الواقع الفلسطيني و الانتخابات الامريكية
ثمة ما هو مهم في هذا المقال ان نستذكر ما قاله الشهيد ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير في اجتماعه المغلق في غرفة العمليات المركزية وبحضور سعد صايل وقبل الخروج بأيام من لبنان وبوساطه المبعوث الامريكي فيليب حبيب حدد ياسر عرفات خيار منظمة التحرير بين البقاء في لبنان و اعتناق نظرية الكفاح المسلح و مواجهة الاجتياح مهما كانت النتائج و هذا كان خيار سعد صايل ، وبين الذهاب الى السفينة الامريكية بكل ما تحمل من اطروحات للحل السياسي حينها قال ياسر عرفات : ان القطار الأمريكي قادم إلى كل المنطقة، ويجب علينا أن
نجد لنا مقعدا لنركب في هذا القطار، ومن لا يريد الصعود إلى القطار سوف تدوسه العجلات ...!!!
و بالتالي كان خيار منظمة التحرير التعامل مع قرار 242 و العمل مع اطروحة حل الدولتين على اراضي 67 وبوعود امريكية كما قال ياسر عرفات في غرفة الاجتماع و كان الانسحاب و الخروج من لبنان حينها قال القذافي الانسحاب من لبنان هو انتحار للقضية الفلسطينية .
نشطت العملية الدبلوماسية لمنظمة التحرير على اساس الاعتراف بها وكان قمة هذا النشاط المجلس الوطني في الجزائر عام 88 والذي اعلن فيه بيان الاستقلال و اقامة الدولة في الضفة و غزة و بالمقابل اعترفت الخارجية الامريكية بمنظمة التحرير من خلال مكتب لها مع بقاء منظمة التحرير منظمة ارهابية في وجهة نظر الكونغرس الامريكي .
لا نريد ان نستطرد في الأحداث و المحطات التي مرت بها منظمة التحرير وصولا الى اوسلو و انتهاء الفترة الانتقالية بما يساوي المحصل صفر نحو الطموح لدولة في الضفة الغربية و غزة بل كانت الفرضيات الغربية تعتني بتطوير سلطة الحكم الذاتي بما يسمى مظاهر الديموقراطية و بضغط امريكي بعد التخلص من عرفات فكانت الانتخابات الرئاسية عام 2005 و كانت الانتخابات التشريعية عام 2006 و استحدثت لسلطة الحكم الذاتي وزارة ورئيس وزراء لان تكون منظومة الحكم الذاتي على اساس سلطة برلمانية و ليست رئاسية هذا كان بصدد تقليص نفوذ ياسر عرفات واضعافه والتخلص منه .
اجمالا واقع الفصائل الفلسطينية وتمثيلها في منظمة التحرير وهي فصائل وطنية مسؤولة عن جميع القرارات التي اتخذتها حركة فتح و مشاركة فيها ايضا و لكن في عام 2006 دخل الاسلام السياسي الانتخابات وفاز بالاغلبية البرلمانية و شكل حكومة ، مجريات الاحداث فيما بعد ذلك كانت تنم على ان هناك تناقض كبير بين برنامجين برنامج الرئيس وبرنامج فتح والتزاماته نحو بنود اوسلو و بين برنامج حماس الذي يتعامل مع القضية الفلسطينية بوجهة نظر ايديولوجية يقودها حزب تستخدم المقاومة لتنفيذ ادبياتها و هنا كان الصدام محققا ولم يكن العامل الديمقراطي و الانتخابات هو من يؤسس الشرعيات التي تتناقض مع اتفاق اوسلو وتتناقض مع المجتمع الدولي والاطراف الموقعة على اوسلو و خاصة الجانب الامريكي فكان الامتداد الاقليمي و الدولي لاحداث الانقسام وعزل غزة و اقامة دولة في الضفة بتصور انسحاب اسرائيلي منها ولكن الواقع كان بعكس ما فكرت فيه قيادة فتح التي هي موصوفة بالجغرافيا فكان التوسع في الاستيطان و احتلال الضفة مرة اخرى في الانتفاضة الثانية وبرغم ان المقرب لهم محمود عباس قد حكم الامور في الضفة فبدلا من ان تعطيه مزيد من القوة و الدفع نحو كيانية فلسطينية تلحق فيها غزة فيما بعد سيطرت اسرائيل على الضفة الغربية و اصبحت غزة محاصرة وانتهت الشرعيات الفلسطينية رئاسية و تشريعية الا ان الرئيس حل التشريعي ايضا وبقي الرئيس المنتهية شرعيته يقود العمل السياسي والدبلوماسي لسلطة الحكم الذاتي المحدود والمغتزل في الضفة الغربية .
مقارعات حول ما يسمى انهاء الانقسام و المصالحة كلها بائت بالفشل لعوامل متعددة وعلى ما يبدو ان الاجتماع الاخير بين الرئيس و الامناء قد واجه الكثير من العقبات ولم ينجز ولن ينجز ويبقى الحال كما هو عليه في جمود سواءا في الضفة او غزة ، وغزة التي تحاول ان تحدث حلول انفرادية بواسطة اقليمية لفك الحصار او فكفكة الحصار من خلال مفهوم التهدئة اما الجانب الاسرائيلي فيعلن انتصاره دائما امام الجمود الفلسطيني و الفشل الفلسطيني فانتهت الارض مقابل السلام و اصبح ناتنياهو يتغنى بالسلام مقابل السلام و القوة هي التي تفرض السلام لا نريد ان ندخل هنا في العامل القادم من توازنات اقليمية في المنطقة تقود هذا التوازن بالوكالة عن القو الدولية ايران تركيا اسرائيل ولكننا هنا سنتحدث عن الموقف الفلسطيني التي تعطلت فيه التقاربات و المقاربات التي حدثت بين رام الله وبيروت و انقرة والكل ينتظر قبل ان يقدم كل منهما تنازل للاخر نعم .. ينتظر الانتخابات الامريكية و ربما استمعت رام الله للرسالة التي حملها رئيس الكونغرس الاسرائيلي في الولايات المتحدة الامريكية و من هنا جاءت تصريحات عزام الاحمد التي اتهمت الفصائل بتخريب الاجواء .
اجمالا استطيع ان الخص ان الفصائل الفلسطينية التي كان لها عوامل الوجود في الستينات والسبعينات لم تستغل الوقت و الامكانيات لتحقيق اي هدف من الاهداف التحررية للشعب الفلسطيني بل كانت طريقها الفشل الذي اوصل الى فشل اكبر بل الى كوارث وامام العجز عن استخدام اي خيار لحالة الجمود التي تتواجد فيها بل تذهب الى ما تركته الايام وطوته من انتخابات تشريعية ورئاسية للسلطة واي سلطة و انتخابات للمجلس الوطني في حين ان الواقع الاقليمي والدولي قد تغير ولم يعد يصلح الحالة التنظيمية و الفصائلية لتقود الساحة الفلسطينية ولم تعد مؤسساتها صالحة لتمثل الشعب الفلسطيني ، اما لماذا تنتظر الفصائل الانتخابات الامريكية في رام الله وغزة فانني استطيع ان الخص الاتي :

  1. الاحتمال الأول فوز الرئيس ترامب في الانتخابات، وهذا يعني استمرار لتنفيذ صفقة القرن وانهاء وجود منظمة التحرير والفصائل بنظام سياسي جديد وديموغرافيا جديدة وجغرافيا جديدة سواء قبل بها الشعب الفلسطيني أو لم يقبل، ولكن في اعتقادي أن البدائل موجودة عند الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل للتعامل مع مثل هذا الواقع، ولكن أعتقد لن يكون هناك واقع فصائلي في الساحة الفلسطينية بل سيحظر الناتج الصفري لها ولأن وجودها بلا جدوى وبلا خيارات فعالة في المعادلة الفلسطينية.
  2. اذا فاز بايدن فانه سيلغي كل القرارات التي اتخذها ترامب بما فيها صفقة القرن وسيركز أيضًا على حل الدولتين ودعم الأنروا وسيبقي السفارة في القدس الشرقية بالاضافة إلى عامل آخر أن أميركا دولة مؤسسات وان كان هناك صراعًا محمومًا بين الحزب الجمهوري والديمقراطي إلا أن الديمقراطيين أيضًا لم يكونوا منصفين للقضية الفلسطينية، ولكن الفائدة التي ستعود على الفصائل وليس على الشعب الفلسطيني هي مد خيط الحياة لواقع الفصائل في الضفة وغزة والبدء من جديد حول الدوران نحو الكرة بدون نقطة ارتكاز ليبقى الواقع كما هو عليه مع بعض النشاطات حول المبادرة العربية التي ماتت وحل الدولتين الذي لم يعد قابلًا للحياة بعد مستوطنات كبرى تعم الضفة الغربية والغور وبالتّالي هناك احتمالين تنتظر فيهما الفصائل الفلسطينية والسلطة الفلسطينية بما فيها الرئاسة نتائج الانتخابات الأمريكية لكي تضع مبدأ لتحركها فيما بعد، إذًا علينا الانتظار مثلنا مثل البؤر الساخنة في الاقليم وما ستنتجه الانتخابات الأمريكية والسياسة الأمريكية للفائز بالرئاسة.

بقلم/ سميح خلف