مشاريع عديدة مؤجلة بسبب الوباء


أخلط فيروس كورونا ( كوفيد 19 ) و انتشاره في العالم كل الأوراق ، و عطل كثير من المشاريع في الجزائر لاسيما التعديل الدستوري، الذي كان موضع نقاش و مشاورات منذ انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية، في ظل استمرار الحراك الشعبي الذي يرى أن التعجيل في إصدار دستور جديد هو ضرب في التوغل في مرحلة مجهولة المعالم، كون المطالب لم تحقق كلها، فيما يرى المؤيدون أنه من الصعب حل المشاكل في ظرف قصير جدا، و يأتي التعديل الدستوري ضمن الـ: 54 التزاما قدمه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلا أن فيروس كرونا الذي حاصر الجزائر و العالم كله و عطل كل المشاريع، و بالرغم من ذلك ما زال الجزائريون يتطلعون إلى مضمون الدستور الجديد

علجية عيش


ليس مهما كم من دستور استهلك الجزائر منذ الإستقلال إلى اليوم، الأهم هو أن هذه الدساتير كما يقول محللون شكلت مفارقات تصلح لتكون موضع تحليل من قبل المختصين في القانون الدستوري، فقد مرت الجزائر بأزمات عديدة منذ الإستقلال إلى اليوم و عاشت حركات تمرد على كل المستويات بدءًا من مظاهرات أكتوبر 88 ، إلى الحراك الشعبي مرورا بالعشرية السوداء، و تنكنت الجزائر من أن تخرج من عنق الزجاجة و تنتصر على مشاكلها بطريقة أو بأخرى، و تعيد افستقرار للمواطن مهما كان حجم التضحيات، إلا أنه وضع دستور بمقاس يكون في مستوى طموحات الشعب ما زال لم يولد بعد، لأنه مع كل أزمة يصدر دستور جديد للخروج من تلك الأزمة و إقناع الشعب بأن السلطة تسهر على تجسيد مطالبهم، و مع كل دستور تضاف بنود جديدة أو تعدل بنود كانت قد لقيت رفضا من قبل مسؤولين في مختلف القطاعات، لاسيما قطاع التربية و المنظومة الجامعية أو قطاع الصحة و الشغل و كل ما يخدم مصلحة الشعب.

كما أن التعديلات التي عرفتها مختلف الدساتير لم تكن مبنية على قناعات ، بل خرجت من رحم أحزاب لها حسابات سياسية ، بحجة بناء جمهورية جديدة تختلف عن الجمهوريات السابقة، بمعنى دستور يختلف عن الدستور الذي سبقه، خاصة الدستور الذي أطلق عليه اسم دستور الأزمة ( 1989 ) ، و هو دستور فرض على الجزائر مرحلة انتقالية، و ظلت هذه المرحلة سائدة في مختلف الدساتير التي عرفتها الجزائر إلى غاية آخر دستور صدر في عهد الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، و منه توقفت مسيرة الجزائر سياسيا، كان ذلك بداية من 22 فبراير 2019 بعد خروج الجزائريين في مسيرات سلمية فيما عرف بالحراك الشعبي، اثبتت السلطة افتقارها إلى قاعدة اجتماعية ضرورية لقيامها، فقد مرت سنة على الحراك الشعبي و في ظل هذه الظروف أجريت الإنتخابات الرئاسية و اختير عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية.

و كغيره من الرؤساء الذين سبقوه فهو مطالب بوضع دستور جديد يتماشى مع المرحلة الراهنة، وقد التزم الرئيس أمام الشعب في خطاب له على مراجعة واسعة للدستور من أجل بناء جزائر جديدة، و أكد أن المراجعة تكون بمشاركة الإطارات الجامعية و المثقفين و مختلف شرائح المجتمع مع إشراك الجالية المقيمة بالخارج، على أن يمرر الدستور على الإستفتاء الشعبي، و كان عليه أن يضع خطة أو خارطة طريق للتعديل الدستوري الجديد، رسم فيها معالمه السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية، إلا أن الظهور الفجائي لفيروس كورونا و انتشاره في العالم، أخلط كل الأوراق على مستوى الحكومة خاصة بعد وصول الفيروس إلى الجزائر و تسجيل حالات إصابة و وفيات في عدد من الولايات، و فرض حظر التجوال، فهذا الوباء ضرب قطاعا حساسا جدا، و مصيره متوقف على النمو الإقتصادي للبلاد، إذ لا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية بدون عنصر بشري يتمتع بالصحة الجيدة و غير معرض للأخطار و الكوارث.

و كما يقال: لكل رئيس دستوره و لكل أزمة دستورها، و لا شك أن مسودة الدستور الجديد ستخضع إلى تغيرات جديدة، بحيث لا ترتكز فقط على المنظومة التربوية أو قطاع المحروقات على سبيل المثال، أو في البنود المتعلقة بعلاقة الدين بالدولة و اللغة العربية و القضية الأمازيغية كما جرت العادة في كل تعديل دستوري، و إنما هذه المرة سيكون لقطاع الصحة مكانة في الدستور الجديد، من خلال وضع بنود جديدة لتجنب البلاد من كل المخاطر التي تهددها و أمنها الصحي و الغذائي أو أي انحراف و حماية الحقوق و الحريات للأفراد في إطار ترسيخ الديمقراطية و هذا وفقا لتعهداته السياسية التي التزم بها في حملته الإنتخابية على أن يكون الدستور الجديد دستور كل الجزائريين.