على العكس بأن روسيا متضررة من انخفاض سعر النفط لكونها ثاني أكبر مصدر للعالم بعد السعودية، أرى أن روسيا مستفيدة من هذا الانخفاض ماليا وسياسيا، وبالتالي رفضت الاتفاق مع المملكة على خفض الإنتاج وتمسكت بمعدلها الحالي حتى لو انخفض سعر البرميل..


أولا: روسيا لديها رابع أكبر احتياطي دولار في العالم بمجموع 570 مليار دولار


ثانيا: روسيا لديها رابع أكبر احتياطي ذهب في العالم بمجموع 2200 طن، وكلا الأمرين احتياطي العملة واحتياطي الذهب هما علامة صحة لأي اقتصاد ومعه فالروس غير مهددين من الأزمة الحالية..


ثالثا: الإنفاق الروسي أقل من الأمريكي والسعودي خصوصا على السلاح، وبالتالي فسعر البرميل حتى لو وصل 20 دولار فخسارة السعودية أكبر بمعدل 50 دولار للبرميل لأن موازنة المملكة وكل دول الخليج اعتمدت على أساس تسعيرة 60 - 70 دولار المتفق عليها في أوبك كمتوسط


رابعا: تكلفة إنتاج البرميل الواحد لروسيا 17 دولار بينما في أمريكا تكلفة إنتاج البرميل 36 دولار، مما يعني أن خفض أسعار البترول في مستوى العشرينات سيجبر أمريكا على وقف إنتاج النفط التقليدي والاعتماد على النفط الصخري (كليا)


خامسا: تكلفة إنتاج النفط الصخري في أمريكا للبرميل الواحد حوالي 30 دولار مما يعني أن خفض أسعار النفط التقليدي لأسفل هذا الرقم يعني حدوث خسارة كبيرة للشركات العاملة في النفط الصخري ونتائجه على ارتفاع أسعار السلع مباشرة في أمريكا مقارنة بدول أخرى، وبالتالي أمام أمريكا حلين أسوأ من بعض..إما خفض أسعار النفط الصخري مما يرفع عجز الموازنة بالضرورة لأن الفارق بين السعرين سيضاف للديون..والحل الثاني: الاعتماد مرة أخرى على النفط التقليدي وتسليم رقبة أمريكا مرة أخرى لروسيا والخليج..


سادسا: خسارة أمريكا مؤكدة بشكل فادح وربما يكون هذا الخفض متفق عليه بين روسيا وإيران والصين لضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد..الأول: تقليل خسارة الصين من جراء توقف مصانعها في أزمة كورونا، الثاني: إجبار أمريكا على التخفيف من عقوباتها ضد إيران وفنزويلا ليعود النفط الإيراني والفنزويلي مرة أخرى للسوق لسد حاجة الطلب الأمريكي بعد التخلي عن الصخري، الثالث: دعم السعودية ونظام حكم بن سلمان أمام الإدارة الأمريكية القادمة خصوصا بعد تغير سياسات المملكة لتكون خصما للإسلام السياسي.


سابعا: خفض الأسعار بالنسبة للسعودية (إيجابي وسلبي معا) إيجابي لأنه وحسب التحليل السابق ستعود أمريكا للاعتماد على السعودية وبالتالي الصمت على التغير السياسي الحالي الذي يحدثه بن سلمان المدعوم من بوتين، أما السلبي فهي خسارة مالية كبيرة لعجزها الحالي ب 50 مليار دولار..وفي حال بقاء أسعار النفط منخفضة سيرتفع هذا العجز للضعف خلال عدة شهور..


ثامنا: روسيا ليس لديها عجز مالي بل لديها فائض حوالي 13 مليار دولار، وبالتالي هي أقل الخاسرين من الخفض على مستوى الدول العشرين..لاسيما أن خسارة أمريكا والسعودية هنا ستكون ورقة روسية ضدهم في أي مفاوضات سياسية خاصة بأي ملف ، ولأن عودة أمريكا للاعتماد على النفط التقليدي يعني خسارتهم لنفوذ وأموال تجعلهم رهينة مرة أخرى لمنظومة أوبك وسياساتها..


حسب هذا التحليل فروسيا تعمدت رفض الاتفاق مع المملكة لينخفض سعر البترول لعدة مكاسب سياسية ومالية معا، الشق السياسي سيكون مرهون بانسحاب أمريكا من سوريا ووقف تصعيدها ضد إيران، والشق المالي سيكون متعلق بإرادة بوتين الفصل بين الدولار والاقتصاد العالمي، لأن حاجة أمريكا للنفط التقليدي حاليا بالتوازي مع عجزها البالغ تريليون دولار وديونها التي تفوق 23 تريليون دولار يعني خفض إنفاق ضروري وإجبارها على الانسحاب عسكريا من العالم والتفرغ لحل مشاكلها الاقتصادية..وبالتالي فقدان كل أوراق ضغطها إذا ما قررت الدول أن تتحول من اقتصاد الدولار لليورو واليوان...


تخيل دولة ديونها 23 تريليون دولار وعجز موازنتها تريليون دولار، بينما الوقود اللازم لتشغيل مصانعها ومزارعها في إيد خصومها..ماذا ستفعل؟..علما بأن أمريكا خلال العقدين الماضيين حاولت الإفلات من تلك المقصلة بالاعتماد على النفط الصخري..الآن سيتوقف النفط الصخري وشركاته ستدمر في ظل ارتفاع قروضها من البنوك الأمريكية كما هو معلن..وما تأثير ذلك على البورصات الأمريكية والأوروبية معا؟


وجهة نظر..قد تصيب وقد تخطئ..لكن أدلتها كما أرى منطقية جدا