الى اين ستنتهي الازمة بين الكاظمي وقوات الحشد الشعبي؟!

تقريبا اربعة عقود مرت على العراق في حروب دائمة استنزفت طاقاته وابنائه في صراع له علاقة بالتدخل الاقليمي والدولي في شؤون العراق التي هي ثالث دولة في الاحتياطي النفطي ، والعراق ايضا هي البوابة الشرقية في اسيا للوطن العربي .

الحرب الايرانية العراقية حرب الخليج الاولى والثانية كبدت العراقيين ملايين من الضحايا بالاضافة الى المعارك الجانبية ما قبل ذلك لطموحات الاكراد في الانفصال عن الوطن الام .

تعرض العراق لحملة فائقة الدقة في التفريق المذهبي والحقن والشحن لكلى الطوائف السنية والشيعية والكردية وباقي الطوائف الاخرى بهدف تفتيت العراق وتقسيمه وتشتيت قواه المركزية ، انتهت حرب الخليج الثانية باجتياح العراق وتدمير اصول الدولة الوطنية واجهزتها السيادية والادارية ووضع لها برامير ميثاق جديد له علاقة بالامن والتقسيم الطائفي حين قال برامير لصحيفة نيويورك تايمز لقد آن الآوان للشيعة ان يحكموا العراق بعد مئات السنين من الظلم والاضطهاد ، تلك العبارات التي اطلقها برايمرز لمتجهات السياسة الامريكية في العراق التي انجبت ثلاث وزارات على الاقل موالية لامريكا وللوجود الامريكي وازدادت حاجة الشيعة للاحتلال الامريكي عندما خلقت دولة الزرقاوي ومن ثم داعش التي مولتها امريكا بشكل مباشر او غير مباشر من خلال دول اقليمية ، وعندئذ بنى الاحتلال الامريكي جيش عراقي استبعد فيه كل الاصول للجيش العراقي السابق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين رئيس الدولة الوطنية في العراق .

لم يستطع الجيش العراقي لوحده مواجهة داعش التي اعتبروها من اصول سنية وبالتالي تم شحن المذاهب الشيعية المختلفة ضد السنة باعتبار ان اي تشكيل سياسي للسنة هو تشكيل يدعم الارهاب ، وبالتالي ومن خلال انتخابات رئاسية وبرلمانية وحسب التوزيع والتعداد السكاني للمذاهب المختلفة كانت رئاسة الوزراء للشيعة دائما لانه نظام مبني على التقسيم المذهبي والطائفي ، اما رئاسة الدولة فكانت للاكراد ، وباقي المناصب السيادية المهمة للشيعة .

النظام العراقي السابق كان ذو هوية وطنية وكانت هناك المؤسسات والاجهزة السيادية على راسها شيعة واكراد ايضا الا ان من الاهداف المهمة للغزو الامريكي هو ما عبر عنه برامير لتفتيت العراق وتقسيمه حسب الاكثرية المذهبية وبالتالي تتلاشى الدولة الوطنية ويبقى العراق وثروات العراق هي اسيرة المنطق الامريكي السياسي في المنطقة ، ويبقى العراق في حاجة اقتصادية للممول الامريكي ودول التحالف ، حيث اصبح العراق من اكبر المديونيات التي تتحملها حكومته بالاضافة الى انهيار الاقتصاد العراقي من اثار الاجتياح الى المحاصصة المذهبية التي تفشى فيه الفساد على حساب الشعب العراقي ، هكذا كانت الامور في العراق .

ولكن من المهم ان نفهم وكما عبر الرئيس الامريكي السابق اوباما على ان هناك خطأ استراتيجي في اجتياح العراق الا ان الدولة العميقة في امريكا كانت تفهم بان اي انهيار للدولة الوطنية بقيادة صدام حسين سيكون بمثابة خدمة جمة لايران التي اتت بثورة اسلامية بقيادة الخوميني في عام 1979 ولها اطماعها في المنطقة فهل هذا هو خطأ امريكي ام اصرار امريكي على وضع الامة العربية في حالة ضعف دائم ليتناول اشلاءها كل من اسرائيل وايران وتركيا من المستجدات .

كان لقوات الحشد الشعبي المدعومة من ايران ماليا وتسليحيا القدرة الكبيرة في القضاء على داعش وطردها او ملاحقتها وملاحقة فلولها في شمال العراق وغربه ومن هنا وبدعم من المرجعيات الشيعية مثل السيستاني والصدر وغيره اصبح لنفوذ قوات الحشد الشعبي بما لا يستطيع رئيس الوزراء التغلب عليه الذي هو اساسا موالي لايران ويتعامل مع الامريكان بحكم قرار مجلس الامن السابق وكقوة احتلال حتى اصبحت قوات الحشد الشعبي لها ان تحول المواقف والسياسات في مجلس النواب العراقي والرئاسة العراقية ايضا ً .

بعد مقتل سليماني عن طريق عملية خاصة لقوات المارينز الامريكي وظهور سياسة جديدة للسياسة الامريكية بقيادة الرئيس الامريكي ترامب ومحاولة طرد النفوذ الايراني من العراق وبشكل او باخر التحريض من خلال قوى مدنية شيعية وبعضها حزبية للتظاهر في البصرة وبغداد ضد النفوذ الايراني في العراق والذي اتى برئيس وزراء موالي لامريكا " الجعفري " الذي خاض حوار استراتيجي رقم 1 2 مع الرئيس الامريكي بان العلاقة مع امريكا خيار استراتيجي ومحاولة ضبط السلاح وانهاء الفلتان الامني في العراق .

احست قوى النفوذ الايراني في العراق بالخطر من سياسات رئيس الوزراء الجديد الجعفري في حين قامت قوات مجهولة مذهبية بتصفية واغتيال اكثر من ناشط شيعي يطالب برحيل ايران من العراق واشتد مع هذه الاغتيالات ، حيث قامت قوات الحشد الشعبي بملاحقة المتظاهرين في النجف والاماكن المقدسة الاخرى للشيعة ، ومع هذا ايضا تكثفت العمليات العسكرية من خلال اصطياد الدوريات الامريكية في العراق ومهاجمة السفارة الامريكية والمنطقة الخضراء بالصواريخ مما دفع الادارة الامريكية بسحب اكثر من 2500 جندي من العراق والتهديد بنقل السفارة الامريكية الى شمال العراق تحت حماية الاكراد ، وبذلك اعتبر رئيس وزراء العراق ان هذا يهدد استقرار العراق ومصالحها الاقتصادية والدبلوماسية ، حيث هددت اكثر من سفارة باغلاق سفاراتها ايضا في العراق .

كنا نعلم منذ مقتل سليماني بان المواجهة بين امريكا وايران ستكون في العراق ، حيث طالب كثير من الشيعة برحيل القوات الامريكية واغلاق السفارة وهم يعملون على ذلك ايضا ولكن التعهدات للنظام العراقي الجديد تصر على ملاحقة ومهاجمة من يطلقون الصواريخ على السفارة الامريكية والقوات العسكرية الامريكية .

الوضع معقد بالنسبة لرئيس الوزراء الجديد الموالي لامريكا وهناك شك في ان يستطيع ا الجيش العراقي المدعوم من امريكا ان يواجه قوات الحشد الشعبي المدعومة من ايران في العراق والتي لها خطوط امداد ثابتة برية وغير برية .

ولكن هل يعود الصراع من جديد في العراق بعد انتهاء الصراع الشيعي السني والقضاء على نظام صدام حسين الذي اعتبر انه سني وكان من احد الاسباب لاجتياح العراق بدعم من كافة الشيعة في العراق الى الحلقة الاخرى من تدمير العراق باشتعال حرب اهلية بين الشيعة مع بعضهم البعض فايران لن تخرج من العراق وكثير من طوائف الشيعة هم مع ايران برغم الاختراق الذي احدثته امريكا في بعض طوائف الشيعة التي دعمت وشاركت في التظاهرات التي تطالب بخروج ايران من العراق ، هنا الخطر الحقيقي على العراق اذا ما اشتعلت الحرب الاهلية بين الشيعة وبعضهم والتي ستحسم في النهاية لصالح ايران والتي سيكون من الصعب الحيادية في هذا الصراع مع باقي الطوائف الاخرى وبالتالي تحتاج العراق الى خمس عقود اخرى اذا ما بقيت الديموغرافيا والطوبوغرافيا العراقية كما هي .

بقلم / سميح خلف