يوجد مذهب فكري يتحكم في كثير من المثقفين إسمه (الهيدوني) Hédonisme


ويعني المتعة أو مذهب (اللذة)


تجده – أي المثقف – يبحث عن اللذة في المجتمع سواءً كانت حِسية أو شعورية، وقد تجده لا يهتم بهذه الأمور لكنه يُخرِج كلماته البلاغية معبرة وشديدة الجمال والحُسن فقط ليُمتِع نفسه، وبالطبع فهو أحيانا يُمتع الآخرين..وتلك الصفة موجودة بكثرة عند الأدباء والقصّاصين بشكل يكونوا فيه أكثر تأثيراً في المجتمع..


مذهب اللذة الشخصية أو (إمتاع النفس الأدبي) غالبا هو غير واقعي، فهو لا يعالِج الشرّ المُسيطر أو التقاليد البالية الرجعية بقدر ما هو يعالج فقط الموقف منها، يعني هو ثائر على السيطرة والتقاليد لكنه لا يهتم بالبديل..وهذا المذهب قد يصنع تيارا أناركيا فوضويا متأثرا بكلمات ذلك الأديب بالأساس..وهذا سر ظهور الأناركية من اليسار الماركسي نظرا لأن الطابع المهيمن على يسار العالم في بداياته كان (أدبيا) وخصوصا من الجهة الشرقية السوفيتية التي أخرجت لنا أعظم أدباء القرن 20


الهيدونية أو مذهب اللذة له جذور من الفلسفة اليونانية الرواقية والأبيقورية، وأصحابها لا يُستهان بهم في التأثير المجتمعي، فهم أصوات فريدة معبرة عن المعاناه العامة والشخصية، فكتابات نجيب محفوظ مثلا في بعضها كانت تعبيرا عن معاناة عامة لمجتمع سلطوي متخلف وكتابات محمود أبو زيد كانت تعبيرا عن معاناته الشخصية مع الجهل والخرافة والاستبداد المرافق لهم، فيتولّد عند القارئ إحساس قوي بضرورة تغيير هذا الواقع المؤلم ومن هنا تنشأ الأيدلوجيات والأفكار الثورية بالعموم..


كلمات الأديب الهيدوني أحيانا تكون مولدا لطاقة جبارة في النفوس يمكنها أن تفنى شعوب وأمم مثلما فعل "سيد قطب" فهذا الشيخ الإخواني أبرز أدباء الهيدونية في مجتمع الدين والعقيدة وتأثيره على المتدينين والجهاديين كبير يعود في أساسه أن قطبا نجح في صناعة عالم جديد (خيالي أفلاطوني) عند الجهادي..وبشكل عام كانت أعمال قطب هي (قضبان السكة الحديد) لأي قطار يسير فوقه..فكل من يقاتل على أساس ديني ويُكفّر الآخرين بناء على ذوقه الشخصي هو يسير على قضبان سيد قطب بالأساس، فهو الذي مهّد لهم هذا الطريق بغزارة وأنتج لهم قدرة فريدة على الإنتاج وتطوير ما صنعه لهم من قضبان..


فكيف ينسى الإرهابي متعته الشخصية مع قطب يوما؟ إنه قد أسلم إليه بكل طاقاته وجوارحه حتى صار لكل حرف من قطب له ثمن، وكل من ينهيه عن ذلك يعطف عليه بشفقة أنه لا يشعر باللذة التي تحتويه، ثم يرى هذا النهي هو مجرد فجوة بين (عالم المثال والخير والشريعة الذي زرعه قطب فيه) وبين (عالم المادة والشر الذي زرعته الحداثة والعلمانية والشيوعية..إلخ)


ومن الجهل أن نعتقد بأن الجهادي يتعلق بشخص سيد قطب حتى نعتقد بأن تشويه الشيخ يكفي لإسقاطه، فهذا بعيد عن الواقع إنه يتعلق بكلماته وقدرة هذه الكلمات على اختراق الشخص والتوغل فيه وإقناعه بأبسط الأساليب، وأعترف أن مقاومة (شيوخ ) الإرهاب والدم هي أسهل كثيرا من مقاومة (أدباء) الإرهاب والدم، فالشيوخ والفقهاء ينطفئون بمعلومة ودراسة علمية تثبت بشكل مؤكد أنهم خرافيون رجعيون كذابون، إنما أدباء الدم لا ينفطئون بتلك السهولة ويظل تأثيرهم المعنوي على الشخص حتى لو عاد عن ثوابتهم الفكرية..