لو كان ذلك صحيحا فيلزمك الآتي:


أولا: تحرير مصدر معلومات العقل..يعني لو كان العالم يوجد في الدماغ فأين يوجد الدماغ إذن؟..والجواب الذي وصل إليه كانط وكثير من الفلاسفة أن الإنسان يولد صفحة بيضاء تجري تعبئتها بقيم الدين والعرف والمجتمع..وبما أن صفحة الإنسان بها معرفة مسبقة من هذه القيم فمصادر معلومات العقل وصوره الذهنية ستكون رهينة لهذا القيم التي في كثير منها خاطئة..


كمثال : أحدهم يقرر الإلحاد من خلفية وهّابية..هو لم يتخلص من كل معلومات الحس والشعور والإدراك السابقة لديه والراسخة في عقله ، وبالتالي لو قرر التفكير سينحاز، والفيلسوف "جاك دريدا" اعترف أن الإنسان هو أسير لانحيازاته النفسية والأيدلوجية مهما كان عاقلا..مما يعني أن كثير من آرائنا في الدين والسياسة والفكر قد تكون طائفية وأيدلوجية منحازة صدرناها للناس باسم العقل والتنوير..


ثانيا: الوجود داخل العقل وخارجه..وما رآه الذهن البشري من صور وأفكار ومعلومات هو ما حصل عليه فقط من جزئيات..أما الوجود الكلي – خصوصا عند المؤمن – لا يرتبط فقط بالعقل..فهو يرى الله والخالق والآلهة في الأشياء وقوانين الكون..وهذه الجزئية لا يناقشها ويتحاشاها دائما نُفاة الإيمان لمضمونها الذي يثبت قصور العقل البشري عن الإحاطة بالوجود الكلي الذي يفترض أنه موضوع الإيمان.


ثالثا: إذا أصيب المرء بالشيزوفرينيا وقتها سيعيش بشخصيتين أو ثلاثة، فما الذي يؤكد وقتها أن أحد هذه العقول هو الصواب بالنسبة للشخص؟


رابعا: كذلك إذا أصيب المرء بالبرمجة العكسية وهي التحول الجذري للنقيض مع إيجاد المبررات العقلية والنفسية في كل مرة، فما الذي يؤكد وقتها أن أحد هذه العقول هو الصواب بالنسبة للشخص؟..وأوضح مثال على ذلك التكفيريين والمتشددين، تجد الإنسان منهم حكيم ومتزن ومسالم ولديه مبررات ذلك..ثم إذا انضم لجماعة إرهابية يتحول للنقيض فيصبح مجنونا عدوانيا جاهلا ولديه مبررات ذلك التحول..


أظن أن الثقة في العقل مطلقا يمكن أن تحدث في بعض جوانب العلم لا في كل جوانب العلم، فالإنسان غالبا يميل للأسهل وتفسير الكون والأشياء حسب المحيط والأغلبية والمصلحة..مما يؤدي به لاعتناق رؤية وجودية في الكون تدفعه لدخول الأديان والأفكار والأحزاب بطريقة شخصية بحتة يتفاعل مع كل المؤثرات حوله بالحس..أما دور العقل لديه فهو بسيط..وسيظل بسيطا ما دامت الشرورتحدث، ومصادرها في جوهر تكوينه النفسي عقله فيها يكون مجرد مبرر أو يعمل بوظيفة المحلل..