فلسفة الاتفاق الاسرائيلي الاماراتي على ضوء المتغيرات الاقليمية والدولية

بدون عواطف او تشنجات او مواقف ناتجة عن حالة الاستقطاب والافرازات السياسية والمحاور في المنطقة ، وكأن البعض قد فوجئ بواقع التطبيع مع الاسرائيليين وكأنهم لم يقرأوا السياسة الامريكية حو شرق اوسط جديد و من ثم الفوضى الخلاقة التي تحدثت عنها كوندوليزا رايس او قد نسوا فليب حبيب و اتصالاته بمنظمة التحرير وقد تغافلوا ايضا عن الخطوط السياسية التي خرجت بموجبها قوات منظمة التحرير من بيروت بحرا نحو الشتات بحراسة فرنسية امريكية ايضا في البحر ، نسوا احداث الربيع العربي واهدافه ايضا وتدمير الدول الوطنية في المنطقة وجعلها دول فاشلة و مرهونة لسياسات الصندوق الدولي ، نسوا ايضا ان التبويب كان بانجرار منظمة التحرير نحو حل سياسي بعيدا عن المنظور التحرري لتقع في مخالب الاعتراف باسرائيل و امتلاكها القدرات الامنية والسياسية والاقتصادية على واقع السلطة ، وكأن اذانهم سدت عندما قال مسؤول عربي في اواخر التسعينات معلقا على علاقة بينه وبين صحفية اسرائيلية عندما أنب على تلك العلاقة قائلا (لن اكون فلسطينيا اكثر من الفلسطينيين انفسهم) .
القصة و الموقف و الموضوع لا يحتاج الان لردات فعل عاطفية بل الدراسة الموضوعية والواقعية لمراحل التنازل و التطبيع مع اسرائيل عندما لا نغفل قدرات اجهزة الامن العربي التي كانت مطلعة على كل الاتصالات الامنية وغير الامنية بين منظمة التحرير و شخصيات اسرائيلية ورجال امن اسرائيليين في رومانيا وباريس و المانيا و تونس والمغرب ودول اخرى ، الانظمة العربية وبعد معارك اكتوبر وزيارة السادات للقدس وتشكيل جبهة الممانعة والانقاذ لم تفعل شيئا بل كان الاجتياح مرتب له ايضا لاخراج اوراق سياسية ادت الى اوسلو وجينيف و طابا و غيره واتفاقية باريس وكثير من التفاهمات .
روج من خلال المشهد العربي بعد الربيع العربي ان هناك دول تتجه لتنفيذ رؤية الشرق الأوسط الجديد بمحاورها المعروفة و والتي دخلت تركيا كلاعب ايضا بعد ايران ولكن المشكلة ان معنى شرق اوسط جديد معناه ايضا ينهي القضية الفلسطينية كقضية وطنية لتنصهر في معادلة الشرق الاوسط اي الحل الاقليمي الذي يجب ان تحل بموجبه القضية الفلسطينية ، ويعني ذلك ايضا ان اسرائيل هي لاعب اساسي في المعادلة و في تلك المحاور اي تجاوز لقضية فلسطين كقضية وطنية و عربية ، وان فلسطين والقضية الفلسطينيةن هي القضية المركزية للامة العربية .
حقيقة العواطف في هذا الوقت بالذات لا تفيد كثيرا و الهجوم على هذه الدولة و تلك لا يفيد ايضا كما كان الهجوم على اتفاقية كامب ديفيد او اتفاقية وادي عربة بل يجب الدراسة الجيدة لمعاني الخريطة الجيوسياسية في المنطقة التي بموجبها منح ترامب القدس عاصمة لإسرائيل و نقل السفارة والعقوبات على السلطة و فرض رؤيته السياسية للحل من خلال ما يسمى صفقة القرن التي تعطي الفلسطينيين 14% من اراضي فلسطين التاريخية و مازال البعض يعتقد بأن مشروع اوسلو مشروع وطني بكل تداعياته و منح الوقت لاسرائيل للتمدد في الاستيطان الذي اصبح يضم اكثر من 850 الف مستوطن و السيطرة الكاملة على المنطقة سي ، في ظل تكبيل لكل قوى المقاومة و الرفض وتدمير الحالة الوطنية بنخبها في الضفة الغربية و قطاع غزة من خلال عقوبات قطع الراتب والعقوبات الاخرى .
حملة كبيرة ضد الامارات العربية وضد النائب والقائد الوطني محمد دحلان لكونه موجود في الامارات في حين عندما اقول ان الامارات دولة ذات سيادة على اراضيها وفي قراراتها لا يعني ايضا اننا نوافق على كل قرارات التطبيع مع اسرائيل ولكننا بعقلية و بموضوعية ... من فتح الباب للتطبيع و منح فرصة واسعة للذين رأوا ان القضية الفلسطينية اصبحت عبئ عليهم و على اقتصادهم وعلى علاقاتهم الدولية ؟
فهل تتخيل اننا لو حافظنا على الثورة وسلوكها و مطالبها السياسية والوطنية هل كان يمكن ان يكون متسع او طريق ممهد ليتخلصوا من اعباء القضية الفلسطينية خاصة ان العالم الان هو عالم جديد يبحث عن التطور و التكنولوجيا الذي يرى العالم ان عقدة القضية الفلسطينية اصبحت عائق لشرق اوسط جديد (كما يقولون) وليس بالضرورة هذا رأيي ولكن هذا هو الواقع .
الامارات تتحرك من ضمن التصور لهذا الشرق الاوسط الجديد و تقفز عن اشكاليات القضية الفلسطينية كما باقي الدول في المنطقة ولن تكون الامارات الاولى ولا الاخيرة فنحن لا نرى التقييم في النتائج ولكن نراها في المقدمات التي بدأتها منظمة التحرير الفلسطينية ومازالت تقف عليها ايضا .
و اذا ما اهملنا عقود من التهافت على حلول سياسية غير مرضية وطنيا اتبعتها منظمة التحرير الفلسطينية فالننظر للعهد القريب و في عهد اوسلو وبعد فشل حل الدولتين وسيطرة اسرائيل فعليا على اكثر من 60% من اراضي الضفة الغربية والغور واصبح الضم واقعا فعملية اللغو و الرفض و العنتريات فارغة من فحواها فماذا قدمت السلطة لرفض الضم غير المصطلحات الاعلامية والاستنكاية هل اشعلت المقاومة في الضفة الغربية مثلا ؟! هل نفذت قرارات المركزي ؟ طبعا لم ينفذ شيء حتى ما تحدث به الرئيس عباس امام مجلس الامن والجمعية العامة والجامعة العربية و كانوا ينتظرون لسحب اعترافهم باسرائيل باعلان اسرائيل الضم علما بأنه قائم وفقط هو الاعلان الرسمي او الاعلامي ... شيء غريب للذين يصبون غضبهم على واقع الانظمة العربية قبل ان يصبون حممهم على الواقع الفلسطيني الذي دعى الى كل ذلك ، كما قلت نحن ضد التطبيع مع اسرائيل ولكن يجب ان نبدأ نحن بفرضيات المقاومة وان فرض الواقع علينا نوع من التعايش في ظل الاحتلال ولكن لا يعني ذلك ان يترجم سياسيا بمعاهدات واتفاقياتع مع اسرائيل و مصالح لرؤوس الاموال ، كانت الضفة وغزة محتلة وكانت اسرائيل تتعامل مع الحالة بموجب قانون جنيف و كان مقاومة بدون التزامات سياسية مع الجانب الاسرائيلي او معاهدات فكلام من يتحدثون بعكس ذلك مردود عليهم ولا انسى المقال الرئيسي لصحيفة نيويورك تايمز عندما وضعت منشيت رئيسي بصفحتها الاولى بخصوص مخيم جباليا والشاطئ في قطاع غزة عندما قالت (الاسرائيليون يحكمون غزة نهارا ويحكمها الفدائيون ليلا ) .
العرب ولولاهم ودول الخليج التي ابثقت منها حركة التحرر الوطني الفلسطيني لولاها لما كان هناك حركة ، فلقد دعم العرب الفلسطينيون في كفاحهم المسلح وكما طلب الفلسطينيون بعد ذلك الدعم لبرنامجهم السياسي وهذا كان طلبهم اي طلب قيادة الشعب الفلسطيني بدولة مختزلة على 18% من ارض فلسطين ودعم العرب الفلسطينيون ايضا بناءا على برنامجهم بمبادرة الملك فهد وما سميت بعد ذلك المبادرة العربية التي تم تجاوزها ايضا الان تحت ضغوط وعالم جديد و شرق اوسط جديد .
و اخيرا لا تندبوا ولا تصرخوا فالمنطقة تتغير و بناءا على مواقع القوة فيها و محاورها في شرق المتوسط و في شرق الوطن العربي ومغربة وخليجه والقضية الفلسطينية هي احد الملحقات و ليست المركزية يجب ان نعترف بذلك واذا اردنا ان نغير يجب تغيير مسار النظام السياسي الفلسطيني برمته على المستوى الشعبي والرسمي لكي يكون لنا موقع في تلك المعادلة ولكي لا نداس تحت الارجل يجب ان نختار بعد هذه التحولات و المتغيرات اما المقاومة الشعبية بكل اصنافها لتغير الواقع الاقليمي لتجديد نظرية التحرير للوطن التاريخي او الخيار الاخر الذي يبدو اكثر واقعية هو النضال والتضحية لنغير الواقع الاقليمي نحو الدولة الواحدة كاملة الحقوق لكل من يقيم عليها اما قضية الضم فهي حادثة سواءا اعلنوا او لم يعلنوا كقوة احتلال ولا تعلقوا الشماعات لسوء التخطيط الفلسطيني في كل مراحله على هذا او ذاك او تضيفوا لمحمد دحلان مزيد من الاتهامات .
سميح خلف