الشيخ عبد الحميد كشك
خاتِمةُ المُحسِنِينَ وقُدوةُ الخُطَباءِ اللَّسِنِينَ

بقلم: ابن الأحمر

خاتِمةُ المُحسِنِينَ، وقُدوةُ الخُطَباءِ اللَّسِنِينَ، بل حاملُ لواءِ الإحسانِ لأهلِ هذا اللسانِ بالسنة والقرآن. وله في العربية حَظٌّ وافِر، وفي الإعْرابِ قِسمٌ سافِر.

ولد في شبراخيت بمحافظة البحيرة بمصر، (يوم الجمعة 13/12/1351هـ=10/3/1933م).

كان –قدَّس الله هُداه، وسَقَى مُنتَداه- زاهدًا رَحْب الإحسانِ، وخطيبًا طَلْقَ اللِّسان. يُحرِّكُ الجَامِع، ويُقَرِّطُ المَسامِع، ويُرسِلُ مِن الجُفونِ المَدامِع. ولم تُثنِهِ عن غَرَضِه الدُّعابةُ والانبساطُ، فعظُم به الاغتباطُ، وظهَر له الفضلُ على كَثرةِ الكارهِينَ للدينِ ودُعاةِ الاحتِيَاط.

في (1992هـ) ناهَز اكتِهالهُ وبلَغ أَشُدَّهُ، وأقبَلَ يَدعونا -نحن الشباب- إقبالَ الغَمامَةِ علَى المَحْلِ، فاهتزَزْنا لظُهُوره اهتِزاز الصارِمِ، وتَلَقَّيْناهُ تَلَقِّي الأكارِم.

وكُنا في (1997هـ/1977م) نَتَقَفَّى قَنْصَ أشرِطةِ خُطَبِه التي بَلَغتْ لِوَاذَ ألفَينِ عِدَّةً، ونَجتمِعُ على سَمَاعِها، فترَى الجمْعَ يُنصِتُ لاستِماعِه، ويُشْرِع لدُرَرِه النَّفِيسةِ صدَفَ أَسمَاعِه. وطارتْ خُطبُه كُلَّ مَطار، وأَنصتَ لها راكبُ الفُلكِ وحَادِي القِطار، فانتبَه مِنّا السادِرُ الكثيرُ العُيُوبِ، وتَاب مِنا الغَافِلُ الجَمُّ الذُّنُوب.

كفيفٌ عكَف واجتَهد، وبَرَزَ إلى مُقارعة مُشكِلات الحياةِ الإسلاميةِ ونَهَد، وهو طابِعٌ لسُيُوفِ الكَلِم المُنْتَضَاة. وتَناولَ مَسائلَ العَصْرِ فأَبَانَ صَباحَها حتى فاضَتْ مِنه السَّرائِرُ، وعُقِدَتْ على حُبِّه الضَّمَائِرُ، وطابَتْ فِيه الخَوَاطِرُ، وتَضَوَّع مِن ثَنائِه المِسكُ العَاطِر. وثبَتَ يُفوِّقُ إلى كل غَرَضٍ سِهامَهُ، فاهتزَّ له العالَمُ على رَجَاحةِ أطْوادِه. ورَفَعَ الرايةَ وبَلَغَ الغَايَة.

على الرُّغمِ مِن اعتِقالِه وسِجنِه مَرَّتَيْن ثُم مَنْعِهِ في الأَخِيرِ مِن الخَطابةِ بِسببِ استِسْلامِ الرَّئِيسِ السَّاداتِ للعَلمانِجِيِّين مِن اليهودِ إلاَّ أنَّ آثَارَ دَعوَتَه بَقِيَتْ عِدةَ سنَواتٍ في اشتِهارٍ، ورَوْضَاتُ تَربيَتِهِ وإصْلاحِهِ ذَوَاتُ أزهارٍ، يَسلُك مِن النَّهجِ على السَّنَنِ المأثورِ في شيءٍ مِن تَصَوُّفٍ غيرِ مَشهُور.

وحَوَّم عليه الأجَلُ المُنتَظَر، فتُوُفِّيَ ببلده عن سِنٍّ غيرِ عَالِيَةٍ، وزِمَانَةٍ متَوَالِيَة عام (1416هـ/1996م). وتَعطَّلتْ بِوفاته تِلك السُّوق، وفُقِدَ بَعْدَهُ الدُّرُّ المَنْسُوق.