بعد رفض مجلس الأمن تمديد حظر السلاح على إيران


تكون أوروبا انفصلت عمليا عن السياسة العسكرية لأمريكا بخصوص التسليح، ويبقى ملف الاقتصاد فيه تعاون في إطباق الحصار على إيران..لكنه يظل ضعيفا لعدم قانونيته ورفض مجلس الأمن له بالأغلبية...


تعالوا نكون واقعيين ولازم تفرق بين موقفك السياسي والعقائدي من إيران وبين التحليل الموضوعي للحدث، فهذه القصة تختلط على كثيرين ويظنون طالما أنهم يرفضون ولاية الفقيه إذن فيجب إظهار أن إيران ضعيفة ومتخلفة ومهزومة..وهذا غير حقيقي..


أولا: سياسة الولايات المتحدة طوال عهد كل رؤسائها منذ الثورة الخومينية تقوم على (إضعاف إيران) وتحجيم دورها الإقليمي، وظلت هذه السياسة 40 سنة فهل بالفعل ضعفت إيران ونفوذها الإقليمي أم توسع؟


ثانيا: سياسة ترامب بالذات كانت تهدف لإجبار إيران على اتفاق نووي جديد وظل 3 سنوات على هذا الحال فهل استجابت إيران وتحقق الهدف الأمريكي؟..أم أنه وباتفاقية الصين مع إيران الأخيرة التي تقوم على تبادل تجاري بعشرات التريليونات من الدولارات يكون الحصار الأمريكي فعليا لا تأثير له وأن سياسة طهران الجديدة بالاتجاه شرقا أصبحت بديل مكافئ.


ثالثا: اتفاقية الصين وإيران أكثر من سيتضرر منها الأوربيون إذا ما خضعوا اقتصاديا لأمريكا، لأن الواضح أن اقتصاد الولايات المتحدة في أزمة ويحاول تعويض هذه الأزمة وعلاجها بأموال أوروبا، لأن البديل الصيني الآن الذين كان يوفر مليارات الدولارات سندات أصبح مهدد والعلاقة على شفا الانهيار..


رابعا: من ناحية التفوق العسكري فالمباراه بين إيران وأمريكا نتيجتها حتى الآن (2-1) لإيران، فالولايات المتحدة قتلت سليماني ..وردت إيران بقصف القاعدة الأمريكية وقبلها بإسقاط طائرة أمريكية يبلغ ثمنها ربع مليار دولار..المعادلة الاستراتيجية تقول أن ما حدث هو مجرد استعراض قوة وتخويف متبادل لكنه لم يصل لحد الاشتباك الفعلي، ويبدو أن الطرفين فهموا الرسالة وسلوكهم أصبح أكثر اعتدالا من الناحية العسكرية..


خامسا: رفض مجلس الأمن تمديد حظر السلاح سيعقبه رفض كثير من العقوبات، وبرأيي أن توقيت هذا الرفض متوافق مع استطلاعات الرأي التي تقول بفوز "جو بايدن" بنسبة كبيرة، يعني أوروبا تشجعت على أمل أن تتخلص من ترامب وهي تعلم أن سياسة بايدن ستكون مختلفة في هذا الجانب..


سادسا: اتفاقية السلام بين الإمارات وإسرائيل سيكون لها انعكاسات على العلاقة بين الإمارات وإيران مستقبلا، وبغض النظر عن طبيعية الاتفاقية وهل هي ضرورية أم ورقة انتخابية لترامب لكن الواضح أن توقيتها سئ جدا لاحتمال حدوث تصعيد إيراني في الخليج ستكون الإمارات وحدها بدون حلفاء حقيقيين..فترامب ينهي مدته الرئاسية ضعيفا، والإدارة الجديدة – التي يرجح أنها ديمقراطية – من أنصار الانسحاب الفعلي من الشرق الأوسط وعدم التورط بحروب مستقبلية والتفرغ للصراع الأهم مع الصين وروسيا..


شخصيا أتوقع حدوث هذا التصعيد على شاكلة ضرب ناقلات نفط أو تحرش عسكري حدودي وبحري..بهدف إجبار حكام الإمارات على تعطيل اتفاقهم مع إسرائيل وجعله حبر على ورق..وربما يحدث التصعيد في اليمن بدفع جماعة الحوثي على تصعيد عسكري كبير تكون فيه أبو ظبي هي الهدف..


باختصار: العامين الماضيين الذين أعقبوا انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي لم تضعف إيران كما كان مستهدفا، بل صارت أقوى وعلاقاتها تمددت وصار لها حلفاء أوروبيون وخليجيون وآسيويون، ولو تتذكروا وقت انعقاد مؤتمر الرياض سنة 2017 قلت أن هذا المؤتمر سيشق الصف الخليجي ويقوّي جبهة إيران..وقد حدث باصطفاف قطري مع الإيرانيين وحياد الكويت وعُمان ورفض أغلبية الدول العربية لنتائجه .


الذي كان يدير دفة أمريكا ليس خبيرا سياسيا، بل أيدلوجيا متطرفا يحاول كسب ناخبين على أسس دينية وعقائدية، بالضبط كان وجها آخر لإيران..هذا إسلامي وهذا مسيحي..والضحية كانت شعوب المنطقة واستقطاب كبير أضعف قوى إقليمية كالسعودية لتصعد تركيا في هذا التوقيت لتملأ الفراغ..أي ما يحدث الآن من صراع تركي مع مصر والسعودية والإمارات هو محاولة لملأ فراغ حدث بعد مؤتمر الرياض في الحقيقة..