في تفسير قوله تعالى " غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون" قال الشيوخ: أنها بشرى من الله بانتصار الروم المؤمنين (أهل الكتاب) على الفرس المجوس الزنادقة الكفار، وهو اتجاه تفسيري يفصل بين أهل الكتاب والمشركين في القرآن..


القصة بدأت من الحرب الطويلة بين الفرس والروم من عام 602 : 628 م، وهي الأعنف في تاريخ الحرب بين الإمبراطوريتين، فنزل قوله تعالى في سورة الروم لتخليد هذه الحرب مع بشريات بانتصار الروم..وهو ما حدث فعلا، ولكن ليس لأنهم أهل كتاب مؤمنين ضد كفار زنادقة، إنما كنبوؤة إلهية لا غير فسرت لاحقا بإعجاز علم الغيب..


طب كيف سيكون انتصار الفرس لصالح العرب؟


أولا: الدولة الساسانية الفارسية كانت تعاني من حروب أهلية في عصر "هرمز الرابع" أواخر القرن 6 م، ولاحقا بعد إعدام "كسرى الثاني" قبل وفاة الرسول ب 4 أعوام، أي الفرس وقتها كانوا أضعف شوكة من الرومان.


ثانيا: الفرس كان نظام حُكمهم (أسريا ملكيا) لا (أسري ديني) كما عند البيزنطيين، وهو الذي صنع الفارق لاحقا واستعصت بيزنطة على السقوط طوال 7 قرون حتى دخلها العثمانيون سنة 1453 م، أي أن العامل الديني للرومان ساعدهم على البقاء طويلا وشن حروب صليبية لاحقا.


ثالثا: وجود الفرس في الأناضول والشام والبلقان لم يكن مرحبا به، ومن السهل إخضاع والسيطرة على شعوب تلك المناطق للثورة والتمرد على الساسانيين، بينما وجودهم تحت سيطرة الرومان (وبقدسية دينية) جعل أمر غزوهم صعبا..


صحيح أخذ العرب مملتكات الروم في مصر والشام وشمال أفريقيا، لكن التاريخ يحكي أن الدولة المركزية الدينية في بيزنطة كانت ضعيفة على الأطراف لعوامل منها طول الحرب مع الفرس والخسائر والاستنزاف الحاصل لمدة 26 عام، وللأوبئة والمجاعات التي ضربت أوروبا وطاعون جستنيان الذي قضى على أغلبية سكان الإمبراطورية، فبدلا من تشتيت القوة على الأطراف والمستعمرات تركزت قوة الرومان في الأناضول والبلقان وهي المناطق التي شكلت (قوة البيزنطيين الرئيسية) التي استعصت على العرب والمسلمين طيلة 7 قرون.


كذلك فانهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية سهّل كثيرا من نجاح العرب في مصر وشمال أفريقيا، فقبل العرب ب 100 عام تقريبا نجحت شعوب "الويندال الأمازيغ مع القوط الغربيين" في اكتساح أوروبا الغربية والقضاء على ما تبقى من نفوذ روماني بيزنطي فيها، مما سهل من عمليات غزو الأندلس وقتها من قِبَل العرب والأمويين بمساعدة أمازيغية..


طب ماذا كان سيحدث لو هُزم الروم في الحرب؟


كان العرب سيكتسحوا الإمبراطورية الفارسية ويدخلوا الأناضول وينشروا الإسلام في اليونان والبلقان بالكامل، إضافة للقوقاز وأرمينيا وروسيا، فالقبائل العربية كانت بكامل قوتها وعصرها الذهبي العسكري في عصر الخلفاء الراشدين، ويشهد على ذلك أنه وبعد عام واحد فقط من نهاية الحرب الأهلية الفارسية عام 633 م بدأ سقوط الفرس على أيدي العرب في معركة "ذات السلاسل" واستمرت الهزائم الفارسية 10 سنوات حتى انتهت امبراطوريتهم تماما ..


أي كان العرب سيُنجِزوا ما أنجزه العثمانيون في القرن 15، لكن العاطفة الدينية وحيرة الفقهاء في تفسير القرآن ومطلع سورة الروم أوقعهم في ذلك الخطأ المعرفي..