أيام فخامة الرئيس والجامعة العربية


وكالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال وتترك باقي جسدها في الخلاء، وكأنها تريد أن تحمي رأسها منفصلًا عن جسدها، وكأنها تعتقد أيضًا أن الرأس يكفي لكي يعتقد أنه حي، هكذا هو الرئيس عباس وهكذا النظام السياسي الفلسطيني وهكذا وزير خارجيته المالكي الذي كان يذهب ويتمشور ذهابًا وإيابًا ويتحدثون عن إنجازات وهمية غير قادرين أو مستترين على متغيرات إقليمية تحدث، ربما ليس الفقهاء الذين يعرفون ذلك والمهتمين سياسيًا وأمنيًا بل ربما رجل الشارع أيضًا.

منذ عام 2000م حدثت متغيرات برحيل ياسر عرفات مسممًا وتوالت المتغيرات والإرهاصات والمقدمات وكأن المقدمات التي قدمتها قيادة منظمة التحرير منذ عام 1974 لم تكفي لتثبيت الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية بكل التنازلات التي قدمتها تلك القيادة وهي تنازلات مميتة وإن حاول البعض تجميلها وتخفيفها والواقع يثبت ذلك ولكن، المتغيرات أيضًا حدثت عندما ضغطت قطر على انتخابات تشريعية وأصرّ الرئيس عباس على أن تقام بالرغم من أنه ليس هناك نضوجًا ديمقراطيًا أو معالم لدولة ذات سيادة أو نصف سيادة أو ربع سيادة على أن يقوم المجلس التشريعي الجديد بديلًا عن المجلس الوطني وكأن فلسطين اختصرت بفلسطينيي الداخل ومصالحهم وأحوالهم، وياليتهم أحدثوا نوعًا من التقدم أو التميز لصالح المواطن الفلسطيني، بل كان التطويع هو سيد الموقف، بين العصا والجزرة، وأصبحت هذه السلطة بكل افرازاتها هي سياط على ظهر المواطن في كلمته الحرة وفي رغيف خبزه وفي أمان أطفاله، ومازال الوضع قائمًا إلى إعداد هذه السطور.

وعودة للمتغيرات الإقليمية، عندما حوصر عرفات كان هناك مؤتمر القمة وكان هناك التغيير وكان عزل عرفات وهو حي قبل مماته بحصاره وعدم استقبال العرب لأي عمل دبلوماسي أو سياسي أو طرح تمهيدًا لاحداث المتغيرات في الساحة الفلسطينية وعلى الرغم من أن عرفات قدم له ما قدم، ولكن عرفات عرف أنه سيكون شهيدًا وبالتالي أشعل الانتفاضة وحرق كل السفن السياسية وقال فليهدم المعبد على من فيه، واستنكر عبّاس تلك الانتفاضة متذرعًا بأنها تقدم خسائر كثيرة وكأن الفيتناميين والصينيين والروس والجزائريين والكونغوليين والاريتريين لم يقدموا مئات الآلاف من الشهداء من أجل الحرية والسيادة.

نظرية فخامة الرئيس التي يئن تحت جملها الشعب الفلسطيني الآن، بل القضية الفلسطينية برمتها ولأنه لم يصنع حدثًا فلسطينيًا يقاوم الإحتلال أو يصنع معادلة رعب أمني بينه وبين الإحتلال أو لم يجعل الإحتلال مكلفًا لاحتلاله بل هو في أريحية يبني ما يريد ويعتقل من يريد، ويتوسع كيفما شاء.

المتغيرات الإقليمية هي زاحفة منذ احتلال العراق وأصبحت أكثر وضوحًا لتغيير معادلة سايكس بيكو والخروج عن خط الهدنة المتفق عليه عام 1947 في فلسطين المحتلة لكي تكون نظرية الأمن الإسرائيلي هي المسيطرة كقوة إقليمية ثالثة بعد القوى الإقليمية إيران وتركيا، وبالتالي كان الخيار أمام الخليج أمام انهيار برنامج فلسطيني داخلي وعدم القدرة على إحداث قوة شعبية ونضالية مؤثرة في الداخل تفرض نفسها بمعادلاتها على الإقليم، وتكون عونًا للشعب العربي الذي أعتبر أنه مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، كان خيارًا لتلك الأنظمة للخروج من أزماتها الداخلية والخارجية في عصر التحولات الإقتصادية والأمنية في العالم والصراعات في منطقة شرق البحر المتوسط وفي الخليج في حين أن مصر التي خرجت من تجربة قاسية تلملم جراحها الآن بقوة إقليمية مفروض عليها معادلات إقليمية متعددة على جميع الجبهات، حتى مياه نهر النيل التي توصف مصر بها بهبة النيل، وبالتالي الأمن القومي العربي أصبح مهددًا من قوى إقليمية، ومن الخطأ أن نقول أن القوة التي تهدد الأمة العربية هي فقط إيران وتركيا حسب بيان الجامعة العربية في اجتماع وزراء خارجيتها يوم 9/9/2020.

بالتأكيد أن هناك مرحلة تحوّل وتغيير في النظام السياسي، فأصبح النظام السياسي الحالي بعد اجتماع الجامعة العربية وسقوط المشروع الفلسطيني الذي يدين التطبيع وكلمة أمين عام الجامعة العربية أبو الغيط أن من حق أي دولة أن تمارس سيادتها في علاقاتها الخارجية، أصبح هذا النظام السياسي ليس له امتدادات فلسطينية شعبية، فقد خسرها جميعًا من ممارساته وفساده، وتواطؤه مع واقع الإحتلال الذي لم يحدث أي استنهاض للوطنية العسكرية لكي تقاوم الإحتلال، بل على العكس مازالت أجهزة الأمن للسلطة تعتقل النشطاء كل يوم تحت طائلة الإعتقال الممنهج لقوى الرفض للوضع البائس في الساحة الفلسطينية.

النظام السياسي الفلسطيني يدرك أنه معزول كليًا، ولن يستطيع الصمود أمام حصار إقليمي ودولي، ولن يستطيع البقاء حتى لو كانت علاقة رئيس السلطة مع نداف رئيس الشاباك كما قال الرئيس عباس أنه متفق معه 99% فإسرائيل أخذت ما تريد من هذا النظام السياسي الذي لم يقاومها تمامًا ومازالت تنظر أنه يجب أن يكون هناك تغييرًا يسمح بجيوسياسية جديدة على خارطة ما تبقى من أرض فلسطين، وكما قال كوشنير أن الفلسطينيين رفضوا دولة ولكن أتسائل عن أي دولة يتحدث كوشنير؟ هل عن دولة الكنتونات ورقعات الأرض المقطعة بحقوق إنسانية وليست سيادية وتحت اختبار حسن النية؟ أهذه هي حقوق الشعب الفلسطيني؟

طالما أن الواقع الفلسطيني (مخردق) ولا يستطيع تحديث برنامجه السياسي والرجوع للشعب الفلسطيني وأن يعلن فشله على الأقل وهذا الإعلان قد يحمي هذا النظام بشخوصه من المسائلة والإتهام والمحاكمة أيضًا مستقبلًا يعلن بأن هناك قوى شعبية ووطنية قد تدير المعركة مع الإحتلال وتفرض معادلاتها وقياداتها على كل المتغيرات الإقليمية، وبدون ذلك فإن الخيار لتغيير النظام السياسي الفلسطيني برؤوسه سيكون خيارًا وإتفاقًا وتوازنًا إقليميًا ودوليًا في غياب الإرادة الفلسطينية بعد أن طبقت عليه كل أدوات التجويع وقرارات الفصل للمناضلين واستبعادهم واذلالهم في لقمة عيشهم واعتقالات وتشويه ثقافي وتلميع لأوسلو وتغرير للجيل الذي لم يعيش الثورة الفلسطينية والنضال الفلسطيني ونمى وكبر في ظل أوسلو، إنها هي تلك الجريمة.

المتغير الإقليمي ذهب للأمام ولن يرجع للخلف، والجامعة العربية التي حاولت الثورات العربية بعد الحرب العالمية الثانية جعلها منظمة سيادية بعد قرار تأسيسها من بريطانيا قد تراجعت للخلف مع تراجع القومية العربية والشعور الوطني الجمعي من المحيط للخليج، وبالتالي كلمة أبو الغيط أنهت الوحدة في نطاق الجامعة العربية وقرارات الدفاع المشترك والبند الخاص بأن فلسطين قضية العرب الأولى فهناك مشاكل معقدة في دول الإقليم ومتغيرات إقتصادية دولية ومشاكل داخلية لتلك الدول جعلتها تقفز عن قضية فلسطين التي كما يقول "أتعبتهم" في حين أن الفلسطينيين قد فشلوا في برنامجهم ومازالوا فاشلين من أجل حماية ما تبقى من أرضهم، وأصبحوا فريسة لكل الحصار القائم عليهم سواء في غزة أو كل الحملات الأمنية التي قضت على الحركة الوطنية وأخمدت أنفاسها في الضفة بالإضافة إلى الإحتلال، فالسلطة مازالت تدافع عن وجودها فقط ولا تدافع عن فلسطين لا تاريخية ولا أقل من تاريخية، فهي تدافع عن نفسها ومصالحها، ومتى استيقظت تلك السلطة؟ فقط بعد قرار الضم الإسرائيلي؟ أليس هناك احتلال للضفة الغربية واحتلال قائم؟! ألا تبنى آلاف الوحدات السكنية كل يوم؟ أليس هناك اعتقالات ومداهمات لكل القوى الحية في الضفة الغربية؟ ضربتين في الرأس من أمن السلطة ومن الإحتلال معًا، إذًا السلطة ليس لديها أي أوراق الآن ورياح وإرهاصات التغيير ستطالها ولكن إلى أين؟ وبأي اعتبارات وبأي وجوه؟ وفي النهاية سيبقى الشعب الفلسطيني على أرضه، ومهمته الأولى مقاومة الإحتلال مهما أتى من أوجه سياسية جديدة.

بقلم/ سميح خلف