اختلافات إملائية مبررة

«شئون» مصر و«شؤون» الشام و«ياءاهما»
و«نوراً» الشامية و«نورًا» النجدية
و«قرؤوا» أم «قرأوا»؟ و«هيئة» أم «هيأة»؟

قواعد الإملاء هي قواعد مستحدثة مر خلالها الخط العربي بتطورات كثيرة، بدأت بالشكل في زمن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تلاها النقط في زمن الحجاج، ثم الهمز والتضعيف،ثم علامات الترقيم.

الياء المصرية والشامية:
وبعد الاجتماع على الاصطلاح وتثبيته في الكتب المدرسية بقيت الياء المصرية غير منقوطة تختلط بالألف اللينة، ليترك تمييزها وقراءتها بالشكل الصحيح للقارئ، أما في الشام فالياء منقوطة! ويرجع ذلك إلى اختراع الطباعة التي تعتمد على صف الحروف، فكانت مصر أولى الدول العربية في استخدامها، ولأهمية توفير الوقت والجهد على العاملين في المطابع اعتُمد استخدام الألف اللينة مكان الياء وترك قراءتها بالشكل الصحيح للقارئ، كما درج العرب على قراءة الكتب قبل النقط، ودرج على ذلك المصريون في كتب تلك الأيام، وبقي بعضهم من كبار الأسنان عليها إلى يومنا هذا.

شئون المصرية وشؤون الشامية:
تأتي كلمة «شئون» في الكتب المصرية على نبرة، وذلك لأنهم يلفظونها بكسر الشين، أما في الشام فيكتبون همزتها على واو «شؤون» لأنهم يضمون شينها!

نوراً الشامية ونورًا النجدية:
كان تنوين النصب في الخط العربي المكتوب باليد يوضع بين الألف وبين الحرف السابق له، بحيث يكاد طرفا الفتحتين يلامسان الألف من اليسار منطلقين في ميلان علوّاً إلى اليمين ليلامسا طرف الحرف السابق.
وحين دخلت بلادَ الشام المطبعة المعتمدة على صف الحروف كان من الصعب وضع تنوين النصب بطريقة خط اليد، أما وضعه فوق الحرف السابق فيحتاج إلى زيادة في عدد حروف الصف، ما يزيد في الوقت والجهد والكلفة، ولا يوافق الرسم اليدوي، فاعتُمد وضع التنوين فوق الألف، ومرت عقود على هذا الاستخدام حتى أصبح اصطلاحا درج عليه الناس حتى في خط اليد.
وحين أنشئ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف اصطلحت اللجنة المكلفة على وضع التنوين على الحرف الذي قبل الألف، ومن يطابق نسخ المصحف القديمة بطباعة دمشق أو بيروت، ويقارنها بنسخ مصحف مجمع الملك فهد يجد الفرق جلياً،مع أن كليهما بخط اليد.
ويضاف إلى هذه الاختلافات كتابة كلمة «هيئة» وأشباهها، التي وضعت لها قاعدة استثنائية، لأن القاعدة تقتضي كتابتها على ألف (هيأة)!
وكذلك كلمة «قرؤوا» التي يكتبها بعضهم «قرأوا» معاملينها معاملة الهمزة المتطرفة، بحجة أن واو الجماعة ليست من أصل الكلمة! وهنا تقع إشكالية فيقرؤها المرء بفتح الألف! أما حجة الذين يكتبونها على واو فهي أن القواعد الإملائية بَصَرية لا علاقة لها بقواعد النحو والصرف وبنية الكلمة، فالهمزة المتوسطة ما جاءت في وسط الكلمة كتابةً، وكذلك يؤمَن اللبس في فتح الألف أو ضمها.

أي الاصلاحات أصوب؟
اللغة في أصلها منطوقة، والكتابة مستحدثة، ومع ذلك نجد في لغة العرب اختلافات بين قبيلة وأخرى وبلد وآخر، سواء في النحو أم في المعاني أم في اللفظ، ففي النحو لا تعمل قبيلة تميم «ما» عمل «ليس»، أما الحجازيون فيعملونها؛ يقول التميميون: ما البيت قريبٌ (بالرفع)
في حين يقول الحجازيون: ما البيت قريباً (بالنصب)، وفي القرآن الكريم:
{وقلن حاش لله ما هذا يشراً}. وفي المعاني تستخدم القيسية كلمة «سدفة» بمعنى النور، في حين تستخدمها تميم بمعنى الظلمة (ضذان)، وحادثة الأسرى في زمن خالد بن الوليد رضي الله عنه معروفة، حيث كان الجو باردا، فقال لأحد الجند «أدفئوا الاسرى» أي أوقدوا لهم ليتدفؤوا، فكان معنى «أدفئوا» في لغة قبيلة الجندي «اقتلوا» فقتلوهم!
وفي اللفظ «ال» التعريف عند أهل اليمن «ام»، وحديث النبي ‏ﷺ لوفدهم: «ليس من امبر امصيام في امسفر» مشهور.
وقياسا على وجود الاختلافات في اللغة المنطوقة وجواز الجميع بلا تخطئة ولا ادعاء الأصوب، أرى أن يجرى ذلك التوافق على الاختلافات الإملائية النزرة بين بلادنا، فمن كتب: شؤون أو قرؤوا أو هيئة أو نوراً بهذه الصورة أصاب، ومن كتبها بالصورة الأخرى أصاب، لكن على أن يلزم أسلوبا واحدا فلا يكتب مرة هذه ومرة تلك، وكما كان يعرف الرجل من لغته بأنه يماني أم حجازي أم عراقي أم نجدي، تكون الكتابة اليوم دليلاً على أن هذا مصري وهذا شامي وذلك نجدي.

مصطفى الزايد