانت من الشعوب الأخرى تعظيما ومهابة لهم..ثم جاء زمن بعد ذلك سميت الملوك بألقاب محلية ككسرى وقيصر في الروم وفارس وروسيا، ولو عثرنا على وصف ملك مصري لنفسه بالفرعون فبرأيي لن يكون أقدم من الدولة الحديثة في عصر إخناتون الذي يعد هو أول ملك مصري يتعامل مباشرة مع الساميين القدماء ويتواصل معهم لدرجة المصاهرة..