رحيل احد اهرامات مصر الرئاسية

رحل اليوم احد اهرامات مصر القيا دية والرئاسية الرئيس المغفور له محمد حسني مبارك وهو الرئيس العربي الرابع الذي تولى رئاسة مصر بعد الضابط محمد نجيب والرعيم عبد الناصر وانور السادات ، حكم مصر ثلاث عقود وهو من فئة الجيش المصري العظيم وابنا من ابناء الضباط الاحرار الذين غيرو وجهه التاريخ لمصر من حكم ملكي ومملوكي الى حكم جمهوري بدأت بتحرير الفلاحين من سطوة الاقطاع وسلوكياته وعصر الباشوات وابناء الباشاوات الى ثورة العمال والتكنولوجيا والتصنيع والسد العالي والقطاع العام والاكتفاء الغذائي والمنسوجات القطنية والحريرية وسكر القصب والبنجر الى الصناعات الحربية .
محمد حسني مبارك حكم مصر على امتداد حضاري 9 الالاف سنة سبقه ابناء مصر من القادة السابقين فهم اتوا الى حكم مصر من قرى مصر الممتدة من جنوبها لشمالها من الصعيد الى وسط الدلتا ابناء فلاحين وموظفين صغار ولذلك كانت مصر بنيلها وصحرائها ومدنها وقراها هي نسيج متكامل ومترابط في عقلية هؤلاء القادة والرؤساء فهم محافظين على الامانة وقضوا من اجلها ومن اجل سيادة مصر وكرامتها وبعمق مسؤلياتها الاقليمية تجاه الاشقاء والاصدقاء .

محمد حسني مبارك وكما قال في خطابه وكلمته القصيرية عام 2011م في العاشر من شهر فبراير وكلمة من اعمق الكلمات التي سمعتها من الرؤساء الذي استهدفهم ما يسمى الربيع العربي الذي قاده من وراء ستار وفي العلن برنارد ليفي اليهودي الصهيوني وهيلاري كلنتون وساركوزي حين قال "" سيحكم التاريخ علي وعلى غيري بما لنا وما علينا ،سنثبت اننا لسنا اتباعا لاحد ولا ناخذ تعليمات من احد ،وان احد لا يصنع لنا قراراتنا سوى نبض الشارع ومطالب ابناء الوطن اقول من جديد انني عشت من اجل هذا الوطن حافظا لمسؤليتي وامانته وستبقى مصر هي الباقية فوق الاشخاص وفوق الجميع ستبقى حتى اسلم امانتها ورايتها هي الهدف والغاية هي المسؤلية والواجب بدايه العمر ومشواره ومنتهاه وستظل بلدا عزيزا لا يفارقني او افارقه حتى يواريني ترابه وثراه وسيقى شعبا كريما يبقى ابد الدهر مرفوع الرأس والراية موفور العزة والكرامة . ""
بالقطع كانت هذه الكلمات تعبر عن مسؤولية كبيرة عن الوطنية المصرية و كيف تفكر في احلك الظروف و كيف تضع قراراتها وتصنعها وبدون املاءات ، و كما تردد في تلك الايام حينما عرض عليه الخروج خارج مصر من قوى خارج مصر كما عرضت على زين العابدين بن علي رئيس تونس و عرض على القذافي و بشار و صالح كما عرض على صدام حسين ، كانت كلمات الرئيس الراحل مبارك جازمة حاسمة انه ابن مصر لا يقبل تصريحات هيلري كلينتون او غيرها من قادة امريكا واوروبا ، واخذ قراره بأنه في خدمة شعب شباب وشابات مصر و مع مطالبهم و لكن لن يترك هذا الوطن في احلك الظروف و سيسلم الامانة في امن و امان و سيوارى جسده في ارض الاباء و الاجداد ، و كان هذا هو خياره ورحل بعد عناء كبير و في احلك الظروف حقق انجازات ميدانية واستراتيجية لمصر .

بالتأكيد انه كان صاحب الضربة الاولى في معارك اكتوبر وهو القائد لسلاح الطيران الذي اختار وقرر ان يكون في اول الطلعات الجوية لتحرير سيناء ، وتدمير خط برليف و كما هو كان عظيما بإنجازاته العسكرية فكان عظيما كسابقه من اهرامات مصر على طريق بناء الدولة الحديثة صاحبة الحضارة والتاريخ ل 9 الاف عام ، ففي فترة رئاسته قد حرر سيناء بالكامل و حرر اخر جزء من سيناء منطقة طابا بتحكيم دولي كما أسس ملامح حضارية للبنية التحتية في مصر ، شبكة طرق واسعة و كبيرة و مدن جديدة وتوسع في الصحراء و كباري و انفاق و كوبري السلام الذي يربط شرق القناة بغربها بالاضافة نفقين عابرين من غرب القناة لشرقها و هنا نتحدث ايضا عن مترو الانفاق العظيم كأول مشروع في منطقة الشرق الاوسط الذي حقق التواصل لمدينة القاهرة الكبرى فهو ايضا في عهده توسع القطاع الخاص ولكن تعرضت مصر كما هي العادة كما تعرض الرؤساء الذين من قبله الى ضغوطات كبيرة ذات مآرب سياسية و امنية ، كانت تريد ان تفرضها دول خارجية على مصر ولكن في عهده ايضا حافظ على سيادة مصر و استقلال قرارها ، تعرضت مصر لأزمات اقتصادية و لكن حافظ بقدر الامكان على القيمة المالية والشرائية للجنيه المصري .

بخصوص الصراع الفلسطيني الاسرائيلي و ما كان مفروضا على مصر بموجب اتفاقيات كامب ديفيد فلقد كان موقفها حكيما و موقفه ينبع من مسؤولية وبعد نظر في كل الازمات التي تعرضت لها المنطقة سواءا بغزو العراق او بما يسمى الربيع العربي فلقد ابى ان يدخل في معادلات اقليمية تجر مصر الى ما يحسب عليها تاريخيا او اقتصاديا ولكن حافظ على وحدة بلاده على استقلالها ولقد كان له مواقف تؤيد البرنامج الذي اعتمدته منظمة التحرير الفلسطينية ، هذا البرنامج الذي ارتضاه الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني ولم يكن خيارا مصريا بل خيارا و كما قال الرئيس عباس و من قبله ابو عمار "قولوا لأمريكا و الدول الاخرى التي تمارس الضغط سنقبل بما يقبل به الفلسطينيون" ولذلك مصر دعمت حل الدولتين و دعمت السلطة الفلسطينية و مازالت تدعمها و حاولت بشتى الطرق في عصر حسني مبارك ان تقفز عن كل الضغوط التي تمارس عليها تجاه غزة و حصارها ، و اذكر حادثة في النصف الثاني من عام 2008 حينما فتح الحدود بين رفح و العريش و اعترضت اسرائيل و قدمت شكوى لامريكا و حلفاؤها ، حينها اجاب حسن مبارك رحمه الله قائلا "شعب عايز ياكل اقله ما تاكلش !"واذكر ايضا ما ذكرته الصحف المصرية في اواخر التسعينات ان لم تخني ذاكرتي عندما اراد اب يحتفل السفير الاسرائيلي بيوم ما يسمى استقلال اسرائيل في ""جروبي "" حينها رفض مدير مطعم وكازينو قروبي ان ياخذ ثمنا لتكاليف الوجبات فاعتقد السفير انه يكرمه ويكرم اسرائيل ملقيا الثناء والشكر لمدير جروبي حينها قال له المدير هذه اللمرة استضفتك ولكن اتمنى ان لا اراك هنا ثانية ... حينها غضب السفير ووجهوا خطاب امتعاظ للخارجية وعندما روجع الرئيس حسني مبارك اجاب قائلا وعلقا "" الله الشعب مش عابيز يطبع معاكم اقوله طبع غصبنعنك ..؟!

مصر تنهض بقادتها الذين يمثلون اهرامات هذه الحضارة الممتدة و التي مازالت تعمل حثيثا على امنها و الامن القومي العربي امام اطماع تأتيها من تركيا و من ايران كمراكز نفوذ في المنطقة العربية للحصول على ثرواتها و تقسيم المنطقة من جديد بناءا على ما يسموه ملئ الفراغ ، مصر من جديد تملأ الفراغ بجيشها الوطني القوي و هي تقوم الان بدورها القومي في مناطق و رمال متحركة و متفجرة في محاربة الارهاب بكل اصنافه في سيناء و في الصحراء الغربية و في ليبيا معتمدة على ابناء مصر المخلصين في القوات المسلحة المصرية ، هي تلك المدرسة العظيمة التي خرجت عبد الناصر و السادات و حسني مبارك و يستمر العطاء في التطور و بناء مصر الحديثة بوحدة كل ابناءها .

بقلم : م سميح خلف