"مختار تفسير القرطبى"
لتوفيق الحكيم
(1898م – 1987م)
د. إبراهيم عوض


قد يبدو غريبا أن يعكف أديب روائى مسرحى كتوفيق الحكيم، رحمه الله، على تفسير قرآنى (وبخاصة إذا كان تفسيرا ضخما مثل "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبى[1] يُعْنَى أول ما يُعْنَى بالجوانب التشريعية فى كتاب الله) ليختار منه ما ينشره على الجمهور، أو يكتب عدة مقالات يخاطب فيها رب العزة ويبثّه أفكاره ومشاعره وشؤونه وشجونه، وهى الأحاديث التى جمعها فيما بعد فى كتاب سمّاه "الأحاديث الأربعة"، وقد يرى الناظر العجلان أن هذا الاتجاه عند الحكيم إنما هو من ثمرات تقدمه فى العمر وخوفه من الموت ومما بعد الموت[2]، بيد أن المتتبع المدقّق يذكر أيضا أن والد الحكيم كان قاضيا، أى أن أديبنا قد رُبِّى فى بيت له وشيجةٌ وثُقْىَ بالدين والتشريع، إذ إن القضاة قبل تخرجهم يدرسون، ضمن ما يدرسون، الشريعة الإسلامية ويظلون على اتصال بها أثناء عملهم أو عند نظرهم فى قضايا الأحوال الشخصية على أقل تقدير. وأديبنا نفسه درس أيضا كوالده الحقوق بل أُرسل إلى فرنسا لاستكمال دراسته العليا فى هذا الميدان، وإن لم يحقق ما ذهب من أجله لانشغاله بالآداب والفنون. وحتى فى مجال الفن الروائى والمسرحى نجده قد ألف رواية "عصفور من الشرق"، التى قارن فيها بين مادية الغرب وروحانية الشرق ومجد الإسلام وانتصر له على لسان إيفان العامل الروسى الذى كان قد فرّ من بلاده بعد انتصار الثورة الشيوعية ولجأ إلى باريس حيث تقابل مع محسن الشاب المصرى المسلم (بطل الرواية) ونشأت بينهما صداقة وقامت بينهما مناقشات فى السياسة والفلسفة والدين[3]. وكذلك ألف كاتبنا مسرحيتى "أهل الكهف" و "محمد"، اللتين استوحى أولاهما من قصة "أصحاب الكهف" فى القرآن المجيد، ومَسْرَحَ فى أخراهما سيرة النبى عليه الصلاة والسلام. وفوق هذا فقد كتب الحكيم بعض المقالات فى الدفاع عن الإسلام ونبيه r، ومنها المقال الذى صبَ فيه هجومه الغاضب على فولتير واتهمه بالنفاق والرغبة فى التقرب إلى البابا ورجال الكنيسة على حساب رسولنا الأكرم، الذى صوّره


الفيلسوف الفرنسى بصورة تسىء إليه بهتانا وتجنيا على حقائق التاريخ فى مسرحيته الشهيرة التى تحمل اسم "prophete Le Fanatisme, ou Mahomet le"[4]. إذن فعكوف الحكيم على تفسير القرطبى ليختار منه ما ينشره على جمهور عصره ليس أمراً مبتوت الصلة تماما بما سبقه فى حياة كاتبنا.
وقد شغل ما اختاره توفيق الحكيم من تفسير القرطبى (الذى يقع فى طبعته الثالثة فى عشر مجلدات[5]) مجلداً واحداً ليس غير. والذى دفعه إلى هذا العمل، كما يقول، هو ما رآه فى "مصر والبلاد العربية من الاهتمام المخلص بالدين والرغبة الصادقة فى الاستزادة من معرفة الإسلام وأحكامه مما يقتضى الرجوع إلى المنبع الأصلى للشريعة" متمثلة فى أمهات المراجع المعتمدة كتفسير القرطبى. لكنه رأى أن الرجوع إلى هذه الكتب الضخام مما يشق على أكثر الناس فَعَمدَ إلى اختصار كتاب القرطبى المذكور من خلال اختيار نصوص منه تتعلق، فيما يرى، بما لا بد لكل مسلم متدين من معرفته وحفظه لكثرة استعماله وجريانه على الألسن[6].
وقد مهد أديبنا لكتابه هذا بمقدمة شغلت حوالى عشر صفحات طرح فيها أفكاره التى عنّت له أثناء قراءاته للتفاسير المختلفة. ولنا على ذلك بعض الملاحظات: فقد استخدم مثلا عبارة "منبع الشريعة" بطريقة توحى بقوة بأن المقصود بذلك كتب التفاسير[7]. والحقيقة أن منبع الشريعة هو القرآن والسنة، أما تفاسير القرآن وشروح الأحاديث فليست إلا دراسة لهذا المنبع. إن عبارة الحكيم قد توهم أن المفسرين (ومعهم شُرَّاح كتب الحديث) هم صانعو الشريعة، وهذا غير صحيح كما هو معلوم. وقد أردت التنبيه إلى ذلك لقطع الطريق على ما يمكن أن تجر إليه هذه العبارة، فى بعض الأوساط التى تلوى رقاب النصوص، من نتائج عجيبة.
ومن ذلك أيضاً قوله إن "ما نراه فى هذا التفسير وفى غيره من إيراد ما يدخل فى باب الخرافات والأساطير المنتحَلة أو المحرَّفة فإنما هو من قبيل استكمال صورة للفكر البشرى تشمل ما هو معقول وغير معقول وغير معقول، وما هو أصيل وما هو متخيل، وهو ما لا يخلو منه دين أو مذهب"[8]. وكنا نحبُّ لو أنه قال بدلا من هذا: "وهو ما لا يخلو منه أى فكر دينى" أو "ما لا تخلو منه أية كتابات دينية"، إذ إن الإسلام، وهو دين من الأديان، عبارة عن وحى إلهى عند من يؤمنون به، ولا يستقيم فى الذهن أن يقول المسلم المؤمن بهذا الوحى إنه لا يخلو من الأساطير والخرافات، وإلا كان هذا تناقضا، فالأساطير والخرافات هى نتاج الجهل والتخلف البشرى تعالى الله سبحانه عن ذلك! ولست أعتقد أن الحكيم قد قصد هذا المعنى، بل هو سهو تعبير لم يعاود، فيما نحسب، النظر فيه.
وفى كلامه عن الإعجاز القرآنى يقول أديبنا إن القرآن "قد ظهر دفعة واحدة بشكله ومعانيه بما لم تسبقه بوادر وبدايات معروفه عند البشر، فنزوله بهذه الصورة دفعة واحدة بغير طور سابق أو تطوير فهو أمر يشبه نزول شىء سماوى كشهاب منير. فإذا قيل: هو وحى من السماء أُنْزِل على رسول الله، فإن ذلك هو الطبيعى الأقرب إلى التصديق"[9]. وهذا الكلام قد يدغدغ عاطفة قطاع كبير من المسلمين، غير أنه للأسف لا يتسق مع ما ورد فى القرآن من مثل قوله سبحانه: ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ﴾[10]، وقوله عز وجل ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾[11]، وكذلك ما تكرر فيه من أن الأنبياء جميعاً قد دَعَوْا إلى وحدانية الله سبحانه وتعالى والإيمان باليوم الآخر ونَهَوْا عن القتل والظلم والغشّ والكذب، وما يتضمنه من إشارات إلى أن الصلاة والصيام مثلاً كانا موجودين فى الأديان السابقة وأن الحج كان فى شريعة إبراهيم، وأن الربا ولحم الخنزير محرَّمان فى دين موسى... إلخ. بل قد صوّر رسولُ الله نفسُه فى حديث له مشهور حالَه وحال إخوانه من الأنبياء السابقين بصورة قَصْرٍ كان ينقصه موضع لَبِنة، فجاءت رسالته الكريمة فكانت اللَّبنة التى سدَّت هذه الثُّغْرة[12]. لكن هذا بطبيعة الحال شىء، وزعم المستشرقين والمبشرين أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد استهلَّ دينه ممَّا عند اليهود والنصارى وغيرهم شىء آخر، فحقيقة الأمر أن محمداً وعيسى وموسى وإبراهيم هم جميعا رسل لرب العالمين، والأديان التى جاؤوا بها كلها وَحْىٌ من لَدُنْه عز شأنه، فمن الطبيعى تماماً أن تكون هناك وجوه تشابه بين الرسالات التى حُمِّلوها. ومع ذلك فإن فى ديننا أشياء كثيرة تخالف ما عند اليهود والنصارى مثلاً، وهى راجعة إمّا إلى تطور التشريع الإلهى الذى أُريدَ به مواكبة التطور العقلى والنفسى والعمرانى لدى البشر، أو إلى ما أصاب الأديان السابقة وكُتُبها من عبث وتزييف فجاء الإسلام وردّ الأمر إلى نصابه[13]. وهذا معنى أن القرآن، إلى جانب كونه مصدِّقّا لما بين يديه من الكتب، قد جاء مهيمنا عليها أيضا[14]، أى يكشف ما اعتراها من تشويه وتحريفات.
وعند إشارة الحكيم إلى ما ورد فى تفسير القرطبى، رضى الله عنه، من خلاف حول تلاوة القرآن والتطريب فيه يقول إنه يحسن أن يكون للترتيل مكان إلى جانب التطريب، "فمع الترتيل يتجه الذهن إلى عمق المعانى، ومع التطريب تتجه الآذان إلى موسيقى الكلمات. والجمع بين المعنى والمبنى فيه اكتمال للإدراك واستيعاب لعنصرى الوجود: الروح والجسد: الروح فى جلال معناه، والجسد فى جمال تركيبه. وهذا جوهر أساس فى الإسلام، هو الجمع بين الروح والمادة"[15]. وقد فات الحكيم، رحمه الله، أن موسيقى الكلمات القرآنية موجودة فى حالتى الترتيل والتطريب معاً، فضلاً عن أن التطريب لا يغطى على المعانى ولا يقف حائلاً دون النفوذ إلى أعماقها البعيدة بل العكس يبرزها بجمال الصوت البشرى وما فيه من حنان وعواطف رقيقة. ثم كيف يتم الجمع بين مزايا الترتيل والتطريب كما يريد الكاتب؟ إن من غير المستطاع أن نستمع للقرآن مرتَّلاً وبتطريبٍ فى ذات الوقت.
وبعد قليل يتحدث الحكيم عن روح القدس على أنه عيسى عليه السلام، إذ أشار إلى أنه "مولود بغير أب من البشر"[16]. وهذا غريب من كاتب كبير مثله، فروح القدس إنما كان ينزل على عيسى وليس هو نفسه ذلك النبى صلوات الله عليه، وذلك أمر معروف للكافة لا من المسلمين فقط بل من النصارى أيضا، إذ يقولون مثلاً إن الله مكون من ثلاثة أقانيم: الآب والابن والروح القدس، جاعلين روح القدس شيئاً آخر غير عيسى كما هو واضح، علاوةً على نصوص العهد الجديد المختلفة التى تتحدث عن نزول روح القدس على عيسى. والعجيب أن الحكيم قد اختار ضمن كتابه النصّ الخاص بتفسير القرطبى للآية 87 من سورة "البقرة"[17] التى تقول بعبارة جلية لا لبس فيها إن الله سبحانه قد أيد عيسى بروح القدس بما يفيد بأصرح بيان أن عيسى شخص آخر مختلف عن ذلك الروح. وإذا نظر القارىء فى التفسيرات المختلفة التى أوردها القرطبى لهذا الاسم لم يجد بينها أنه عيسى، بل وجدها تقول إنه جبريل عليه السلام أو الإنجيل أو هو اسم الله الأعظم. وقد اختار القرطبى بحقٍّ الرأىَ الأول، وهو الرأى الشائع لدينا نحن المسلمين. كذلك أورد الحكيم فى كتابه ما قاله القرطبى فى الآية 42 من سورة "آل عمران" عن مريم عليها السلام[18]، وفيه أن "روح القدس كلّمها وظهر لها ونفخ فى درعها ودنا منها للنفخة"[19]، وهذا حين كانت عذراء فنفخ روح القدس فى جيبها فحملت بعيسى. فكيف بعد كل ذلك يقع الحكيم رحمة الله فى هذه الغلطة؟ أعتقد أن مبعث ذلك هو السّهو وعدم مراجعته ما كتب فى تلك السن المتقدمة التى أقدم فيها على العمل.
وممّا يبدو أن الحكيم قد سها فيه أيضاً قوله عند كلامه عن العقل: "وقد جاء فى سورة "القلم" عن أبى هريرة هذه العبارة الرائعة: "ثم خلق الله تعالى العقل فقال الجبار: ما خلقت خلقا أعجب منك". عبارة جديرة أن يقولها أعظم علماء العصور الحديثة فى بلاد الحضارة المعاصرة"[20]. والكلام المنسوب لأبى هريرة لا يمكن أن يكون جزءاً من سورة "القلم" كما لا يخفى، بل هو مما أورده القرطبى من روايات أثناء تفسيره للآية الأولى من هذه السورة[21].
وتحت عنوان "العقوبات والحدود" يكتب الحكيم أنه، فيما عدا جريمة القتل العمد التى يرى أن عقوبتها الطبيعية الإعدام، يفضِّل على حبس المجرم "الحدَّ الشرعى بالجلد" مضافا إليه العمل فى المصانع والمزارع وغيرها ليعادل المجرم بتلك المنفعة التى يؤديها لمجتمعة ما كان اجترحه فى حق ذلك المجتمع من ضرر[22]. والذى أريد التعليق عليه هو ما يُفْهَم من عبارة الحكيم من أن هناك عقوبة شرعية واحدة للمجرمين جميعاً هى الجلد، مع أن تلك العقوبة إنما يعاقَب بها فقط الزناة وشاربو الخمر وقاذفو أعراض المحصنات دون الإتيان بأربعة شهداء. أما السارق فتُقْطَع يده، وأمَّا الذين يحاربون الله ورسوله ويَسْعَوْن فى الأرض فساداً فجزاؤهم أن يُقَتَّلوا أو يُصَلَّبوا أو تُقَطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنْفَوْا من الأرض. ثم إن حرمان المجرم من حريته بوضعه فى السجن فى غير حالات الحدود الشرعية لهو وسيلة ناجعة فى كثر من الحالات. كذلك فالسجناء فى أحيان كثيرة يقومون بأعمال نافعة للمجتمع ويأخذون على ذلك أجراً رمزياً. ولو أننا اكتفينا بجلدهم وإجبارهم على عمل منتج مفيد للمجتمع فما الذى يضمن أنهم، ما داموا طُلَقاء، لن يهربوا من هذا العمل ما داموا لم يختاروه بأنفسهم ولا يحصلون لقاءه على الأجر الذى يملأ عيونهم؟ ومع هذا فإن السجون بأوضاعها الحالية بحاجة إلى إعادة النظر والإصلاح حتى لا تكون بُؤَراً لتخريج الفاسدين والناقمين على المجتمع والإنسانية.
ويقول الحكيم إن القليل من العلم يورث الإلحاد، بينما الكثير منه يؤدى إلى الإيمان. وهذا، فى رأيه، هو سبب شيوع الإلحاد بين علماء القرن التاسع عشر "يوم كان العلم الوليد فى بداياته المغرورة". ويقول بحقِّ أيضاً إن المقصود بالعلماء فى قوله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ﴾ ليس علماء الدين وحدهم بل العلماء جميعاً من شتى التخصصات، ومنهم علماء الطبيعة[23]. ولكنه لا يحالفه الصواب حين يقول عن علماء الدين إنهم "مؤمنون بطبعهم لأن مجالهم هو الإيمان بالقلب والوجدان، وهو ليس مما يحتاج إلى تدليل"[24]. ذلك أن علماء الدين هم بشر من البشر، ولهم عقول تتطلب الدليل كسائر البشر، وهم حينما يتحدثون عن وجود الله ووحدانيته وصدق الرسول عليه السلام وعن اليوم الآخر وأنه حق لا ريب فيه فإنما يخاطبون العقول ويقدمون على صحة ما يقولون البراهين. أم ترى نسى المرحوم الحكيم أن علم الكلام، وهو العلم الدينى القائم على المنطق والأدلة العقلية، إنما هو ثمرة من ثمارهم؟
ويقع تفسير القرطبى فى طبعته الثالثة فى عشرة مجلدات كما قلنا. وهو يحتوى على ذكر أسباب نزول الآيات والسُّوَر، وعلى القراءات والإعراب والمباحث اللغوية والأشعار، والمناقشات الكلامية والمسائل التاريخية، وقبل ذلك كله الأحكام الفقهية، التى يتوسع المؤلف رحمه الله فيها توسُّعاً كبيرا، إذ كان ذلك هو هدفه الأول من وضع هذا التفسير العظيم القيّم كما هو واضح من تسميته بـــــ "الجامع لأحكام القرآن"، فهو من كُتُب التفسير الفقهى بل يأتى على رأسها من حيث البسط والتوسُّع، إذ يقع كما أشرنا فى عشرة مجلدات (كل مجلد يضم جزأين معاً)، على حين تقع التفاسير المعروفة التى من هذا النوع[25] فى مجلد صغير أو فى مجلدين أو ثلاثة على أكثر تقدير، فضلاً عن أنها لا تعرض إلا للآيات التى تضم أحكاماً فقهية، بخلاف القرطبى، الذى لم يترك أية آية إلاَّ وفسَّرها مع اختصاصه آيات الأحكام بالاهتمام الزائد والانبساط فى البحث والتحليل وعرض آراء الفقهاء المختلفة والموازنة بينها مع التعقيب برأيه هو فى كثير من الأحيان[26].
أما توفيق الحكيم فقد اختار من هذا التفسير ما ملأ مجلداً واحداً يقع فيما يزيد قليلاً عن تسعمائة صفحة. وقد وضع فى ذهنه أن يكون عمله فى الاختيار شبيها بما صنعه الرازى صاحب "مختار الصِّحاح" مع معجم الصحاح للجوهرى، إذ اختار منه ما رأى أنه لا بد لكل عالم فقيه أو حافظ أو محدّث أو أديب من معرفته وحفظه لكثرة استعماله وجريانه على الألسن، واجتنب عويص اللغة وغريبها طلباً للاختصار وتسهيلا للحفظ[27]. ومن هنا سمَّ الحكيم كتابه "مختار تفسير القرطبى" مثلما سمَّى الرازى معجمه "مختار الصحاح".
ولكن النظرة المتفحصة لكلا العملين ترى بينهما عدة فروق: فالرازى لم يترك من مواد اللغة وألفاظها إلا عويصها الذى قلَّما تعدو إليه الحاجة. كما أنه نفى عن معجمه الأشعار التى استشهد بها الجوهرى، إذ كان المهم عنده هو شرح معنى الألفاظ فقط، أما الاستشهاد عليها فذلك أمر إضافى يمكن مستخدمَ المعجم الاستغناءُ عنه. كذلك فإنه قد أوجز الكلام فى كل مادةٍ أخذها عن الجوهرى ولم ينقل ما قاله بنصّه. ثم إنه قد أضاف إلى ما اقتبسه عن الجوهرى فوائد من كتب أخرى يفتقر إليها كتاب ذلك العالم منبهاً إلى هذه الإضافات بتصديرها بكلمة "قلتُ". وفضلا عن هذا فقد اهتم بحصر أوزان الأفعال الثلاثية والتنبيه إليها وتدارك ما فات الجوهرى منها، ونصَّ على ضبط حركاتها أو ردَّها إلى أحد الموازين العشرين التى بينها متى وجد لذلك سنداً من كتب اللغة الموثوق بها. ليس ذلك فحسب، بل ضم "مختارُ الصحاح" أيضا بعض القواعد النحوية والصرفية[28].
أما فى "مختار تفسير القرطبى" فقد ذكر توفيق الحكم أنه لم يُثْبت إلا ما رأى أنه لا بد لكل متدين وقارىءٍ للقرآن من معرفته وحفظه لكثرة استعماله وجريانه على الألسن[29]. وهو مقياس فضفاض ليس فيه إحكام مقياس الرازى، إذ من السهل معرفة عويص اللغة ومهجورها، أما القرآن فمن ذا الذى يستطيع أن يقول إن هذه الآيات منه أو تلك السورة مما لا يستعمله المسلم أو لا يجرى على لسانه؟ لقد حذف الحكيم مثلا من "مختاره" تفسير سورة "الفاتحة"، وهى التى لا يستغنى مسلم أو مسلمة مهما كانت سِنُّهما عن حفظها. ويكفى أن كُلّ مصلٍّ يرددها سبع عشرة مرة على الأقل فى اليوم الواحد، وهو عدد ركعات الصلوات المفروضة فقط. وهناك سور أخرى غير الفاتحة لم يختر الحكيم أى شىء من تفسيرها مثل "يونس وإبراهيم والكهف ومريم والعنكبوت والزمر والزخرف ومحمد والذاريات والطُّور والنجم"، وغيرها كثير. وبالنسبة للسور التى اختار نصوصاً من تفسيرها نجد أنه قد حذف مثلاً من سورة "البقرة" تفسير آيات القِبْلة وآيات المحيض وآيات الطلاق وآيات الرضاع وآيات النفقة. كما حذف من سورة "النساء" تفسير الآيات الخاصة بالوصاية على الأيتام وآيات المحارم. ومن "المائدة" حَذَف تفسير الآيات المتعلقة بأحكام الصيد فى الحجّ وآيات الوصية عند الموت. وكذلك حذف من سورة "النور" تفسير آيات الاستئذان. وقد رأينا كيف لم يورد شيئاً من تفسير سورة "محمد" رغم ما فيها من آيات عن القتال والأَسْر وأحكامه. وأيضاً لم يَخْتَر شيئا من تفسير سورة "الممتحنة" مع أن فيها عدداً من الأحكام الهامة الخاصة بالأحوال الشخصية والعلاقات الاجتماعية بين المسلمين والمشركين. ومِثْلَ ذلك قُلْ فى سورة "الطلاق"، التى تحتوى على عدة أحكام شديدة الأهمية فى الطلاق والعدّة والنفقة. وهذه مجرد أمثلة، وهناك غيرها، فما القول فى ذلك؟ أليس ذلك مما يهمّ المسلم؟ فلماذا حذفه الحكيم؟
على أن هذا خاص فقط بالآيات التى تتضمن أحكاماً فقهية، وإلاَّ فهناك الآيات التى تتحدث عن الأمم السابقة ومصائرها، ولم يورد الحكيم فى تفسير أى منها شيئاً. ويصدق هذا أيضاً على النصوص التى تتحدث عن الجنة ونعيمها والنار وعذابها، ولذلك نرى الحذف كثيراً جداً فى تفسير قصار السُّور حيث يكثر الحديث عن ملذات الفردوس وآلام الجحيم. أما الآيات التى تتناول الكلام عن مكارم الأخلاق فما ساقه الحكيم من تفسيرها هو من القلة بمكان.
وثمة ملاحظة أخرى تتعلق بما أثبته الحكيم فى كتابه من تفسير القرطبى وما حذفه، وهى أنه لا يوازن دائماً بين طول السورة والنصوص التى يختارها من تفسيرها: فمثلاً لم يورد من تفسير سورة "الأنعام" أكثر من أربع صفحات ونصف برغم أنها من طوال السُّوَر، بخلاف "الأنفال"، التى تنقص عنها كثيراً (إذ هى أقل من نصفها)، ومع هذا ساق من تفسيرها ما ملأ أربع عشرة صفحة. وهذا مثال واحد ليس إلاَّ.
إن عمل الحكيم يشبه من الناحية الشكلية إلى حدٍّ ما ما جمعه د. محمد السيد الجليند مما فسّره ابن تيميه فى كتبه المختلفة من القرآن الكريم وأصدره فى كتاب سمّاه "دقائق التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن تيمية". إلاَّ أن ابن تيمية لم يأخذ على عاتقه تفسير القرآن تفسيراً منظماً ولا هو أراد تفسير ما فسّره منه مرتبا حسب السُّوَر أو حتى حسب تاريخ النزول، وإنما كان يفسر بعض النصوص فى مؤلفاته المختلفة حسبما تدعو إليه الحاجة، وإن كان قد كتب تفسيراً مستقلاً لبعض السور كاملة، وهى "الفاتحة والنور والصِّمَد والمعوّذتان"[30].
والحكيم حين ينقل شيئا من تفسير القرطبى فإنه ينقله كما هو، فلا اختصار ولا حذف حتى لسلاسل الإسناد، بل يُبْقِى كل شىء على حاله كما هو عند القرطبى. ومن ثم فكثيرا ما يجد القارىء نفسَه تائها وسط غابةٍ متلبّدة من الآراء المختلفة والتفاصيل المشتبكة التى لا بد أن تصيبه بالدوار. ولو رجع القارىء إلى ما قيل فى الربا والاختلافات الدائرة حول بعض صوره[31]، وكذلك إلى ما كُتِب عن الفرق الإسلامية المختلفة[32] والآراء المتضاربة حول جريمة القذف[33]، فلسوف يجد مصداق ما نقول. أما مختصرات التفاسير التى تشبه عمل الرازى فى معجمة المذكور فيمكن التمثيل لها بكتابَىْ "مختصر تفسير ابن كثير" لمحمد على الصابونى، الذى جاء فى ثلاثة مجلدات من أصل أربعة كبار، و "مختصر تفسير الطبرى" للصابونى و د. صالح أحمد رضا، وهو فى مجلدين من أصل خمسة عشر مجلداً: فالأول يحذف سلاسل الإسناد مكتفياً
بذكر آخر راوٍ فى السلسلة، ولكنه لا يحذف تفسير أية آية أو سورة، وإن كان ينتقى من ذلك التفسير أشياء وينفى أشياء. وبالنسبة للشواهد الشعرية نراه يُبْقِى على بعضها ويترك بعضها الآخر. أما المختصر الثانى فإن صاحبيه يكتفيان بما يقوله الطبرى نفسه فى تفسير الآية ولا يوردان شيئاً من الآراء المختلفة التى قيلت فيها ممّا يمهّد الطبرى له عادة بقوله: "وبنحو الذى قلنا فى ذلك قال أهل التأويل. ذِكْرُ من قال ذلك:....". أمّا إذا لم يكن للطبرى فى تفسير الآية كلام واقتصر دوره على تخليص ما وصل إليه من التفاسير المختلفة فإن المؤلفَيْن يقومان فى هذه الحالة بنقل هذا التخليص. كما أنهما قد استغنيا عن شواهد الشعر والمباحث اللغوية، وكذلك عن الكلام فى أسباب النزول إلا ما أثبتاه فى بعض الهوامش القليلة الموجزة.
والملاحظ أن ما اختاره الحكيم من تفسير القرطبى لم يُطْبَعْ من جديد، بل الذى حدث هو أن النصوص التى انتقاها قد صُوَّرت كما هى من الطبعة الثانية من كتاب القرطبى الأصلى. وقد يكون النصّ المختار صفحات عدة، وربما لم يَزدْ على صفحة أو صفحتين. وكثيرا ما كان تصوير النصّ المنتقَى يستلزم المَنْتَجَة[34]. إذ قد يحدث أن يبدأ ذلك النص من وسط السطر فيرحَّل الباقى من السطر إلى اليمين مشكلاً بداية فقرة مما يستدعى تصعيد جزء من السطر التالى لسدّ الفراغ الذى سبَّبه ترحيل كلمات السطر الأول إلى اليمين، وتصعيد جزء من السطر الثالث إلى السطر الثانى... وهكذا. ثم إن مخرجى الكتاب كانوا يعملون كل ما فى وسعهم كى تتطابق بدايات الصفحات ونهاياتها فى "مختار تفسير القرطبى" مع بدايات الصفحات ونهاياتها من التفسير الأصلى بقدر الإمكان حتى لا يظلوا دائماً رازحين تحت عبء المنتجة، فكانوا يوسعون المسافات بين سطور أول صفحة أو صفحتين أو ثلاث من النصوص الطويلة المراد تصويرها أو يضيّقونها (حسب الظروف) كى تتم عملية التناظر بين الصفحات فى الكتابين بسرعة ولا يكلّفَهم الأمر فى باقى النص أكثر من مجرد تصوير الصفحات كما هى. بل إنه فى أكثر من موضع قد استلزم الأمر كتابة كلمة أو أكثر بخطّ اليد كما فى نهاية السطر الأخير من الصفحة الثانية والستين وبداية السطر من الصفحة التى تليها، حيث حُذِف من وسط النص بعض الألفاظ.
ولم يكن ممكنا أن يتم لصق الكلام السابق بالكلام اللاحق دون هذه الإضافة. ومع ذلك ففى بعض الحالات نُسِيَتْ عملية اللصق هذه فظهر النص المختار مختلا. ويمكن العثور على مثال لهذا فى النص المنقول من تفسير قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً﴾[35]، فقد أورد القرطبى فيه خمس مسائل، لكن الحكيم اكتفى باختيار المسألتين الأُولَيَيْنِ فحسب، ومن ثم حَذَفّ قولَ القرطبى بعد الآية السابقة: "فيه خمس مسائل"، وحَذَف من بداية المسألة الأولى كلمة "الأولى" ومن بداية المسألة الثانية كلمةَ "الثانية". وتصادف أن انتهت المسألة الأولى بعبارة: "والحذر يدفع القدر. وهى:" ثم تلتها فى بداية المسألة الثانية كلمةُ "الثانية" (التى حذفها الحكيم كما قلنا). وعبارة "والحذر لا يدفع القدر. وهى" (أى "وهى المسألة الثانية") إشارة إلى أن هذا هو المبحث الذى ستتناوله المسألة الثانية. ونرى فى بداية المسألة الثانية قوله: "خلافا للقدرية فى قولهم: إن الخير يدفع ويمنع من مكائد الأعداء... إلخ"[36]، فجاء الانتقال من المسألة الأولى إلى الثانية، كما ترى، مختلاً، إذ أين خبر "وهى"؟ ولو أن مخرجى "المختار" حذفوا مع كلمة "وهى:" عبارة "خلافا للقدرية فى قولهم: إن" وجعلوا مكان هذا كله العبارة التالية: "وهذا خلاف ما يقوله القدرية من أن" لانسجم الكلام بعضه مع بعض. وفى مثل هذه الحالة التى نحن بصددها تأتى مسافة البياض الموجود فى أوائل السطور التى تبدأ بها الفقرات أطول من المعتاد لأن عبارة "المسألة "الأولى" أو "الخامسة" أو "السابعة" أو "العاشرة" مثلاً التى كانت فى أول فقرة قد حُذِقَتْ، وآثر مخرجو الكتاب إبقاء الوضع بعد ذلك على ما هو عليه بدلاً من عملية الترحيل والتصعيد المزعجة التى تكلمت عليها قبل قليل.
وقد نَسِىَ الحكيم أن يحذف فى كثير من الأحيان عبارات القرطبى التى تشير إلى أن هذا الموضوع أو ذاك قد سبق تناوله فى الموضع الفلانى الذى لا وجود له فى "مختار تفسير القرطبى" لأن الحكيم لم ينقله فى مختصره. وبالنسبة لهوامش الكتاب الأصلى فقد حُذِف بعضها من "مختار" الحكيم لعدم الحاجة إليه وأُبْقِىَ على بعضه الآخر. وكذلك قد يُحْذَف من الهامش الواحد الجزءُ الذى لا حاجة إليه فى "المختار" ويُبْقَى على باقيه. وهذه الهوامش هى من صنع لجنة محققى الكتاب الأصلى. وسوف أعود لهذه النقطة فيما بعد.
وقد حرص الحكيم على وضع عناوين لمختاراته على النحو التالى: "فى الخلافة والإمامة والحكم"، "فى الإذن بقتال المعتدين"، "فى الحذر والقدر"، "فى قتل البنات"، "فى الصَّدَقَة"، "فى الحدوث والمحدَث"، "فى ضحك النبى"، "فى مشيئة الهداية"، "فى الزعم بأن القرآن سحر"، "فى نعيم الشبع بعد الجوع"، ثم تلى العنوانَ الآيةُ أو الآياتُ التى تتناول هذا الموضوع متبوعةً بتفسيرها أو بما رأى الحكيم نقله من تفسيرها. ومع ذلك ففى أول سورة "المؤمنون" مثلاً نجد الآيات تأتى أوَّلا، والعنوان بعد ذلك[37]. كما أنه تحت عنوان "فى نصيب الدنيا والآخرة"[38] لم يذكر الآية التى تتناول هذا الموضوع بل نقل تفسيرها مباشرة. أما فى أول نص اختاره من تفسير سورة "الإسراء" فقد حدث العكس، إذا ساقة دون أن يُعَنْوِن له بشىء[39].
وفى غير قليل من الحالات نلحظ غموضا فى العنوان أو افتقاراً إلى الدقة، ومن ذلك عنوان "فى الإثم والنفع"[40]، فهو عنوان عام، إذ الآيات التى تحته هى فى إثم الخمر والميسر ومنافعهما وليست فى الإثم والنفع بوجه عام. ومثله عنوان "فى النوم قبل المعركة"[41]، إذ موضوع آياته هو نعمة النوم والمطر اللذين أنزلهما الله على المسلمين قبل غزوة بدر تحديدا. وكذلك عنوان "فى تخيير زوجات النبى"[42]، الذى كان ينبغى أن يحدَّد بالنص على موضوع التخيير. ولو قيل: "فى تخيير زوجات النبى بين البقاء معه على خشونة العيش أو الطلاق منه والاستمتاع بزينه الحياة الدنيا بعيداً عنه" لكان أوفى بالقصد.
أما عنوان "فى خشوع الصلاة"[43]، وهو العنوان الذى تأتى بعده الآيات الإحدى عشرة الأولى من سورة "المؤمنون"، تلك الآيات التى تتحدث عن فَلاَح المؤمنين الخاشعين فى الصلاة والمعرضين عن اللغو والمؤدّين للزكاة والحافظين لفروجهم والراعين لأماناتهم وعهودهم والمحافظين على صلواتهم، ووراثتهم من أجل ذلك للفردوس وخلودهم فيه، فمن الواضح أنه لا يدل إلا على جزئية صغيرة وفرعية من هذا الموضوع الكبير.
ويعانى عنوان "فى كلمات الله العلم وحقائق الأشياء" من غموض شديد. ذلك أنه عنوان لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾[44] وتفسيره. وهو (كما ترى) غير واضح الدلالة على المراد، كما أن الآية الأخيرة[45] لا يمكن أن تدخل تحت هذا العنوان بحال.
على أن الأمر أشد من ذلك مع عنوان "فى الأراذل"[46]، الذى يشير إلى احتقار قوم هودٍ للمؤمنين به ونبزهم إياهم بــــ "أراذلنا"، إذ أن اختيار العنوان على هذا النحو يوهم أنّ رأى الحكيم فى أتباع هود هو نفسه رأى الكفار المتكبرين.
كذلك يلاحظ فى بعض الحالات أن الحكيم يقسم عدداً من الآيات المتتالية قسمين جاعلا لكل قسم وتفسيره عنواناً خاصّا رغم أنهما يعالجان موضوعا واحداً. مثال ذلك الآيات الثلاث من آخر سورة "النحل"، وهى جميعاً فى التخيير بين الثأر لشهداء أُحُد أو الصبر والعفو، فقد جعل كاتبنا، رحمه الله، الآية الأولى وتفسيرها قسماً وحده عنوانه: "فى الثأر والصبر"، وجعل الآيتين الأخريين قسماً آخر مستقلاً عنوانه "فى الصبر والعفو"[47].
ويمتلىء "مختار تفسير القرطبى" بالهوامش كما أشرنا قبلا، وهذه الهوامش ليست للقرطبى بل من صنع اللجنة التى قامت على تصحيح الكتاب الأصلى وضبطه، وهم الأساتذة: أحمد عبد العليم البردونى وإبراهيم إطفيش وبشندى خلف الله ومحمد محمد حسنين ومصطفى السقا. وفى هذه الهوامش شرحٌ لبعض الألفاظ الغريبة أو تعليقٌ سريع على بعض القضايا أو ملاحظاتٌ خاصة بتحقيق الكتاب. وقد كان ينبغى على الحكيم أن ينصَّ على أن هذه الهوامش هى من صنع الأشخاص المذكورين حتى لا يُظَن أنه هو الذى كتبها.
ورغم وجود هذه الهوامش النافعة فلا يزال "مختار" الحكيم بحاجة ماسَّة إلى هوامش أخرى كثيرة لشرح الألفاظ والعبارات التى تستغلق على القارىء العصرى العادىّ أو يصعب فهمها عليه، أو للتعليق على بعض الخرافات التى كان يحسبها القدماء حقائق قاطعة، أو للتنبيه على ما تدسس إلى هذا التفسير الجليل من إسرائيليات[48] رغم حرص صاحبه على أن ينقيه منها، أو لمناقشة بعض الآراء الفقهية واللغوية التى تحتاج إلى المزيد من البحث والتمحيص، أو لتصحيح ما فى الكتاب من معلومات علمية خاطئة، أو لتوضيح رأى الإسلام فى المفاهيم البالية التى كانت تعشش فى رؤوس بعض السلف... إلخ.
ومن ذلك مثلاً كلمة "الزَّمْنَى"[49]، التى كان يجب أن يُشْرَح معناها فى الهامش. ومثلها "الأزلام"[50] و "التوقيف"[51] و "الانتشار"[52].
ومن الأشياء التى كانت تحتاج إلى أن يُسْتَفْتَى فيها العلماء من مختلف التخصصات لمعرفة مدى صحتها أو بطلانها ما أورده القرطبى من رواية سفيان عن عمار الذهبى من "أن ساحرا كان عند الوليد بن عقبة... يدخل فى است الحمار ويَخْرُج مِنْ فيه"، وبخاصة أنها تقول إن جندب بن كعب الأزدى قد قتل الساحر[53]، إذ ليس فى صنيع ذلك الساحر (بفرض صحته) ما يستوجب قتله، فإنه لم يضر أحداً ولا أتى عملاً من أعمال الكفر، بل كل ما فى الأمر أنه قام بحركة بهلوانية تدل على اقتدار باهر تحقق المتعة والإثارة عند المشاهدين. ونحن الآن نذهب إلى السيرك وندفع فلوساً كثيرة للترويح عن أنفسنا بمشاهدة الحاوى وهو يُخْرِج من قبعته التى تبدو لنا خاليةً حماما وأرانب أو يمد يده الفارغة فى الهواء ويعيدها وفيها منديل أو بالونه مثلاً، ولا نفكر فى قتله بل نصفق له إعجاباً بمهارته التى نعرف أن وراءها تدريبا طويلاً مضنياً. ولكن هل فى مستطاع السحرة حقا أن يدخلوا فى دُبُر الحمار ويخرجوا من فمه أو على الأقل يخيّلوا لنا ذلك؟ كان ينبغى الاستفسار من أهل الذكر عن هذا، وإن كنت أنا لا أعتقد فى شىء منه بتاتا.

كذلك أشار القرطبى إلى ما يسمَّى الآن بـــــ "الرَّبْط"، واستعمل فى وصفه الفعلين "عَقَد" و "حَبَس"[54]. وكان يمكن الحكيم أن يسأل فى ذلك الأمر النفسانيين وعلماء الاجتماع والانثروبولوجيا والأطباء ليستطلع رأيهم فى هذا الأمر وهل هو حقيقة كما تعتقد الأغلبية منَّا أم هل هو، كما يؤكد القليلون، مجرد وهم يتسلط على بعض النفوس الضعيفة يستغله شياطين الإنس الذين يوحون إلى هؤلاء الضعفاء أنهم هم الذين أحدثوا فيهم ذلك بمعاونة الجن[55]. إن ابن بطال يقدم لفكّ هذا "العَمَل" وصْفَةً ذكر أنه قرأها فى كتاب وهب بن منبَّه، وهى "أن يأخذ المربوط سبع ورقات من سِدْر أخضر فيدقه بين حجرين، ثم يضربه بالماء ويقرأ عليه آية الكرسى، ثم يحسو منه ثلاث حسوات يغتسل به، فإنه يذهب عنه كل ما به إن شاء الله تعالى"[56]. إن الإنسان ليتساءل: من أين أتى ابن منبه بهذا العلاج؟ ولماذا السّدر الأخضر بالذات؟ وما الحكمة من دقة بين حجرين؟ ولم كانت الحسوات ثلاثاً لا أقل ولا أكثر؟ وما معنى الاغتسال به بعد الاحتساء منه؟ وإذا كان "المربوط" كافراً لا يدين بالإسلام ولا يعرف القرآن فماذا يقرأ مع هذه الوصفة يا تُرَى وعلى ذِكْر الكفَّار فلست أظن أن الجاهليين كانوا يعرفون مسألة الربط هذه، وكذلك لا أظن أننى قرأت فيما خلَّفوه لنا من أدبً إشارة إلى تلك المسألة. وبالمثل لا أذكر أننى قابلت شيئاً من ذلك فى الآداب الأوربية المختلفة، وبخاصة فى الأدب القصصى الذى لا يكاد يترك شيئا فى المجتمعات التى يصفها إلا ويرسمه. فما السر يا ترى؟ إننى أُهيب بكل قوة بعلماء النفس والأطباء والصيادلة ومن إليهم أن يدرسوا هذه القضية بالاهتمام الواجب ويحاولوا أن يجيبونا على الأسئلة التى طرحتُها هنا. إن هذه مسؤولية علمية وإنسانية ودينية ينبغى أن ينهضوا بها لإخراج الناس من هذه البلبلة إلى سعة الصحة الفكرية النفسية.
كذلك فإننا نسال: ما فائدة ذكر نسب لقمان إذا كانت الاختلافات فيه متباعدة على ذلك النحو الذى وردت به فى تفسير القرطبى[57]، وبخاصة أنه لم يصحّ فيه تاريخ أو يَرِدْ فيه قرآن أو حديث صحيح؟ وما فائدته على وجه أخص بالنسبة للمسلم المعاصر الذى يُرَاد تربيته على النزعة العلمية، تلك النزعة التى يعلى من شأنها توفيق الحكيم ويرى أنها ستقود الناس مرة أخرى إلى الله بحيث يكون القرن القادم هو "قرن الدين" كما قال؟[58].
ومن الخرافات والإسرائيليات أيضا فى تفسير القرطبى قولُ عدد من الروايات إنَّ "ن" التى ورد ذكرها فى أول سورة "القلم" هى الحوت الذى يحمل الأرض على ظهره، وإن اسمه عند بعضهم "البهموت"، وعند آخرين "ليوثا"، وعند فريق ثالث "لوثوثا"، وعند غيرهم "بلهموثا"، وزَعْمُ كعب الأحبار أن "إبليس تغلغل إلى الحوت الذى على ظهره الأرض فوسوس فى قلبه قال: أتدرى ما على ظهرك يا لوثوثا من الدواب والشجر والأرضين وغيرها؟ لو لفظتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع! فهمّ ليوثا أن يفعل ذلك، فبعث الله إليه دابة فدخلت منخرة ووصلت إلى دماغه، فضجّ الحوت إلى الله عز وجل منها فأذن الله لها فخرجت. قال كعب: "فو الله إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن همَّ بشىء من ذلك عادت كما كانت"[59]. ولا بد أن نقف عند عبارة كعب الأخيرة هذه لنبدى عجبنا من تلك الجرأة على القسم بالله على أمرٍ لم يرد، ولا يمكن أن يرد، فيه وحىٌ ولا يستطيع كعب أو غيره أن يقدم أى دليل مهما كان تافها على صحته لأنه ببساطة ليس أكثر من خرافة!
هذا، وفى "مختار" الحكيم عدد من المعلومات العلمية الخاطئة من المحتمل جدا أن يصدّقها القارىء العادىَّ الذى وضعه الحكيم نُصْبَ عينيه وهو يخرج مجلَّده هذا. ومن هذه المعلومات تقرير القرطبى "أن الكعبة وسط الأرض". وهو يلقى هذا الكلام كأنه قضية مفروغ منها، إذ يقول على لسان رب العزة فى تفسير قوله تعالى من سورة "البقرة": "وكذلك جعلناكم أمةً وسطا": "وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطا"[60].
والحقيقة أنه لا يوجد مكان على سطح الأرض يمكن أن يقال إنه يقع فى وسطها لأن الأرض كرة، فوسَطُها إذن لا يكون إلا فى داخلها. ولو كانت دائرة أو مستطيلا أو مربعاً مثلاً لصحَّ فى هذه الحالة أن تحتل إحدى البنايات وسطها[61]، أمَّا وأنها كُرَةٌ فمركزُها لا يمكن أن يقع على سطحها بل فى بطنها. لقد أخطأ القرطبى مرتين: مرة حين قال إن الكعبة تقع وسط الأرض، وهذا خطأ جغرافى. ومرة حين أجرى هذا القول على لسان الله سبحانه، وهى الطامة الكبرى، إذ إنه بهذه الطريقة يكون قد أسند الخطأ إلى الله، تعالى عز وجل عن ذلك!
وهذا الخطأ راجع إلى أن القرطبى، رحمه الله، كان يعتقد أن الأرض مسطّحة لا مكّورة، فهو يقول فى تفسير قوله تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ﴾[62] إن "هذه الآية ردّ على من زعم أن الأرض كالكرة... والذى عليه المسلمون وأهل الكتاب القولُ بوقوف الأرض وسكونها ومَدّها"[63]. والحقيقة أن المسلمين منذ عصر المأمون[64] على الأقل، أى منذ أوائل القرن الثالث الهجرى، يؤمنون بكروية الأرض، فقد أمر ذلك الخليفةُ عددا من المهندسين المسلمين بأن يقيسوا مسافة درجة من درجات خطوط الطول على الكرة الأرضية. وكان إخوان الصفا (فى القرن الرابع الهجرى) يقولون أيضاً بأن الأرض كرة، وهو ما كان يقوله كذلك السِّجْرى (ت 415هـــــ تقريباً) وابن طفيل (ت 518 هــــ) وياقوت الحموى (ت 626 هـــــ) وغيرهم من علماء المسلمين الذين سبقوا القرطبى أو عاصروه[65]، فما معنى دعواه إذن بأن علماء المسلمين يقولون بتسطيح الأرض لا بكرويّتها؟ ولقد عاصر أبو حيان القرطبىَّ لفترة من الزمن، وله كما للقرطبى كتاب فى تفسير القرآن، فوق أنه مِثْلَه أندلسى، أى ينتمى لنفس البيئة، ومع ذلك فإننا نقرأ عنده فى تفسير الآية ذاتها ما نصه: "قال أبو عبد الله الدارانى: ثبت بالدليل أن الأرض كرة، ولا ينافى ذلك قوله: "مدَّ الأرض"، وذلك أن الأرض جسم عظيم، والكرة إذا كانت فى غاية الكبر كان كل قطعة منها تشاهَد كالسطح، والتفاوت بينه وبين السطح لا يحصل إلا فى علم الله تعالى"[66]. فهذه المعلومة العلمية الخاطئة التى أكّد القرطبى صحتها وجعلها للأسف مقولة إسلامية، وهى ليست كذلك، كانت تحتاج من الحكيم إلى تعليق فى الهامش يرد به الأمر إلى وضعه الصحيح.
وحين يأتى القرطبى إلى تفسير قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾[67] يقول: "وإخراج الحلية إنما هى، فيما عُرِف، من الملح فقط"[68]، مع أن القرآن يقول بصريح العبارة ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾[69]. فقوله: "ومن كلٍّ..." قاطع الدلالة على أن الحلىّ كما تستخرج من البحر فكذلك تستخرج من النهر. وليس القرطبى بِدعاً بين المفسّرين القدماء فى هذا، وإن كان رحمه الله قد تحرز بقوله: "فيما عُرِف"، وهو ما يُحْمدَ له على كل حال. بل إن من المستشرقين المحدثين الذين ترجموا القرآن إلى لغاتهم مَنْ ترجم هذه الآية بحيث تعنى أن الحلىّ إنما تستخرج من البحار الملحة فقط[70]. ومن هنا كان لا بد من هامش للتعليق على ما قاله القرطبى يبين أن الحلىَّ تُسْتَخرج فعلا، كما جاء فى القرآن الكريم، من كلا البحرين: الملح والعذب، وليس من الملح فقط، فقد وُجَد اللؤلؤ والماس والياقوت وحجر التوباز والزيركون فى مياه بعض الأنهار، وكلَها تقع خارج منطقة الشرق الأوسط وتبعد عنها بعدا شديداً[71] بحيث ما كان ليتيسَّر للرسول عليه السلام أن يعرف ذلك لولا الوحى الإلهى.
وفى الآية السادسة والستين من سورة "النحل"، ونصها: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ﴾، يقول القرطبى: "قال ابن عباس: إن الدابة تأكل العلف، فإذا استقر فى كرشها طبخته فكان أسفله فَرْثا[72] وأوسطه لبنا وأعلاه دما، والكبد مسلّط على هذه الأصناف: فتُقسِّم الدم وتُمَيَّزه وتجريه فى العروق، وتُجْرِى اللبن فى الضرع، ويبقى الفَرْث كما هو فى الكرش ... خالصا:... من حمرة الدم وقذارة الفرث وقد جمعهما وعاء واحد"[73]. وليس هذا كلاماً علميا، بيد أن مجيئه فى تفسير محترم كتفسير القرطبى ونسبته إلى صحابى جليل مثل ابن عباس يمكن أن يوهما كثيراً من القراء أنه صحيح. والمسألة تتلخص فى أن الطعام بعد مضغة وابتلاعه ينزل إلى المعدة حيث يتم هضمه بوساطة العصارة المعدية، ثم ينتقل بعد ذلك إلى الأمعاء الدقيقة ماراً بالاثنى عشر، وهناك يتم امتصاص المواد الحيوية ونقلها إلى الدم من خلال حلمات صغيرة فى جدار الأمعاء. وهذه المواد الحيوية يحملها الدم إلى الأعضاء المختلفة التى يقوم بعضها بإنتاج مواد خاصة به، ومن هذه المنتجات مادة اللبن التى ينتجها الثدى أو الضرع عن طريق ترشيح الدم الواصل إليه بمساعدة مواد أخرى يفرزها هذا العضو. فالآية لا تعنى أن اللبن يوجد فى المعدة بين طبقة من الدم فوقه وأخرى من الفَرْث تحته كما فهم بعض القدماء، وإنما المقصود أنه يخرج من نفس الطعام الذى يستحيل فى داخل الجسم إلى فَرْثٍ فى الكرش ودم فى العروق.
وفى كلام القرطبى عن قارون وكنوزه الهائلة نجد روايات تعكس إيماناً بقدرة الكيمياء على تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب[74]، وذلك أيضاً غير صحيح. ومن قبل القرطبى بزمن طويل كان الكندى (ت 252 هــــ) يرى أن الاشتغال بالكيمياء للحصول على الذهب مضيعة للوقت، كما نفى ابن سينا (ت 428هــــ) قدرة أصحاب الكيمياء على قلب المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة قلباً حقيقيا[75].
كذلك كان لا بد من تخصيص عدد من الهوامش لمناقشة بعض المسائل اللغوية التى تستدعى إيضاحاً وتمحيصاً أو استدراكاً، فقد قال الدارقطنى مثلا "إن أهل اللغة فرقوا بين "فَرَقْت" مخفَّفا (أى من غير تشديد الراء) و "فَرَّقت" مثقَّلا (أى بالراء المشدّدة) فجعلوه بالتخفيف فى الكلام وبالتثقيل فى الأبدان. قال أحمد بن يحيى بن ثعلبة: أخبرنى ابن الأعرابى عن المفضَّل، قال: فَرَقْت بين الكلامين (مخفّفا) فافترقا، وفرَّقْت بين اثنين، (مشدّدا) فتفّرقا. فجعل الافتراق فى القول، والتفرق فى الأبدان"[76]. والحقيقة أن الشواهد القرآنية تشير إلى أن ذلك، على الأقل، ليس مطردا، ففى قوله تعالى: ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ ﴾[77] وقوله: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾[78] جاء الفعل "فَرَق" مخفّفا لغير الكلام، وفى
قوله عز شأنه: ﴿فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً﴾[79] و ﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾[80] و ﴿وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ﴾[81] استُعْمِل الفعل "فرّق" بالتشديد فى غير الأبدان.
ويقول القرطبى عن "سُبْحان" إنه "لم ينصرف لأن فى آخره زائدتين"[82]، يقصد أنه مختوم بألف ونون زائدتين. بيد أن هذا ليس سبباً فى عدم دخول التنوين عليه، فمجرد زيادة الألف والنون فى نهاية اسم ما ليس كافيا فى منعه من الصرف، بل لا بد من أن يكون هذا الاسم عَلَمّا أو وصفا، ولفظة "سبحان" ليست هذا ولا ذاك. والقرطبى نفسه يقول عقيب ذلك "تقول: سبَّحْتُ تسبيحاً وسبحاناً، مثل: كفَّرت اليمين تكفيراً وكفراناً"، وواضح أن "سبحانا" هنا منوَّنة[83]. كذلك يقول إن سيبويه يجعل العامل فى قولنا: "سبحان الله" "الفعل الذى من معناه لا من لفظه، إذ لم يجر من لفظه فعل، وذلك مثل: قعد القرفصاء، واشتمل الصمّاء"[84]. والواقع أن هذا غير صحيح، فإن هناك فعلاً مشتقاً من لفظ "سبحان" هو "سبَّح"[85] على ما مرَّ فى كلام القرطبى لتوّه، فليس قولنا: "سبَّح سبحانا" مثل قولنا: "قعد القرفصاء، واشتمل الصمّاء" كما لا يخفى، إذ إن كلاً من المفعولين المطلقين فى هاتين الجملتين، وهما "القرفصاء" و "الصمّاء"، ليسا من نفس لفظ "قعد" و "اشتمل".
وفى إعراب كلمة "ثمانين" من قوله جلّ جلاله: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾[86] يقول العلامة القرطبى إنها منصوبة "على المصدر"[87]. وكان ينبغى أن يُكْتَب ههنا هامش يبين أن المقصود بالمصدر هنا هو المفعول المطلق "جَلدة"، الذى حلت كلمة "ثمانين" محلّه فُنصبت بدلاً منه، وصار هو تمييزاً لها.
كذلك كان ينبغى أن يخصَّص هامش لشرح معنى قول القرطبى، فى إعراب الفعل "يطمع" فى قوله عز شأنه مخاطباً نساء الرسول عليه السلام: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾[88]، إنه منصوب "على جواب النهى"[89]، إذ يصعب على القارىء العادى أن يفهم أن المراد هو أنه منصوب بفاء السببية، التى يشبه الفعلُ بعدها الفعلَ الواقع فى جواب الشرط لو جاءت العبارة كالآتى: "فلا تخضعن بالقول، لأنكن إن تخضعن يطمع الذى فى قلبه مرض". كما أورد القرطبى رأياً لم ينسبه لأحد متعلقاً بالضمير "ها" فى قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا﴾[90] نصه: "وقيل: الأجود فى العربية أن يُجْعَل الراجع فى الذاكرة للآخر من الاسمين"[91]. ومعنى هذا الكلام أن القرآن، حينما قال: "إليها" بإعادة الضمير إلى "التجارة" (وهو أو الاسمين، وذلك بدلاً من أن يقول: "وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليه")، قد تنكب الأجود. فكان يجب على القرطبى أن يردّ على هذا، وإذ قد فات القرطبى أن يقوم بهذا الردّ لقد كان ينبغى على لجنة المحققين أن تبيَّن سخف هذا القول، فإن مجرد مجىء هذا الأسلوب فى القرآن يعنى أنه الأجود، وما دام الأساتذة المحققون لم يفعلوا فكان ينبغى ألا يفوت ذلك الأستاذ توفيق الحكيم. وأحسب أن عَوْد الضمير على "التجارة" لا "اللهو" رغم مجيئها أولاً سببُه أن التجارة هى الأساس فى انفضاض الناس عن النبى عليه السلام وهو يخطب، إذ كانت عيرٌ محمَّلةٌ بالبضائع قد أقبلت والنبى على المنبر يوم جمعة، وكانت تصاحبها أصوات موسيقى عرفوا منها بوصول التجارة، التى تركوا المسجد من أجلها لا من أجل الاستماع إلى الطبول والدفوف[92].
والعجيب أنه كان هناك هامش لغوى كتبه محققو "الجامع لأحكام القرآن" نبّهوا فيه إلى سهوٍ نحوىَّ وقع فى قول القرطبى عن نَصّ الآية الثانية من سورة "النور": "فيه اثنان وعشرون مسألة"[93]، إذ كتبوا العبارة التالية: "كذا فى ك"[94]، يقصدون أن العدد "اثنان" قد جاء فى النسخة المرموز لها بالحرف "ك" بصيغة المذكر، والصواب أن يكون مؤنثاً لأن تمييزه مؤنث، لكن هذا الهامش حُذِف من "مختار" الحكيم، وكان ينبغى أن يُبْقَى عليه.
ومن مسائل العقائد والتشريع التى كانت تحتاج إلى أن يعلَّق عليها فى الهامش قول القرطبى فى مريم عليها السلام: "والصحيح أن مريم نبيه لأن الله أوحى إليها بواسطة الملَك كما أوحى إلى سائر النبيين"[95].
ذلك أن تكليم الملائكة لها لم يكن لتبليغها النبوة بل لتبشيرها بأن الله اصطفاها لعبادته وطهّرها على نساء العالمين ولأَمْرِها بالقنوت والسجود والركوع مع الراكعين كما جاء فى الآية الثانية والأربعين من "آل عمران"، وهى الآية التى قال القرطبى فى التعليق عليها ما قال. وهناك آية أخرى (وهى الآية 45 من "آل عمران") تذكر بشارة الملائكة لها بأنها ستحمل بعيسى، وهذا كل ما هنالك. ولو كان الملائكة قد كلَّموا مريم لتبليغها أنها نبيه لذُكِر ذلك صريحا فى الآية. بل إن القرآن والحديث ليخلوان خلوا تاما من أية إشارة لنبوتها هى أو غيرها من النساء. وأكبر ما وُصِفت به مريم فى القرآن الكريم أنها "صِدَّيقة"، أما النبيّان اللذان وُصِفا بذلك فقد شُفِعت هذه الصفة فى حالتهما بالنبوة. وهذان النبيان هما إبراهيم وإدريس عليهما السلام، الذى قيل فى كل منهما: "إنه كان صِدِّيقا نبيا"[96]، أما غيرهما ممن ليسوا بأنبياء فقد نُعِتوا بالصدَيقية لا غير[97]. ومما له دلالته القوية فى هذا السبيل أن الآية 75 من سورة "المائدة" قد وصفت عيسى عليه السلام بأنه "رسول"، على حين لم تذكر عن مريم، عقب ذلك مباشرة، إلا أنها "صدِّيقة". وهذا نص الآية: ﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾. ولو كانت نبيه لذكر القرآن ذلك قائلا مثلا: "ما المسيح بن مريم وأمُّه إلا نبيان"، وبخاصة أن مريم كانت ولا تزال تؤلَّه معه عند طوائف كثيرة من البشر على ما تشير إليه الآية 119 من نفس السورة. كذلك فعندما يذكّر المولى سبحانه عيسى عليه السلام بالنعمة التى أنعم بها عليه وعلى أمّه يفرد عيسى وحده بأنه أيده بروح القدس ولا يذكر ذلك لأمه[98]. إننا حين ننفى عن مريم عليها السلام النبوة لا نريد أن نغض من شانها. وكيف يكون ذلك والله قد كرَّمها وفضّلها أيما تفضيل؟ كل ما هنالك أننا نتمسك بالمنهج العلمى، إذ ما دام الله ورسوله لم يذكرا أنها نبيّه مع توفر كل الدواعى والسياقات لهذا الذكر (لو كانت فعلاً كذلك) فهى إذن ليست نبيه[99].

وقد ذكر القرطبى، فى أثناء تفسيره لقوله تعالى: ﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ﴾[100]، "أن الفرائض لا يدخلها رياء، والنوافل عرضة لذلك"[101]، وليس الأمر كذلك فى الواقع، فالرياء يمكن أن يدخل الفرائض أيضاً. وما أكثر الذين لا يصلّون الصلوات الخمس أو لا يخرجون الزكاة مثلا، فإذا اطَّلع عليهم مطّلع أحبوا أن يُعْرَف عنهم أنهم يؤدون العبادات! ومثلهم الذين يذهبون للحج بغية استكمال الوجاهة الاجتماعية. والقرطبى نفسه يتكلم فى موضع آخر عن الرياء فى العبادة دون تفريق بين فرض ونافلة، وذلك "أن يفعل (الشخص) شيئا من العبادات التى أمر الله بفعلها له لغيره"، ثم يعقب بأن ذلك "مُبطل للأعمال، وهو خفىّ لا يعرفه كل جاهل غبىّ". وهو يسوق فى ذلك الأحاديثَ النبوية مثل قوله عليه السلام: "الشّرك الخفىّ أن يقوم الرجل يصلّى فيزيّن صلاته لما يرى من نظر رجل"[102].
وهو عند تناوله لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً﴾[103] يخطّىء القَدَرية فى قولهم: "إن الحذر يدفع ويمنع من مكائد الأعداء، ولو لم يكن كذلك ما كان لأمرهم بالحذر معنى"، ويرد عليهم قائلاً: "ليس فى الآية دليل على أن الحذر ينفع من القدر شيئاً، ولكنّا تُعُبِّدنا بألا نلقى بأيدينا إلى التهلكة. ومنه الحديث: "اعقلها وتوكل"، وإن كان القدر جاريا على ما قُضِى، ويفعل الله ما يشاء. فالمراد منه طمأنينة النفس لا أن ذلك ينفع من القدر، وكذلك أخذ الحذر. والدليل على ذلك أن الله تعالى أثنى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: "قل: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا". فلو كان يصيبهم غير ما قضى عليهم لم يكن لهذا الكلام معنى"[104]. ويبدو لى أن القرطبى ومن يلفّون لفّه يظنون أن الإنسان إذا ما أخذ حذره بهدف النجاة من شرّ يخاف أن يحيق به إنما يعاند الله وتحدى قدره، بينما الحقيقة أنَّ أَخْذ الحذر هو أيضاً داخل فى قضاء الله وقدره. إن القضاء والقدر، فيما أفهم، هو نتيجة اصطراع أو تعاون العوامل المتعلقة بالأمر الذى يشغل الإنسان بعضها مع بعض. وقد يحدث مع ذلك أن يأخذ الإنسان حذره ثم تكون النتيجة بخلاف ما خطّط وتوقع، فما السبب؟ السبب هو أن العوامل المناوئة قد تكون أقوى وأشد، او أنه لم يأخذ الحذر الكافى أو غَفَل عن التنبه لبعض العوامل المذكورة لخفائها عليه أو لتعجّله أو لعدم تقديره لحجمها التقدير الصحيح، أو ربما تدخَّل فى آخر لحظةٍ عاملٌ لم يكن فى الحسبان فقلب الموازين... إلخ. ولكن الملاحظ أن الحاذرين بوجه عام يحصلون على نتائج أفضل من الكسالى والمهملين، وهذا لا ينكره إلا مكابر. ومن هنا تعبَّدَنا الله، كما يقول القرطبى نفسه، بألا نلقى بأيدينا إلى التهلكة. وليس أمر الله سبحانه إيانا بأخذ الحذر لمجرد طمأنة النفس كما يظن رحمه الله، وإلاَّ كان معنى هذا أن من يشعر بالطمأنينة من تلقاء ذاته كان هذا الشعور جديرا بأن يُعْفِيَه عن الاستعداد وأخذ الحذر. ولا يقول بهذا عاقل. وصحيح أنه لا يصيب أحداً إلا ما كتبه الله له، ولكن ما كتبه الله له يدخل فيه حذره واجتهاده واستعداده. فإذا تيقظ للخطر واجتهد فى درئه واستعد لملاقاته كانت النتيجة فى الغالب مختلفة عما لو أهمل واتكل وتمنى على الله الأمانى. وكله مما كتبه الله له. وما أحصف عمر بن الخطاب وأعمق فهمه لمسألة القضاء والقدر حين قال ردّا على من اعترضوا على عدم دخوله بلداً كان الطاعون قد أصابه ظناً منهم أنه يفرُّ من قضاء الله: "أفِرّ من قضائه إلى قضائه"! بل إن فراره نفسه لهو قضاء من قضاء الله. ترى لو قعد الرسول عليه السلام وصحابته مثلا فى بيوتهم مطمئنين ولم يأخذوا حذرهم ويُعِدّوا العُدّة لملاقاة أعدائهم، أكانوا سينتصرون وينتشر دينهم فى أرجاء الأرض؟ أيظن ظانٌّ أن كل هذه المعارك الطاحنة التى خاضوها وجميع هؤلاء الشهداء الذين سقطوا إنما كان لمجرد حصولهم على الطمأنينة؟
كذلك ففى المسألة الخامسة من المسائل التسع التى أوردها القرطبى فى تفسير الآية التاسعة والعشرين من سورة "النساء" نجده رحمه الله يقول: "لو اشتريتَ من السوق شيئا فقال لك صاحبه قبل الشراء: "ذُقْه وأنت فى حِلّ" فلا تأكل منه، لأن إذنه بالأكل لأجل الشراء، فربما لا يقع بينكما شراء فيكون ذلك الأكل شبهة. ولكن لو وَصَف لك صِفَته فاشتريته فلم تجده على تلك الصفة فأنت بالخيار"[105]. والواقع أن هذا غلوّ فى التحرج لا معنى له، فالبائع قد أذن للشارى بأن يذوق ما يبيعه له من طعام، وهو قد وضع فى حسابه منذ البداية أن يذيق المشترين جزءاً مما يبيعه كنوع من الدعاية له وإغراء الناس بشرائه. وقد أصبح الإعلانُ عن السلع والدعايةُ لها فَنّاً تُنْفَق عليه المبالغ الطائلة بُغْيَة التعريف بها والترويج لها، وكل بائع يعرف أن ما ينفقه فى هذه الإعلانات يعود عليه بأضعافه مكاسب. ثم إن التذوق المسبق يوفّر الوقت والجهد، ويجنّب الطرفين النزاع... إلخ. وكم من مشاكل ومتاعب تحدث كل يوم بسبب عدم تذوق الشارى لسلع الطعام قبل شرائها! فالخطة التى يصفها القرطبى ليست هى الخطة المثلى.
وكنتُ أحب أيضاً أن تُطْرَح للمناقشة مسألة المبلغ الذى لو سرقه سارق أو سرق ما يساويه من متاع أو طعام مثلا قُطِعَتْ يده: هل هو مبلغ محدَّد على مدى العصور المختلفة: ربع دينار ذهبا ودرهمان فضة مثلاً؟ أو هل ينبغى أن يراعَى مستوى المعيشة ومتطلبات الحياة مما يختلف من عصر لعصر ومن مجتمع إلى آخر؟ ذلك أن المبلغ الذى يقام على سارقه الحدَ يُذْكَر فى كتب الفقه والتفسير والحديث على أنه شىء ثابت مطلق لا علاقة له بالمجتمع الذى تمت فيه السرقة وظروف الحياة المعيشة فيه[106].
وقد ضيَّق القرطبى، رضى الله عنه، واسعاً حين استدلَّ بقوله جلّ من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾[107] على تحريم اللعب بالنَّرْد والشطرنج سواء أكان فيه قمار أم لا، قائلاً إن " كل لهو دعا قليله إلى كثيرٍ وأوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه وصَدَّ عن ذكر الله وعن الصلاة فهو كشرب الخمر وأوجب أن يكون حراماً مثله"[108]. إن كثيراً من علماء الدين والمتدينين للأسف يظنون أن التمسك بالدين يستلزم التجهم فى وجه الحياة وإعنات العباد وحرمانهم من ألوان الترفيه، التى من شأنها أن تُذْهِب الملل وتجدّد نشاط الإنسان وتجمّل الحياة فى عينيه وتُنْسيه شيئا من همومه وأسباب قلقله. والنص القرآنى الذى بين أيدينا لم يحرَّم من اللعب إلا ما كان مَيْسرا، فما معنى القفز منه إلى تحريم ما ليس بمَيْسر؟ إن التعلل بأنه قد يثير الشحناء والبغضاء ليس بشىء، إذا ما من أمر من أمور الحياة، حتى العبادات والمناقشات العلمية والأعمال الخيرية، إلا ويمكن أن يفجِّر من الشحناء والبغضاء مثل ما يفجَّره اللعب بالنرد والشطرنج بل أكثر، فهل يصلح أن يكون هذا داعياً إلى تحريمها؟ إذن فلن يعمل البشر شيئا لأن البغضاء باقية فى الأرض ما بقيت الدنيا! كذلك ليس بشىء قوله رحمه الله: "وأيضا فإن ابتداء اللعب يورث الغفلة فتقوم تلك الغفلة المستولية على القلب مكان السُّكْر. فإن كانت الخمر إنما حُرَّمت لأنها تُسْكِر فتصدّ بالإسكار عن الصلاة فليحرم اللعب بالنَّرْد والشطرنج لأنه يُغْفل ويُلْهى فيصدّ بذلك عن الصلاة"[109]. ذلك أن كثيراً من الأمور، حتى التى يحضّ عليها الدين ويُعْظِم أجرها، يمكن أن تؤدى إلى نفس النتيجة، كالسعى على المعاش مثلاً والاستغراق فى البحث العلمى. وليس يقول أحد إن هذا مدعاة لتحريمها. ثم إنه ليس صحيحاً أن لعب النرد أو الشطرنج يؤدى بالضرورة إلى الغفلة عن الصلاة وعن ذكر الله. فكان ينبغى أن يشار، ولو بإيجاز، إلى هذا فى الهامش حتى لا يظن أحد أن كلام القرطبى هو حكم الإسلام القاطع فى هذه المسألة.
وأخيرا فهناك فى "مختار تفسير القرطبى" عدد من المفاهيم الضيقة أو البالية التى كان ينبغى على صاحب "المختار" أن يقول بشأنها للقارىء العصرى كلمةً توضح وجه الدقة أو الصواب فيها: من ذلك مثلاً أنه يتحدث عن مضارّ الإسراف فى الأكل فيذكر أنه يترتب عليه كثرة الشرب، ومن ثَمّ ثقل المعدة وكسل الشخص عن "خدمة ربه" وعن الأخذ بحظه من نوافل الخير[110]، وكأن هذا هو كل أخطار الإكثار من تناول الطعام. لقد أصبح معروفاً الآن ما يمكن أن تؤدى إليه كثرة الطعام والشراب من أمراض كعسر الهضم والسمنة والسكّر، فكان ينبغى أن ينبَّه القارىء العصرى إلى هذا حتى لا يظنَّ أن المسألة تتعلق بالتكاسل عن العبادات وحسب، وأن الإسلام لا يهتم بها إلا فى هذا النطاق ولا يبالى بصحة الفرد وراحته فى الدنيا.
كما نقل القرطبى ما قيل عن "الأسباب التى يُطْلَب بها الرزق" وأنها ستة لا غير: وهى كسب النبى عليه السلام من الغزو فى سبيل الله، وأكْلُ الرجل من عمل يده، والتجارة، والحرث والغرس، وإقراء القرآن وتعليمه والرُّقية، والأخذ من الناس بنيّة الأداء عند الحاجة[111]. ولست أدرى لماذا حصرها فى هذه الأسباب الستة، فأسباب الرزق لا حصر لها: ومنها تأليف الكتب وتعليم الطلاب والصيدلة والطبّ ومسح الأرض الزراعية والقضاء وعقد القران وكسح المجارى والخدمة فى البيوت وتربية الأطفال وتمريض المرضى وكنس الشوارع وقيادة السيارات وإصلاح الآلات وتأجير المساكن والعمل فى جمع الزكاة وتوزيعها وإمامة الصلاة فى المساجد والإرشاد السياحى والمحاماة وتقديم الاستشارات الفنية والتمثيل والغناء وطهو الطعام ورصف الطرق والطباعة والتجليد وشقّ الترع والمصارف... إلخ إن كان لذلك من آخر. وكلما تقدّم الزمن ازدادت الأسباب التى يُطْلَب بها الرزق وتعقدت، فلا معنى إذن لحصرها فى ستّة.
وبمناسبة الحديث عن الأعمال والصناعات والحِرَف فقد تكلم القرطبى، أثناء تناوله لقوله تعالى على لسان قوم هود له: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾[112]، عن الحكم فيما لو قالت المرأة لزوجها: "يا سَفِلة" فرد عليها قائلا: "إن كنتُ منهم فأنت طالق"، إذ حكى رحمه الله ما رواه النقاش من "أن رجلاً جاء إلى الترمذى فقال: إن امرأتى قالت لى: يا سَفِلة فقلتُ لها: إن كنت سَفِلة فأنت طالق. قال الترمذى: ما صناعتك؟ قال: سمَّاك. قال: سَفِلة والله!"[113]. إن هذه نظرة خاطئة تماماً لأصحاب الحِرَف، وهى تعاكس روح الإسلام التى تمجّد كل عمل نافع للعباد. ومما له مغزاه أن بعض رسل الله كانوا يَرْعَوْن الغنم، ومنهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. وقد كان بعض الصحابة جزّارين، والجزارة والسماكة قريب من قريب، فهل يصح لأحد أن يقول عنهم ما قاله الترمذى لذلك الزوج المسكين الذى كان ينبغى أن يحظى منه بالتعاطف وتطييب الخاطر وتطمينه بأن الطلاق لا يقع لأنه صاحب عمل شريف وليس من السفلة، بدلا من أن يحقّره ويسارع إلى إيقاع طلاقه من زوجته وهدم بيته وتشريد أسرته؟ أن هذا ليس من الفقه فى قليل أو كثير. إن ذلك السمّاك لهو أقرب إلى الله سبحانه من أى حاكم أو أمير أو وزير يسرق أموال المسلمين ثم يستعلى عليهم، ورائحة الزفارة المنبعثة منه قد تكون عند الله أطيب من ريح المسك. أليس يكسب بالسِّمَاكة عيشة وعيش أولاده ويُعِفّ نفسه عن السرقة وسؤال الآخرين؟ إن هذا من أرفع ألوان العبادة فى ديننا، فلم تُقْلَب الموازين فى أيدى بعض الفقهاء؟ أيريدون أن يهجر السمّاك والجزار والخادم والزبَّال وكاسح المراحيض وأمثالهم حِرَفهم حتى ينفوا عن أنفسهم المهانة. فمن ذا الذى سيقوم بهذه الأعمال إذن؟ أخشى أن تكون هذه النظرة إلى أرباب الحرف امتداداً لقول الكفَّار من قوم هود لنبيهم عمن آمن به ممن يفتقرون إلى ما تعورف عليه باسم "الوجاهة الاجتماعية": "ما نراك اتَّبعك إلا الذين هم أراذلنا بادِىَ الرأى".
كما يستدل القرطبى خطأ من قوله صلى الله عليه وسلم: "من ابْتُلِىَ من البنات بشىء فأحسن إليهن كُنَّ له سترا من النار" على "أن البنات بليّة"[114]. إن النبى لا يقصد بالابتلاء هنا أنهن مصيبة، وإلا كان معنى هذا أن عدم إنجابهن أفضل وأن مصيبته عليه السلام فى هذا كانت من الفداحة بمكان، إذ لم يعش له من أطفاله إلا البنات! إنما المراد بالحديث الشريف هو أن من قُدَّر له أن ينجب من البنات شيئا فتلقى هذا الأمر كما ينبغى أن يتلقاه المسلم الحق والرجل المتحضر العاقل الذى يفهم الحياة حق الفهم وربّاهن تربية حسنة كان أجره عند الله الجنة. إن الرسول بهذا الحديث وأمثاله إنما يكافح المفهوم الجاهلى المتخلف والغبى الذى كان ينظر إلى البنات على أنهن عارٌ وبليه، لكن القرطبى، رضى الله عنه، يعكس الآية ويفسّر الحديث النبوى الكريم على نحو يوحى بأن الرسول عليه السلام يرى فيهن ما كان يراه الجاهليون، وإن اختلف أسلوب معاملتهن عنده عن أسلوب معاملتهن عندهم. ترى كيف يكون إنجاب الإناث بلية، والمرأة والرجل مخلوقان من نفس واحدة كما جاء فى قوله تعالى ﴿خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا﴾[115]، وكما جاء أيضاً فى قول الرسول الكريم: "النساء شقائق الرجال"[116]؟ وكيف يكون بلية وقد أخبرنا الرسول عليه السلام أن حق الأم على ابنها أسبق من حق الآب وآكد؟[117]؟ إن المرأة هى نصف المجتمع، بل إن نسبة الإناث فى كثير من المجتمعات تفوق النصف، كما أنها وعاء الحياة. أليست هى التى تحمل الجنين فى بطنها تسعة أشهر؟ فكيف تستمر الحياة بدونها؟ بل كيف يقال أن أنجابها بلية؟ وماذا يفعل الرجل وحده إذا تلفّت فوجد الحياة قد خلت من شريكة حياته والنصف الذى يكمّل نقص وجوده؟
وبعد، فهذا "مختار تفسير القرطبى"، وأرجو أن أكون قد تمكنت من جلاء صورته وتبيين حقيقته. ولا يحسبن القارىء الكريم أننى، بما نبّهت عليه من ملاحظات، أريد أن أقلّل من شأنه. كلا، فلست بالذى يجهل أو يجرؤ على أن يتجاهل لمفسّر كبير كالقرطبى قدره ومكانته بين الفقهاء والمفسرين وأصحاب الأساليب: فعبارته سمحة، وتراكيبه قارّة لا يشينها تعقيد أو غموض أو ركاكة أو تحذلق برغم أنَّ معظم تفسيره إنما هو فقه أو ما إلى الفقه بسبيل، ومباحث الفقه لا تساعد على نداوة الأسلوب إلاَّ إذا كان الكاتب فحل الأداء. والرجل واسع الثقافة الدينية واللغوية. وهو ليس ضيق العطن، بل يعرض الآراء المختلفة فى هدوءٍ وطول بال، وإذا أبدى رأيه أبداه فى سكينه وثقة وتواضع. فإذا كنتُ قد أخذتُ عليه بعض الأشياء فإن الدافع هو غيرتى على هذا العمل الشامخ وتمنِّىَّ لو كان قد جاء مبرّأ من كل نقص. ولكن هذه هى طبيعة البشر وما ينجزون.
وما فعله الأستاذ الحكيم هو رغم كل شىء صنيع مشكور، فقد أتاح للقارىء العادىّ على الأقل فرصة طيبة ليصحب القرطبى ويتعرف على فكره ومنهجه فى التفسير ويتذوق حلاوة أسلوبه من خلال ذلك المجلّد الواحد الذى انتقاه من تفسير العلامة الأندلسى ذى المجلدات العشر الضخام.

[1] القرطبى من أهل القرن السابع الهجرى، وقد توفى عام 671هــــ.

[2] صدر كتاب "مختار تفسير القرطبى الجامع لأحكام القرآن" فى 1977م.

[3] يمكن الرجوع إلى الفصل الذى حلّلتُ فيه تلك القصة وسلّطت الضوء على إيفان هذا ومناقشاته مع محسن، وذلك فى الصفحات 91- 110 من كتابى "فصول من النقد القصصى"/ ط2/ 1987م.

[4] انظر فى تحليل هذه المسرحية "Drama, 1972, pp. 370- 371 Mc Graw- Hill Encyclopaedia of World"، ويجد القارىء نبذه عنها فى كتابى "نظرات إسلامية فى الموسوعة العربية الميسرة"/ مكتبة السوادى/ جدة/ 1415هــــ ــــــ 1995م/ 82.

[5] ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب/ 1987م، وهى مصورة عن الطبعة الثانية التى أصدرتها دار الكتب المصرية فى 1372هـــ ــ 1952م.

[6] توفيق الحكيم/ مختار تفسير القرطبى الجامع لأحكام القرآن/ الهيئة المصرية العامة للكتاب/ 1977م/ الصفحة الأولى من الكلمة التى صدر بها المجلد تحت عنوان "هذا الكتاب".

[7] انظر الصفحة الأولى من "مقدمة صاحب المختار".

[8] الموضع السابق.

[9] ص2 من "مقدمة صاحب المختار".

[10] الشورى/ 13.

[11] آل عمران/ 3.

[12] البخارى/ مناقب/ 18، ومسلم/ فضائل/ 20، 22، 23، والترمذى/ أدب/ 77، وابن حنبل/ 2/ 137، 256، 257، 312، 381، 398، 412، و3/ 5، 91.

[13] سبق أن تناولت هذه المسألة فى كتابى "مصدر القرآن ـ دراسة لشبهات المستشرقين والمبشرين حول الوحى المحمدى"/ 217ــ 252 (فصل "مقارنة بين القرآن والأديان الأخرى").

[14] المائدة/ 48.

[15] ص 3-4 من "مقدمة صاحب المختار".

[16] ص 4. وبالمناسبة فالقرآن يقول: "روح القدس" لا "الروح القدس" كما تكرر فى كلام الحكيم جريا، فيما يبدو، على التسمية النصرانية.

[17] ص 67- 68. وقد وضع الحكيم هذا النص تحت عنوان "فى الروح القدس".

[18] ص 235- 237، وذلك تحت عنوان "فى مريم".

[19] ص 236.

[20] ص 7 من "مقدمة صاحب المختار".

[21] انظر ص 848 من "مختار تفسير القرطبى".

[22] ص 5-6 من "مقدمة صاحب المختار".

[23] ص 9 من المقدمة المذكورة.

[24] نفس الموضع.

[25] من هذه الكتب تفسير الجصاص (الحنفى)، وتفسير الكياالهراسى (الشافعى)، وتفسير ابن عربى (المالكى). وقد سمّى كل مؤلف من هؤلاء تفسيره بــ "أحكام القرآن". ومن هذا النوع من التفاسير أيضاً "كنز العرفان فى فقه القرآن" لمقداد السيورى (الشيعى الإمامى)، و "الثمرات اليانعة والأحكام القاطعة" ليوسف الثلاثى (الزيدى).

[26] يمكن الرجوع فى التعريف بتفسير القرطبى إلى ما كتبه القرطبى نفسه فى مستهل كتابه، وإلى مقدمة الطبعة الثانية من هذا التفسير، التى كتبها أحمد عبد العليم البردونى، وكذلك د. محمد حسين الذهبى/ التفسير والمفسرون/ 123- 130، و د. محمد محمد أبو شهبة/ الإسرائيليات والموضوعات فى كتب التفسير/ مكتبة السنة/ ط4/ 1408هــ/ 136- 137، وأبو اليقظان عطية الجبورى/ دراسات فى التفسير ورجاله/ دار الندوة الجديدة/ ط3/ 109- 111. وهناك رسالة علمية كاملة عن القرطبى وكتابه للدكتور القصبى محمود زلط ، وعنوانها "القرطبى ومنهجه فى التفسير"، وقد نشرتها دار القلم بالكويت فى 1401هــ ـــــ 1981م.

[27] انظر مقدمة الرازى لــ "مختار الصحاح"، والصفحةَ الأولى من الكلمة التى صدَّر بها توفيق الحكيم مختاره من تفسير القرطبى بعنوان "هذا الكتاب".

[28] ممَّن قارن بين المعجمين المذكورين د. حسين نصار (المعجم العربى- نشأته وتطوره/ دار مصر للطباعة/ ط2/ 1968م/ 2/ 504- 506) و د. عبد السميع محمد أحمد (المعاجم العربية- دراسة تحليلية/ دار الفكر العربى/ الكتاب الأول/ 94- 99).

[29] ص1 من التصدير المعَنْوَن بـــ "هذا الكتاب".

[30] انظر مقدمة د. الجلنيد للتفسير المذكور/ دار الأنصار/ 1398هـــ ــــ 1978م/ 1/ 6- 7.

[31] ص 204 وما بعدها.

[32] ص 248- 251.

[33] ص 570 وما بعدها.

[34] أى القيام بالمونتاج.

[35] النساء/ 71.

[36] قارن بين ص 273- 274 من الجزء الخامس من الأصل وص 311 من "مختار تفسير القرطبى".

[37] ص 511.

[38] ص 619.

[39] ص 493.

[40] ص 164.

[41] ص 381.

[42] ص 648.

[43] ص 551.

[44] لقمان/ 27- 28.

[45] ص 626.

[46] ص 437.

[47] ص 491، 493.

[48] فى مقدمة الطبعة الثانية من تفسير القرطبى، التى كتبها أحمد عبد العليم البردونى، إشارة إلى عدد من الروايات ذات الطابع الإسرائيلى فى ذلك التفسير.

[49] أى المرضى مرضاً مُزْمِنا/ ص 152.

[50] الأزلام هى السهام التى كان الجاهليون يحاولون عن طريقها اتخاذ قرار فى ما يريدون الإقدام عليه من الأمور الهامة/ ص 166.

[51] وهو الأمر الذى ينبغى على المسلم الالتزام به كما نزل من السماء، على عكس "الرأى"، وهو ما كان مجاله التفكير البشرى لأنه لم ينزل فيه شىء من الوحى الإلهى/ ص 201.

[52] ومعناه انتصاب الذَّكَر/ ص 482- 483.

[53] ص 75. وقد جاء فى هذه الرواية أن ذلك الساحر أيضا كان يمشى على الحبل. وقد أصبح المشى على الحبل الآن "نِمْرَة" معتاد فى برامج السيرك. ولذلك حذفْتُ هذه الإشارة، إذ ليس في الأمر أى شىء خارق يلحقه بالسحر على ما كان يفهمه القدماء، بل هو مجرد تدريب شاق ومتكرر على هذا العمل.

[54] ص 77- 78.

[55] إننى أميل إلى هذا الرأى الأخير. ولقد تحديت عدداً من الذين يؤمنون بذلك أو يزعمون أنهم يقدرون على فعله، ولكنى لم أجد عندهم إلا المراوغة أو التظاهر بأنهم لا يحبون أن يؤذونى.

[56] ص 77- 78.

[57] ص 621.

[58] انظر ص 8- 9 من "مقدمة صاحب المختار".

[59] ص 848- 849.

[60] ص 85- 86.

[61] بل إن مكة، حيث توجد الكعبة، ليست على خط الاستواء، الذى يقسم الكرة الأرضية بالعرض نصفين متساويين بل تقع بين خطى عرض 21 و 22 شمال ذلك الخط.

[62] الرعد/ 3.

[63] ص/ 443.

[64] تُوُفِّى فى 218هـــ.

[65] انظر خير الدين التونسى/ مقدمة كتاب "أقوم المسالك فى معرفة الممالك"/ تحقيق د. معن زيادة/ دار الطليعة/ بيروت/ 1978م/ 136، و د. عمر فروخ/ تاريخ العلوم عند العرب/ دار العلم للملايين/ بيروت/ 1390هــ ـــ 1970م/ 161، 167، 170، 172، 177، 195، 202، 207. ويجد القارىء رأى ياقوت الحموى (وكان معاصرا للقرطبى) فى الباب الأول من الأبواب الخمسة التى مهدّ بها لمعجمه، وعنوانه: "فى صفة الأرض وما فيها من الجبال والبحار وغير ذلك"، حيث يعرض النظريات المختلفة فى شكل الأرض ويختار القول بكرويتها مؤكدا أن ذلك لا يتنافى مع ما فيها من تضاريس الجبال والوهاد، إذ العبرة بالشكل الكلىّ. وانظر أيضاً كتابى "من ذخائر المكتبة العربية"/ دار النهضة العربية/ 1414هــ ــ 1993م/ 160-161.

[66] أبو حيان/ البحر المحيط/ دار الفكر/ ط2/ 1403هــ ـــ 1983م/ 5/ 361.

[67] النحل/ 14.

[68] ص 456.

[69] فاطر/ 12.

[70] انظر مثلا ترجمتَىَّ رودويل (The Koran) ورودى باريت (Das Koran) عند ترجمتهما لهذه الآية.

[71] انظر فى ذلك مادة "pearl" فى Encyclopaedia Britannica, cd. 14 وترجمة عبد الله يوسف على الإنجليزية للقرآن الكريم فى الهامش الذى خصصه لآية سورة "فاطر"، وكذلك "المنتخب فى تفسير القرآن الكريم" فى تفسير الآية المذكورة، وكتابى "مصدر القرآن – دراسة لشبهات المستشرقين والمبشرين حول الوحى المحمدى"/ 288- 292.

[72] الفَرّث: بقايا الطعام فى الكرش.

[73] ص 464.

[74] ص 620.

[75] انظر د. عمر فروخ/ تاريخ العلوم عند العرب/ 246، 253.

[76] ص 277.

[77] البقرة/ 50.

[78] المائدة/ 2.

[79] الأنعام/ 159، والروم/ 32.

[80] البقرة/ 285.

[81] النساء/ 150.

[82] ص 494.

[83] ومع ذلك فقد استشهد سيبويه ببيت الأعشى التالى:
أقول لمّا جاءنى فَخْرُهُ سُبْحانَ مِنْ علقمةَ الفاخِرِ
ثم استطرد معلقا على ترك التنوين فى هذا البيت بأنه "إنما تُرِك صرفة لأنه صار عندهم معرفة" (الكتاب/ المطبعة الاميرية ببولاق/ 1316هــ/ 1/ 163). وأعتقد أن هذا تكلف فى تفسير البيت، وأفضل من ذلك عندى أن نقول إن الشاعر قد حذف المضاف إليه، وهو لفظ الجلالة، إذ إن كلمة "سبحان" وحدها لا تفيد معنى التعجب الذى يريده الشاعر لأن معناها "تنزيها"، وكلمة "تنزيها" وحدها لا تعنى شيئا فى هذا السياق. وقد ورد هذا اللفظ منوّناً فى بيت لأمية بن أبى الصلت استشهد به أيضاً سيبويه، وهو:
سبحانه ثم سبحاناً يعود له وقبلنا سبَّح الجودىُّ والجَمَدُ
(الكتاب/ 1/ 64). والملاحظ أنه لما قطع أمية لفظ "سبحان" عن الإضافة إلى لفظ الجلالة ونوَّنه جاء بعبارة "يعود له" عوضاً عن ذلك. وهذا يؤكد ما سبق أن قلته من أن هذا اللفظ فى بيت الأعشى مقدَّر الإضافة إلى "الله".

[84] اشتمل الصمَّاء: غطى يده اليسرى وعاتقه الأيسر بكسائه من جهة يمينه، ثم أداره من خلفه فغطَّى به يده اليمنى وعاتقه الأيمن.

[85] الذى فى "كتاب" سيبويه هو التالى : "خُزِل (أى حُذِف) الفعل ههنا لأنه بدل من اللفظ بقوله: "أُسَبَّحك" (الكتاب/ 1/ 163). وظاهرٌ أن هذا الكلام لا يتسق مع كلامه السابق.

[86] النور/ 4.

[87] ص 576.

[88] الأحزاب/ 32.

[89] ص 664.

[90] الجمعة/ 11.

[91] ص 829.

[92] انظر القصة فى ص 827- 829.

[93] ص 557.

[94] الجامع لأحكام القرآن/ مجلد6/جـ2/ ص 159/ هــ 1.

[95] مختار تفسير القرطبى/ 235-236.

[96] مريم/ 41، 56.

[97] انظر الايتين 69 من "النساء" و 19 من "الحديد". وكان أبو بكر، رضى الله عنه، يُعْرَف هو أيضاً بــ "الصِّدِّيق".

[98] المائدة/ 110.

[99] يجد القارىء مناقشة مطوّلة لدعوى النصارى أن مريم (أخت موسى) وحنّة وسارة ورفقة كن نبيات وتخطئتهم القرآن لقوله للنبى عليه السلام: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" فى كتابى "مع الجاحظ فى رسالة الرد على النصارى"/ مكتبة زهراء الشرق/ 1419هــ ــ 1999م/ 99-115 تحت عنوان "نبوة النساء".

[100] البقرة/ 271.

[101] مختار تفسير القرطبى/ 201.

[102] ص 294.

[103] النساء 71.

[104] ص 311.

[105] ص 274.

[106] انظر ص 318 وما بعدها.

[107] المائدة/ 90-91.

[108] ص 358.

[109] نفس الصفحة.

[110] ص 373.

[111] ص 399-400.

[112] هود 27.

[113] ص 439.

[114] ص 461.

[115] الأعراف/ 189. وقد جاء هذا المعنى بنفس العبارة تقريبا فى "النساء"/ 1، و "الزمر"/ 6.

[116] الترمذى/ طهارة/ 82.

[117] البخارى/ أدب/ 2، ومسلم/ برّ/ 1، 2، 4، وابن ماجة/ أدب/ 1، ووصايا/ 4، وابن حنبل/ 2/ 327، 5/ 3، وأبو داود/ أدب 120.