قصيدة : انهضي بيروت
للشاعر/ عبدالواسع السقاف



1
بيروتُ قِصةُ المسَاءِ والسَّهرْ
وغَيرةُ النُّجومِ حينَ يطلعُ القَمَرْ
وبَسمَةُ الصَّباحِ حينَ تُزهرُ الشّجرْ
ونغمَةٌ جَميلةٌ على شَفايفِ الوترْ
ورقصَةُ الحَمامِ حين يَعزفُ المطرْ
وشَاطئ الأمانِ حين يكثُرُ السَّفرْ
وأمنياتُ شَاعرٍ على مَشَارفِ القَدرْ

2
بيروتُ
فَرحتي التي تُسابقُ السَّحَابْ
وذِكرياتُ عَاشِقٍ في أولِ الشَّبَابْ
بُيوتُها بَهيةٌ
شُطآنُها بَديعةٌ
وسِحرُها اغتِرابْ
عَمِيقةٌ شُجُونها
مَنسِيَّةٌ
كأنّها مِن نأيها تُرابْ
أحلامُها جَريمةٌ
وحُبها قَضِيةٌ
ووَصلُها عِقَابْ
ولم تَزَل أبيةٌ
تواجهُ الظّلامَ بابتسَامةٍ
وتُحسِنُ الجَواب!

3
بيروتُ مِثل شَابةٍ أحلامها
بَسيطَةٌ
وقلبها سَمَاءْ
لكنها جَميلةٌ
وللجَمالِ لعنَةٌ تدري بهِ النِّساءْ
الكُل راغبٌ بها
والكُل غاضبٌ هناك
عندَ بابها
يُصارعُ الهَواءْ
وكلما تَعثّرتْ أقدامُها
تعودُ للنهوضِ
كي تُعلمَ العَطاءْ

4
بيروتُ
تمنحُ القلوبَ سِحْرها فيَكبرُ الخِصَامْ
ويَصمتُ اليراعُ حين ينطِقُ الحُسَامْ
ويستَحيلُ قلبها وفَرحُها رُكامْ
ولم تَعُد تَزورها حَمَامةُ السّلامْ
وحينما تهيأتْ لتَملِكَ الزّمامْ
تكالبَ الوَصِي عند صَاحِبِ المقَامْ
ليصنَعوا لثَغرِها مِن جِلدِها لِجَامْ

5
بيروتُ
لم تَزل تُعايشُ العَذَابْ
لأنها وَحيدةٌ وحولها الذّئابْ
وأُمها كَسِيرةٌ
مُشغولةٌ بعُريها
تُرقّعُ الثّيابْ
جِراحُها كبيرةٌ
على الخُدودِ عَضَّةٌ
وفي الرِّقابِ نَابْ
تقطّعتْ أوصَاُلها
تحطَّمتْ آمالُها
وعَشعشَ الخَرابْ
وليس في ضَميرها
وليس في حِسابها
أطفالها الذين لم يُبارحوا
موائدَ الصَّحابْ

6
بيروتُ
كلما كَبرتِ يكبرُ الفَسَادْ
والصَّمتُ يا جميلتي يولّدُ العِنَادْ
وليس في عُيونِهم
ما يُشبِهُ الرّمادْ
والحَقلُ يا عَزيزتي لا يُشبعُ الجَرادْ
ولن تقُومَ أمةٌ
ووَضعُها كَسَادْ
ولنْ يفوزَ حَاكمٌ شِعَارهُ الحِيَادْ!
7
بيروتُ
لا تُكابِري! فالصَّمتُ للضِّعَافْ
والذّئبُ يا صَغيرتي لا يَرهَبُ الخِرافْ
وليس في صِغارهِ مَن يَعرفُ العِلافْ
وقد خَبِرتِ ما جَرى!
والنَّهر يا أميرتي قد أوشك الجَفَافْ
فلتنهَضي عَزيزةً
ولتنهَضي قَويةً
لعلهُ يَخَافْ!

8
بيروتُ
والشُّعوبُ حولها
لجَرحها تَصيحْ
لأنها عَزيزةٌ وحُلمُها ذَبيحْ
وشَعبها مُؤصلٌ
لِسَانهُ فَصِيحْ
ومَن أراد قَتلَها
فقد أراد قَتلَنا
وفَرحَنا الجَريحْ!
بيروتُ في دِمائنا
فهل يجُوز أنْ نَرى
دِماءنا تَسِيحْ!؟

9
بيروتُ
لا تُسائلي عما مَضى وكانْ
هيا انهضي أبيةً
لتملئي المَكانْ
ولتُمسِكي العِنَانْ
فللشُّعوبِ صَحوةٌ
وللعُيونِ غَضبَةٌ
مَهما عَلا الدُّخَانْ
والحُزنُ يا حَبيبتي
لا يَصنعُ الأمَانْ!


صنعاء - اليمن