الانتخابات الامريكية والدولة العميقة.

لكي نحدد قواعد الفهم للديموقراطية الامريكية التي يتصارع من خلالها ويتنافس حزبين الديموقراطي والجمهوري على رئاسة الفدرالية الامريكية المكونة من 50 ولاية لكل ولاية نظمها وقضائها الخاص والذي ينسجم مع فكرة الدولة الاتحادية التي تعرف بالولايات المتحدة الامريكية . وباعتبار ان امريكا رأس الرأسمالية في العالم التي تصل الى حد التعريف الامبريالي بالمفهوم الماركسي يقودها هذين الحزبين من خلال انتخابات مدتها 4 سنوات لكل فترة رئاسية تحدد فيها هوية واسم رئيس امريكا سواء من الحزب الديموقراطي او الجمهوري ، ويحق للرئيس ان يرشح نفسه لفترتين رئاسيتين ،ولكن من يقود امريكا فعليا ومن هم المتحكمين في الدولة الامريكية العميقة ، بالتاكيد ان قطاعات الاعمال والمقاولات والشركات الكبرى التي يقدر عددها 55 شركة عالمية في كافة القطاعات الصناعية والبترولية والتكنولوجية بما فيها صناعة الاسلحة هي التي تتحكم في مسارات الحزب الديموقراطي والجمهوري وهي التي تحدد مسارات الحزب وحاجة امريكا المحلية او الخارجية وخاصة تجارة الحروب الخارجية التي تكون صالحة لتسويق السلاح ومن خلال التدخل المباشر في الحروب مثل الحرب الفيتنامية برئاسة جنسون وحرب 67 او حرب افغانستان والعراق في عهد الاب والابن بوش او في عهد اوباما بتغذية المذهبية والطائفية وما يثار عن فساد في الانظمة الوطنية التي اتت بعد الحرب العالمية الثانية في منطقة الشرق الاوسط في مصر ةليبيا وسوريا والعراق وتونس واليمن ، ومن هنا فكرة السياسة الامريكية الخارجية تفرضها متطلبات القطاع الراسمالي لحاجة امريكا وامنها القومي في البلدان المختلفة وبذات الاهمية منطقة الشرق الاوسط التي كادت ان تحسم فيها ادارة اوباما تغيير واضح في معالم الشرق الاوسط من دخول قوة اقليمية مذهبية كايران المنطقة مقابل الاسلام المعتدل الذي تم من خلاله صناعة الاسلام المتطرف . ومن هنا الوصول الى حالة الفوضى الدموية التي تضع حقيقة ان تصبح الدول دول فاشلة يسهل فرض مستلزمات الامن القومي الامريكي عليها .

الدولة العميقة هي التي تتحرك وتبني برامجها لاربع سنوات قادمة من خلال برامج من يكون لائقا لتنفيذها سواء من الحزب الديموقراطي او الجمهوري من خلال التحكم في عقلية الجمهور في كلا الحزبين من خلال الاعلام والمال الان الحزب الجمهوري دائما لديه شيء من التعصب للجنس الابيض وهذا يبين عنصرية ترامب امام اعتدال الحزب الديموقراطي والاصلاحات في التوازن والعدالة الاجتماعية مع السود والاعراق الاخرى ، ومن هنا اتهم ترامب باحداث انقسام اجتماعي وثقافي في الشعب الامريكي ، والذي يعتبره الديموقراطيون اضعاف للدولة الامريكية ، بالاضافة لاتهامه بالتهاون والخضوع لارادة بوتن في سوريا وتراجع الدور الامريكي ويؤخذ ايضا على الرئيس ترامب عدم التدخل العسكري المباشر بالعمل على تقليصه في منطقة الشرق الاوسط واسيا بشكل عام واعتمد على تغذية الاقتصاد الامريكي بالجباية الخارجية مقابل الامن كما حدث في منطقة الخليج واحداث توازن اقليمي ساخن في منطقة الشرق الاوسط من خلال اثارة وتحفيز الصراع بين ايران والدول العربية ودخول تركيا كطرف ثاني في النفوذ ودخول اسرائيل كقوة اقليمية في المنطقة موازية ، اي سياسة ترامب مع وعود انسحاب من العراق وافغانستان وترك المنطقة لحروب ساخنة وباردة في المنطقة بين ثلاث قوى ايران تركيا اسرائيل تحاول ان تصنع معادلة الحفاظ على التوازن بما يضمن مصالح امريكا في المنطقة .

كل هذا كان لصالح تخفيف المدينونية الداخلية الامريكية التي تعاني منها الخزانة والتي تقدر بــ 28 ترليون دولار ، ولكن يبدو ان احتياجات الامن القومي الامريكي قد تغيرت بعد ان اعطت ركائز اخرى في المنطقة وهي هامة وضرورية بما اثاره ترامب وكوشنير من ما يسمى صفقة القرن واعتراف امريكا بالقدس عاصمة ابدية لاسرائيل وتشريع الاستيطان والتعديلات على منظور الحزب الجمهوري بقيادة ترامب على مفهوم الدولة الفلسطينية المجاورة لاسرائيل بما يختلف عن ايمان الحزب الديمقراطي في عهد بوش الاب والابن وعهد اوباما عن مفهوم الدولة التي قد يكون جانب منها تحت سيطرة الامن الاسرائيلي ولكن بمنظور الدولة المتصلة وليس الكنتونية وهذا هو الفارق ، فيبدو ان السياسة الامريكية او الدولة العميقة لم ترى هناك حاجة لاستمرار ترامب في سياساته الخارجية والداخلية وبما يلبي مصالح الامن القومي الامريكي ، فلقد عهدنا في عهد الديمقراطيين حروب خارجية مباشرة وهذا ما لم يستطع تحقيقه الحزب الجمهوري بقيادة ترامب ، بل اكتفى بالعقوبات وقرارات المقاطعة للمنتوجات الصينية كعدو لدود للاقتصاد الامريكي وللاستراتيجية الامريكية في العالم مما تعتبره الدولة العميقة تراجعات كبرى في منطقة الشرق الاوسط وفي اسيا من قبل الدولة الامريكية التي قللت من اهميتها في العالم ، حيث اتجهت بعض الدول لتنوع السلاح كمصر ودول اخرى وبما ان الصناعات العسكرية الامريكية هي صانعة الحروب في العالم فقد تراجعت كثيرا امام تسويق السلاح من الصين وروسيا .

اذا خسارة ترامب في الانتخابات الامريكية وفوز بايدن هي ضرورة وحقيقة للمجتمع القومي الامريكي ، والحقيقة ايضا انه كان هناك ثلاثة ارباع المجتمع الامريكي للدولة العميقة اعتبرت درامب خارج او ليس وليد المؤسسة الامريكية فهو اتى من قطاع المقاولات مباشرة ليتسلق وبشكل سريع ليصل الى سلم قيادة الولايات المتحدة الامريكية ، فللحظات الاولى امام هيلاري كلينتون قطاعات كبيرة في الدولة العميقة الامريكية وقفت امامه كعدو بما فيها رئيسة الكونغرس الامريكي وهناك من اتهمه بعدم الاستقرار العقلي والمؤسسة الاعلامية الامريكية وهي اكبر قطاع اعلامي في الولايات المتحدة الامريكية وهي التي تسيطر على العقلية للشعب الامريكي وقفت ضد ترامب الى يومنا هذا في الانتخابات ، وبالتالي كفكرة بسيطة فان بايدن ابن المؤسسة الراسمالية للدولة العميقة في جميع المواقع التي تسلمها منذ 46 عام فهو مخضرم وهو يعرف متطلبات المجتمع الداخلي الامريكي وما يجب فعله على المستوى الخارجي ، فهو ليس غريبا على المؤسسة الامريكية فهو ابنها بعكس ترامب ، اما بخصوص سياساته في منطقة الشرق الاوسط فلن تخرج عن سياق سياسة الحزب الديمقراطي القديمة في عهد بوش او اوباما ، فهو يريد الرجوع لاتفاقية 5 +1 مع ايران ويريد ايضا ايجاد سياسة متزنة مع الصين وسياسة حادة مع كوريا الشمالية واعادة التموضع والدخول في المعادلة السورية التي تركها ترامب ، اما المعادلة الفلسطينية الاسرائيلية فلقد وعد بايدن بانه مازال يؤمن بحل الدولتين وسيلحق القنصلية الاسرائيلية بالقدس الشرقية واعادة موازنة الاونروا واعادة فتح مكتب منظمة التحرير واحياء التفاوض والحوار بين كل من امريكا والسلطة الفلسطينية وبين الفلسطينيين والاسرائيليين حول جوهر حل الدولتين ولكنه بالنسبة لاسرائيل في احد خطاباته في دوائر الترشح لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية قال ( قال لي والدي ..ليس بالضرورة ان تكون يهوديا لكي تكون صهيونيا وها انا يهوديا وسافعل وامن اسرائيل ضرورة قومية امريكية ) هذا موقفه النهائي وموقف الحزب الديمقراطي من اسرائيل كما هو موقف الحزب الجمهوري.

حقيقة سيفوز بايدن بالانتخابات الامريكية بصناعة الجمهور وصندوق الانتخابات ولحاجة الامن القومي الامريكي للاربع سنوات القادمة وبما يتخلله من اثارة حقوق الانسان في منطقة الشرق الاوسط فكثير من الانظمة العربية قد شعرت بعدم الراحة لفوز بايدن ،فهناك تغيير في تكتيك معالجات موازين القوى في منطقة الشرق الاوسط ولن يخل ذلك بالخطوط العامة التي محورها ايران تركيا اسرائيل مع عدم التغيير في اللبنات التي وضعها ترامب حول مبدا التطبيع ونهاية المبادرة العربية لصناعة سلام مقابل سلام وامن مقابل امن في ظل تصور اقليمي لحل القضية الفلسطينية .

بقلم / سميح خلف