الفيلسوف الفرنسي "ميشيل فوكو" كان يفرق بين (السلطة والسيادة) يعني أن تكون حاكما ليس معناها أن تكون سيدا، لأن السيادة في مفهوم فوكو هي عالم افتراضي يعيشه شعب ما بثقافته ولغته وأعرافه..لكن الحكومة/ السلطة مش بالضرورة تكون متفاعلة أو تفهم هذا العالم..


نظرية فوكو كان يعارض بها السلطات المدنية الحديثة ليس من باب إنه داعم لحكومات رجعية ولكن لبحثه عن نموذج يكون فيه الحكومة والسيادة واحدة ، لأن هذا الفارق بين الإثنين تجلى فيما نعرفه (بمراكز القوى) والانقلابات والثورات، تجد الحاكم أو السلطوي يعيش في برج معزول عن الشعب اللي بيشعر بسيادة حقيقية بعيدة عن قصر الملك، وهذه السيادة قد تكون لدولة أجنبية مثلا..


في سوريا وإدلب تحديدا يوجد عالم افتراضي يعيشه كثير من الأدالبة أن تركيا تمثل الإسلام وبشار عدو الإسلام وبالتالي مصالحهم مع تركيا ووصل الأمر لاقتناع العديد منهم إن يتهم يجب أن تذهب لتركيا..هي دي السيادة في مفهوم فوكو، لكنها تظل رمزية علوية لا تتفاعل مع الجماهير ولا تملك المبادرة لأن القوة التنفيذية كانت وستظل للحكومة اللي بإيدها تغيير هذا الواقع وإقناع الأدالبة إنهم سوريين وإن دولتهم أفضل مما تصوروها.


جيش أنطوان لحد في لبنان مر بنفس التجربة، كان جيش لبناني جنوبي ضد قوات المقاومة الفلسطينية، مع الوقت تحول جنوده لمواطنين إسرائيليين بعد تفكيك الجيش على يد حزب الله لما غزا مواقعهم سنة 2000، وبالتالي فجنود لحد عاشوا في ظل حكومة لبنانية لكن بسيادة إسرائيلية عليهم..


ميشيل فوكو فصّل نظريته في عدة كتب ليه كان معظمها نقد للسلطات الحديثة، والأغرب إن فوكو مات قبل اختراع (الدش والإنترنت) اللي عن طريقهم (تهوّد) جنود أنطوان لحد فكريا ومدنيا (وتترّك) جنود الجيش الحر في إدلب مع أسرهم، علما بأن الفيلسوف الاجتماعي "ماكس فيبر" تنبأ في بدايات القرن 20 إن القوى الفاعلة للحكومة تكون واخدة 3 أشكال هي 1- العرف والدين 2- الزعيم الملهم 3- القوانين المعقولة والعادلة..وبالتالي كسر السيادة لهذه القوى الفاعلة للسلطة – حسب فوكو - معناها وجود قوى خفية تجاوزت الأعراف والقوانين بالكلية حتى اخترقت الهوية وشكّلتها كما يُشكّل العجين والطين..


كلام فوكو يدرس بوصفه روشتة لكل حاكم يريد أن يحكم دولة قوية ومتماسكة


فهو يرى إن طبيعة أي سلطة هي البطش لإلزام الناس بالقانون، وبالتالي لا يهم الحكومات إقناع شعوبهم ، ولو آليات الديمقراطية هنا تمنع تغوّل الحكومة وتقنع الشعب بضرورة رحيلها فمن السهل على أي حكومة ذكية استخدام نفوذها للتعاون والتأثير مع القوى الفاعلة السابقة اللي قالها ماكس فيبر، وهو دا اللي بتعلمه بعض السلطات أحيانا بالتحالف مع كهنة الدين ودعم الزعماء القبليين وإصدار قوانين شكليا عادلة..أو يمكن تجاوز كل ذلك بوجود زعيم ملهم للشعب يستفيد من سلطته كحاكم إعلاميا واجتماعيا ليظهر بمنظر البطل الصادق.


لكن بروشتة فوكو سيمكن لأي حاكم أن يجمع بين السيادة والسلطة معا، بمعنى إنه يجمع بين مصالح شعبه وثقافتهم وأعرافهم..بحيث لو الشعب ثار على الحكومة لن يثور على سيادته، ولو النقد الشعبي والمعارضة تم توجيهه للحكومة يسهل إعادة توجيه هذا النقد للسيادة، بمعنى لو خصوم بشار الأسد انتقدوا الاستبداد فيسهل تحميل هذا الاستبداد لسيادة أخرى هي المؤامرات الخارجية والغزو الثقافي وحث المثقفين المؤيدين للحكومة على النشاط في إقناع الشعب بذلك..ودا اللي عمله الأسد بالحرف ونجح فيه بشدة نظرا لأن خصومه كانوا يشعرون بسيادة غير سورية وغير بعثية عليهم (الفكر الوهابي العثماني) وبالتالي اقتنع كل خصوم الوهابية والعثمانية إن بشار الأسد صح وهؤلاء من حيث الكمّ كثير ويشكلون أكثر من نصف الشعب السوري.


باختصار شديد: لو كانت المعارضة السورية هي بالفعل (سورية) الهوى والثقافة لأقنعت الشعب والحكومة بنزاهة مطالبهم، وهنا يكون كلام ميشيل فوكو المتوفي قبل ثورة سوريا ب 27 سنة تم توظيفه بشكل غير متعمد ضد الثورة لينجح الأسد في البقاء كرئيس يجمع بين السلطة والسيادة معا في وجه سيادة أخرى غريبة على السوريين بل وتهدد أرواحهم وأملاكهم، وقد قلت هذا الكلام ومثيله قبل 9 سنوات لكن كراهية العرب للفلسفة وضعتهم في خصومة مع العقل وكراهية الثوار للنقد وضعتهم في خصومة مع العالم كله..عدا تركيا مؤقتا..