صديق يقول: أن تعريف السُنة عند الفقهاء ليس هو تعريف المحدثين..


قلت: السنة مفهوم (عقائدي) ليست حديثيا أو فقهيا، الشيوخ يفسروه وفقا لمذاهبهم العقائدية أولا ،وعندما وقع الخلاف بين المذاهب قديما حاولوا تعريف السُنة ولم يتفقوا فوقع الشقاق إلى اليوم بين تعريفات مختلفة لكن دليلها واحد..


مصطلح السُنة هو الطريقة أو الشريعة المقابلة للبدعة، لذلك يقولون فلان على سُنة أي (ليس على بدعة) وأما دليل هذه السُنة هو الحديث كما قال الشاطبي في الموافقات، ومفهوم البدعة نفسه عقائدي، فكل من يحاول حصر المذهب السني في فقه أو حديث تجاوز أصل النشأة وامتداده العقائدي في أذهان الشيوخ


غبي جدا من يعتقد أن سلف المسلمين فصّلوا أنفسهم لفقهاء ومحدثين حسب التخصص، فابن حنبل نفسه كان محدثا وفقيها، كذلك مالك بن أنس والشافعي، حتى البخاري كان فقيها، وابن تيمية كان فقيها ومحدثا له كتاب في الحديث، والأسماء كثيرة كالأوزاعي وابن راهوية والليث بن سعد وابن شهاب الزهري وقتادة ..وغيرهم


كل هؤلاء كانوا محدثين وفقهاء معا..لأن الفصل بين الفقه والحديث جاء متأخرا جدا بعد ظهور ابن عبدالوهاب


الوهابية هي التي فصلت بين المحدثين والفقهاء وجعلت لكل منهم عمل مخصوص، والسبب أنهم حين أرادوا مُلك قبائل يحكمها المالكية أقنعوهم بأن الفقهاء شئ والمحدثين شئ..نقبل الفقهاء كلهم لكن لا نقبل المحدثين كلهم ،خصوصا مالكية الحجاز الذين كانوا في بعض منهم يقدمون كتاب الموطأ على الصحاح فكان الحل أننا نقبل فقه مالك لكن لا نقبل حديثه..


كل كتب التراث الإسلامي قبل الوهابية عرّفت السُنة (تعريفا عقائديا) لتمييزهم عن المبتدعة، وبعد الوهابية ظهر ما يسمى "تعريف الفقهاء" و "تعريف المحدثين" وتعريف "الأصوليين" بينما الأصل أن مفهوم السُنّة بدأ (سياسيا) في الفتنة الكبرى ثم تحول (لعقيدة) في العصرين الأموي والعباسي من كثرة الحروب والتنظير الفكري..


أما الوهابية فلم يلزموا التعريف الذي أعطوه للقبائل، ظلوا يخلطون بين الفقه والحديث، فكل فقيه منهم يعمل بالحديث والعكس صحيح، أي كل محدث منهم يفتي في الفقه، ولا زالت هذه العادة فيهم إلى اليوم..برغم أنهم ينكرون على خصومهم العمل بالاثنين فإذا خالفهم صوفيا مُحدّثا قالوا لست فقيها..وهكذا، حتى ورث هذه العادة شيوخ الأزهر برغم أن إمامهم الأكبر "ابن الصلاح" كان فقيها ومحدثا في نفس الوقت..