الحال المزرية للحرية
الشاعر ناظم حكمت
ترجمة نزار سرطاوي

تُضَيّعُ انتباه عينيك،
وجُهدَ يديك الناصع،
وتعجن عجينًا يكفي لعشرات الأرغفة
التي لن ينالك منها كسرةٌ واحدة.
أنت حرٌّ في أن تجعل نفسك عبدًا للآخرين –
أنت حرٌّ في أن تجعل الأغنياء أكثر ثراءً.

بمجرد أن تُوْلدَ
يزرعون حولك
مطاحنَ تطحن أكاذيبَ
تكفي مدى الحياة.
تواصلُ التفكير بحريتك العظيمة
واضعًا إصبعك على صُدغكَ
حرًّا في أن يكون لك ضمير حرّ.

رأسك محنيٌّ كما لو أن في مؤخرة عنقك قطع،
ذراعاك طويلتان تتدليان
وتتأرجحان على جانبيك
أنت حرٌّ
وتتمتع بحريةِ أن تكون عاطلًا عن العمل .

تحب بلادك
كحبك لأقربِ وأغلى شيءٍ عندك.
ولكنهم ذات يومٍ، على سبيل المثال،
قد يتنازلون عنها لأميريكا،
ويتنازلون عنك أنت أيضًا بحريتك العظيمة –
لديكَ الحريّةُ في أن تصبحَ قاعدة جوية.

في وسعكَ أن تعلن أن على المرء أن يعيش
لا كأداةٍ أو رقمٍ أو رباط
بل كإنسان –
ثم في الحال يضعون القيود حول معصميك.
أنت حر في أن تُعتَقَل وتُسجَن
وحتى أن تُشنَق.

لا توجد ستارةٌ من حديد
أو خشبٌ أو من قماشِ التُلّ
في حياتك؛
لا حاجةَ لاختيار الحرّية:
فأنت حرّ.
لكن هذا النوعَ من الحرّيةِ
هو قضيةٌ حزينةٌ تحتَ النجوم.
------------------------------
يُعدّ ناظم حكمت أول شاعر تركي حديث. ولد عام 1902 في سالونيك التي كانت في ذلك الوقت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية لكنها الآن تابعة لليونان. كان والده موظفًا في وزارة الخارجية. ولعلّ جده ناظم الذي كان شاعراً هو الذي وجهه نحو الشعر. وقد صدرت مجموعة ناظم الشعرية الأولى وهو السابعة عشر من عمره.
في تلك الفترة الزمن احتل الحلفاء وطنه في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فغادر ناظم مسقط رأسه في إسطنبول للالتحاق بالجامعة في موسكو. وهناك تواصل مع العديد من الكتاب والفنانين، الذين كانوا من مختلف أنحاء العالم.
في عام 1924عاد إلى تركيا بعد الاستقلال. وبدأ ينشر أشعاره ومقالاته في الصحف اليسارية وغيرها من المنشورات. غير أن ميوله اليسارية جلبت عليه الكثير من المتاعب، مما اضطره إلى العودة إلى روسيا، حيث تابع الكتابة دون الخضوع للرقابة.
في عام 1928 صدر في تركيا عفو عام، وهذا ما شجع ناظم على العودة إلى بلاده. وخلال السنوات العشر التالية ، نشر تسعة كتب شعرية منها خمس مجموعات من القصائد بالإضافة إلى أربعة قصائد مطولة أصدر كلّاَ منها في كتاب منفصل.
تعاملت الدولة التركية من ناظم بالكثير من الشكّ والعداء، ولعلّ هذا ما جعل الشعب ينظر إليه باعتباره بطلاً. وكان من بين مؤلفاته عمل بارز يدور حول أسلوب الحياة الذي التي يتمتع به رجال بلاده ونساؤها من أهل المناطق الريفية كما في البلدات والمدن، وجاء الكتاب تحت عنوان مناظر طبيعية من بلدي. ويعتبر واحداً من الأعمال الأدبية الوطنية التركية العظيمة.
تعاظمت الضغوط السياسية على ناظم مرة أخرى. إذ لم يكن تطرفه موضع ترحيب في تركيا. وكثيرا ما كان يوصف بالشيوعي الرومانسي أو الثوري رومانسي. لكن وجهات نظره كانت مخالفة للأحزاب السياسية الحاكمة في وطنه، وكثيرا ما كان يتم اعتقاله بسبب ذلك، فقضى الكثير من أيام حياته في السجن أو في المنفى حتى عام 1951، حيث غادر وطنه مرة أخرى ، ولم يعد إليه أبدًا. فقد عاش من ذلك الحين وحتى وفاته في الاتحاد السوفيتي وأجزاء متفرقة من أوروبا الشرقية.
كان ناظم متحمساً للشيوعية المثالية، وكان الجمهور يستقبل قصائده الوطنية بصورة إيجابية. إلا أنه في الفترة ألأخيرة تأثر بشكل كبير بالمدرسة المستقبلية الروسية في موسكو. وراح يتخلى عن الأشكال "التقليدية" للكتابة. وقد وحاول أن "ينزع الشعرية" عن الشعر.
كان ناظم يكتب باللغة التركية ولكن الكثير من أعماله ترجمت إلى الإنجليزية وإلى العديد من اللغات. وقد تعرض لأزمة قلبية وتوفي في موسكو عام 1963.