برمجة وتطويع غزة.

غزة والسيناريوهات المتوقعة.
قد تختلط المعادلات وتتشابك بين مفهومين ، البرمجة من اجل التطويع ، التطويع من اجل البرمجة ، واهم عوامل الاعدادات للبرنامج ، انهاء حالة اليقظة الوطنية التي لها علاقة بالثقافة والمستوى المعيشي وحالة الصمود والمقاومة ، وتحديد الممرات والمنافذ التي تجبر القيادة للمرور منها ليس فقط بتهديد السلاح والقدرة التكنولوجية للتدمير ، بل قد تكون المواجهة مؤلمة مع الشعب امام استحقاقات وطنية وانسانية . تجعل من تلك المناخات ارض خصبة للتطويع وتخلي القيادة السياسية عن الكثير من ثوابتها وخياراتها سواء تكتيكية او استراتيجية ولانقاذ ما يمكن انقاذه امام افواه جائعة وبطالة وحصار حيث ان يبل الريق بقطرة ماء يعتبر انجاز ونصر في اجواء معادلات وطنية يصيبها العطب وسوء التقدير والجمود بما هو متاخر كثيرا من الوقت عن متغيرات ورمال متحركة تصنعها الاحداث من كثافة الاستيطان وهجوم شامل بكافة المعايير التي لا تتوقف من قبل العدو لتحقيق معادلاته وفرضياته الجغرافية والجيوسياسية التطبيعية مع المحيط .

واذا ما وقفنا بتأمل على الحالة التطبيقية في بقايا الوطن التاريخي الضفة وغزة ، سنجد ان حالة التطويع في الضفة اثبتت جدارتها بتشابك المهام بين السلطة والاحتلال في التطويع والتطبيع الثقافي والمعيشي والاقتصادي المرتبط بين الضفة واسرائيل والتلويح بالقدرات الامنية من الطرفين لكل من يخالف هذا التطويع وطبعا بموجب اتفاق اوسلو وخارطة الطريق التي تلتزم بها السلطة من طرف واحد .... وبسبب مقنع اوضحه قادة الاحتلال بان حياة السلطة مرتبطة بالشق الامني واموال الضرائب والسيطرة على المنافذ ، حالة التطبيع تكشف مدى نجاح الادارة المدنية للاحتلال في تسويق نفسها امام المواطن الفلسطيني في الضفة من مئات الالاف من العمال للعمل في اسرائيل ونمو التعاون التجاري والاقتصادي بين القطاع الخاص الفلسطيني ومنتجات المستوطنات ومشاريع البناء والتعمير والزراعة ، وبأستثناء عمليات المقاومة الفردية في القدس وانحاء مختلفة في الضفة من دهس وسكاكين والتي دفعت اجهزة السلطة لتفتيش حقائب التلاميذ قبل دخولهم المدرسة والفصول .... اذا لا مشكلة للاحتلال في تطبيق معادلاته في الضفة مع انتشار الفساد لرجالات السلطة والحاشية ، فالسلطة ليس لجيها اي خيارات سوى تكرار الرفض والموقف الاستراتيجي لرئيس السلطة بان التفاوض هو الخيار الاستراتيجي التي تحافظ السلطة على ذاتها من خلاله ، حتى بخيار السلام ما زالت قيادة السلطة مهددة بوجودها بالتلويح بخيارات اخرى لاطراف مختلفة باستبدالها ... فهي بعد الفساد وتذمر الجمهور في الضفة من هذا الفساد اصبح خيار التغيير محتملا وخاصة بعد تفجير زوجة الرئيس عرفات سهى الطويل بخاصيتها الوطنية والاعتبارية كزوجة عرفات التي يرى الفلسطينيين بانه رمز القضية الفلسطينية ازمة مع السلطة ورئيسها ومكتب الرئاسة والتلويح بكشف كثير من الاسرار من ارشيف عرفات تتناول فساد رجالات السلطة ، وهذا يعني ان تعمل السلطة لاحنواء جديد امتدادا للسابق لسهى عرفات وتبتز السلطة بمزيد من الاهتمام والمنافع ، ولكن على مستوى العامة من الشعب ، وان كان لا يجهل طبيعة المعادلات من الفساد الا ان هذا الجمهور وجمهور النخب وضع عدة تساؤلات اهمها بان الارسيف لدى سهى عرفات ليس ملكها بل ملك الشعب والتحفظ علية كورقة ابتزاز جديدة يبين ان هناك معادلة قذرة تربط بين رئيس السلطة ورجالات الصف الاول بفتح مع عائلة الطويل تخفي محطات وسلوكيات هامة يجب ان تتابع من قبل الوطنيين الفلسطينيين ..... وهذا موضوع طويل ليس من المناسب الخوض فيه في هذا المقال .

اما غزة :-
مرتبط تطويعها بعد انتهاء مشوار طويل من التطبيع والتطويع في الضفة ، ونذكر بان حماس دخلت حلبة السلطة في انتخابات عام 2006 م بضغط امريكي قطري بغية احداث انفصام داخلي في النظام السياسي الفلسطيني اولا وثانيا انتصار لفريق في السياسة الامريكية بدعم الاسلام السياسي في المنطقة للوصول للسلطة بمعادلات جديدة تؤتي ثمارها في التغيير الجيوسياسي في المنطقة العربية بما يعود بالنفع على نظرية الامن الاسرائيلي ... ولكن الاحداث تجاوزت هذا المنطق وسقوط اوباما والتحول في السياسة الدولية بوجود ترامب بما اتاح لاسقاط مشروع الاخوان في تونس ومصر بثورة الشعب المصري والتونسي التي رفضت خطوط المعادلة الدولية السابقة ..... وبالتالي تم هزيمة مشروع الاخوان في المنطقة التي تتساقط خيوطه يوما بعد يوم .

غزة التي تتشكل منظومتها بالتعريف الفصائلي بقيادة حماس وثانيها الجهاد وترفع لواء المقاومة ودخلت ثلاث حروب اشدها عام 2014م وانا سميتها اخر الحروب الشاملة ، والتي جعلت الفصائل ان تفكر الف مرة قبل الدخول في مواجهة كما هي حالة حزب الله بعد تدمير جنوب بيروت ، حيث ايضا كانت حرب 2015 هي اخر الحروب وكما قال نصر الله لو كنت اعلم بهذا الدمار لما قررت المواجهة مع اسرائيل .

اذا هناك حسابات مختلفة لدى حماس نتيجة الخسارة الكبيرة التي دفعت بيها حرب 2014 الا اذا كانت الحرب القادمة هي الخيار الوحيد ولذلك كلا الطرفين الاسرائيليين وغزة يحافظون على نوع من السجال والتريث وكسب الوقت ، بالتاكيد ان القوى الرادعة في غزة للاحتلال قوى يحسب لها حساب ولكن لن تؤثر كثيرا في خيار استراتيجي محتوم لدى الاسرائيليين ايضا ً ، والاسرائيليين لن يقوموا بشن هجوم شامل علز غزة الا من خلال تصور اقليمي للتغير في غزة بناءا على ما يطرح من خطوط سياسية للتغيير منها صفقة القرن وغيره ، فالعقدة الان هي غزة في تطبيق اي مشروع سياسي جديد .

حماس تداركت ذلك منذ اكثر من عامين وطرحت وثيقتها التي كثير منها يعبر عن البرنامج السياسي لمنظمة التحرير باستثناء عدم الاعتراف ولكن يمكن التفاهم على دولة في الضفة وغزة ، المتغير الجديد ان المتغيرات في الضفة اصبحت تستبعد خيار حل الدولتين ، اذا الباب مفتوح لخيارات اخرى كنتونية للضفة الغربية بموجب صفقة القرن وبرنامج الضم وغزة مفتوحة على خيار اخر هو التطويع والتطبيع عبر تعريف خطوط الزمن من مفاوضات تقوم بها جهات مختلفة بين اسرائيل وحماس .

الانتقال من المقاومة الى المواءمة وهي خطوة حققت جدواها من الحصار واصبحت المواءمة هي مواءمة الظرف المناسب لتفكيك خطوط الحصار والانتقال الى البحث في قضايا يجب ان لا تبحث اصلا وهي قضايا حياتية ومعيشية لسكان القطاع ، واصبحت قضايا المقاومة مرتبطة ليس بالتحرير تنفيذا ً لبرامجها الاساسية وميثاقها ولكن من اجل الحصول على حياة كريمة للمواطن في ظل الحفاظ على زعامتها للنظام السياسي الفلسطيني في غزة .

كثير من القول يقال حول المصالحة التي لن تحدث وان كان هذا القرار سيثير كثيرا من العواطف الرافضة لهذا المنطق ، فالمتغيرات على الارض والقوى الاقليمية وطبيعة النظام السياسي تستبعد خيار المصالحة الاندماجي الى جانب الاعتراف بوقائع جديدة شبيهة بالفدرالية او الكونفدرالية وهذا افضل الخيارات ان لم يكن انفصال غزة هو خيار القوى الاقليمية والدولية ومنها الاحتلال .

اذا ً عملية التطويع والتطبيع مرت بها غزة عبر سنوات الانقسام من 2007 الى الان ودفع الشعب الفلسطيني في غزة مئات او الاف الشهداء والجرحى والتجويع والمرض واصبح الملعب الان فقط في حوارية الزمن والتزامن بين الاحتلال وحماس وفقط حول المنافذ والوقود والصيد البحري وبعض المشاريع التي تمهد لسيادة لها على غزة في ظل عدم جدوى الارتباط ببرنامج فاشل ايضا في الضفة الغربية اضاع الارض والبشر .

والساؤل الاخير .. هل تفلح معادلة التطويع وتاخذ حماس ما تطلبه من الاحتلال من اجل رفاهية غزة وبقاء حزبها على قمة المسؤولية في غزة ؟ ام هناك تغييرا يحدث على الارض بشكل غير مباشر للمؤسسات المدنية تمهد لهجوم شامل وحرب شاملة على غزة قد تخسر فيها غزة لا يقل عن 100 الف من مواطنيها من اجل التغيير وهذا مؤلم جدا وكارثي ايضا ؟ اذا اي الخيارات ستتبعها غزة وحماس؟

بقلم / سميح خلف