الدوافع الحقيقة وراء عودة العلاقات بين السلطة واسرائيل

المتتبع لأحوال السلطة و مناوراتها المختلفة سواءا على الصعيد الذاتي او الاقليمي و تناولها قضية انهاء الانقسام تارة و تارة اخرى تجاوزه لتوافق وطني لمواجهة ما يسمى عملية الضم حين تم القفز عن مسببات صفقة القرن ، لا نريد ان نسترسل كثيرا في هذا الموضوع الذي يمكن ان نلخصه بدعوة الرئيس الفلسطيني لاجتماع امناء الفصائل و عبر الكنفرانس مع بيروت و ما سبقه من مقدمات لجبريل رجوب و العاروري وحلس و المتحدث الرسمي باسم حماس ثم الانتقال الى تركيا ثم قطر ثم مؤخرا مصر و الكل كان يتحدث عن انجازات وتوافق حول مسائل محددة تخص الانتخابات التشريعية و الرئاسية و المجلس الوطني بالاضافة الى تكوين لجان للبت في ذلك خلال اسبوعين بما فيها لجة المقاومة الشعبية لمقاومة قرار الضم و التي اصدرت في تلك اللجنة البيان رقم 1 و الذي قيل عنه بأنه كان مسرب وتوقف عمل اللجان و منهم من قال ان النقاشات و الحوارات مستمرة و هناك ايجابيات كبيرة في تلك الملفات و حجبت عن الاعلام حرصا على انجاحها .
اجمالا الجمهور الفلسطيني على الدوام ليس متفائلا لتجربته مع النظام السياسي الفلسطيني منذ 13 عام و حملوا ملف المصالحة الى كل عواصم العالم و كأنهم غير قادرين عن حل اساسية واحدة و مطلوب من الاخرين حلها و هي تخص الوحدة الوطنية الفلسطينية و البرنامج المشترك لمقاومة الاحتلال و برامجه سواءا استيطان او ضم او غيره ، ولكن من الغريب ان البعض يتعامى ويطلق مصطلحات تقلص و تختزل الحالة الفلسطينية كحالة احتلال في الاساس فهو يريد ان يقاوم و يواجه و يرفض الضم و يرفض صفقة القرن ولكن ليس في قاموسهم السياسي و الطني رفع الشعار المطلق مقاومة الاحتلال بكل مناخاته .
الرئيس الفلسطيني محمود عباس هدد وتوعد في اكثر من مكان سواءا في الامم المتحدة او مجلس الامن او الجامعة العربية بأنه سيوقف العلاقات او يعلقها "او حل " من الاتفاقيات و الالتزامات مع الاسرائيليين بما فيها التنسيق الامني .
السلطة ورئيسها وقادتها اعلنوا رفضهم لصفقة القرن بدون اي خطوات عملية لمواجهة الترتيبات الميدانية لتلك الصفقة عل الارض فاسرائيل مستمرة في البناء و الاستيطان وتحت هذا الشعار كما قيل تبين ان العلاقات مستمرة مع امريكا و من خلال الاجهزة والقنوات المختلفة مع اسرائيل وفقط ما تم تنفيذه هو ما يخص الحياة العامة للشعب الفلسطيني وهي الرواتب شريان الحياة في الضفة وغزة و هناك من الكذب والتدليس قامت به النخبة الحاكمة في قرارها الاخير بعودة العلاقات مع اسرائيل :-
1 – التوقف عن استلام المقاصة كان بسبب كما قيل ان اسرائيل حجزت اموال بعض الاسرى و الشهداء وليس من اجل قرار الضم ترامب ناتنياهو ، و هنا نشاهد مقدار التلعثم في تفسير قرار اعادة العلاقات مع اسرائيل الذي فسره حسين الشيخ بأن سبب عدم استلام المقاصة قرار الضم الذي كان مزمع تنفيذه من قبل الاحتلال .
2 – تبين منذ عام ان السلطة طلبت من ناتنياهو التوسط لاستمرار المنح للأجهزة الامنية و بدوره قام ناتنياهو بمطالبة ترامب باستمرار الدعم للاجهزة الامنية في حين كان موقف ترامب سلبي من ذلك و قال "ادفع لهم من جيبتك" و تدخلت في هذا الامر وكالة المخابرات المركزية التي اخذت قرار مخالف لترامب بتزويد الاجهزة الامنية ب 24 مليون دولار .
3 – الكذب في الطرح الذي قامت به السلطة حول الدوافع لاعادة العلاقات مع اسرائيل كما قالوا بالشكل المعلن بأن اسرائيل سوف تلتزم بكل الاتفاقات لا ادري هنا اي اتفاقات اهي الاتفاقات الامنية المعلنة في اتفاق اوسلو 1 و 2 ام ان هناك اتفاقيات اخر غير معلنة ، اجمالا اسرائيل مازالت تجتاح مدن وقرى الضفة و تتوسع في الاستيطان و تقوض مفهوم الدولتين و مازالت تقتل ابناء الشعب الفلسطيني في الضفة و تحاصر غزة و هنا التساؤل اي التزامات قامت بها اسرائيل نحو الاتفاقات ، هل نفذت ما تم الاتفاق عليه في نهاية الفترة الانتقالية باعلان الدولة او سحبت قواتها من الضفة الغربية التي اجتاحتها في عام 2002!
خطاب السلطة غير مقنع و مفضوح ايضا و غير مبرر و خاصة ان تلك السلطة في هذا الخطاب و ما قالت عنه من التزامات ومراسلات مع الجانب الاسرائيل "بإلتزام" بكل الاتفاقيات يبين ان من قام بالمراسلة هو ضابط مسؤول الشؤون المدنية الاسرائيلية ابو كميل وهذا يبين حجم السلطة في نظر اسرائيل ، فالرسائل لم تتم عبر القنوات التشريعية و التنفيذية الرئاسية صاحبة القرار في اسرائيل .
اعتقد ان ما قامت به السلطة من الاسراع و الاعلان بقرار مبيت لعودة تلك العلاقات علنا له اسباب اخرى.
1 – القرار اتى في ظل اجتماعات الفصائل في القاهرة و الذي كان يهدف الى الوصول الي توافق وطني حول قضية الانتخابات و تجديد النظام السياسي الفلسطيني والذي لم يحدث اي تقدم بخصوص المراسيم الرئاسية زمنيا لانتخابات تشريعية ورئاسية و مجلس وطني ، فكان الجانب السلطوي يصر على مرسوم رئاسي فقط حول الانتخابات التشريعية و هذا يعني ان عباس اراد من كل هذه المناورات باللقاء مع القوى الوطنية والاسلامية الحصول على شرعية امام الاوروبيين الذين طالبوا بتجديد الشرعية الفلسطينية للسلطة لضمان وصول المساعدات و تعثر هذا الطلب ، و الدوافع التي كانت متوافقة مع اجتماع القاهرة باعلان اعادة العلاقات مع اسرائيل كان مندفعا لفشل ما يطمح به الرئيس الفلسطيني من تجديد شرعيته فقط و شرعية منظومته السياسية .
2 – بعد ان فشل الرئيس الفلسطيني من تفعيل صندوق امان التابع للجامعة العربية لدعم السلطة ماليا لم يرى امامه الا الرغبة في الاعلان عن عودة العلاقات و استلام المقاصة التي رفضها سابقا كما طرحت لاسباب قد طرحتها سابقا و بالتالي هو تراجع عن موقفه و ليس كما قال حسين الشيخ نصرا .
3 – اصبحت شرعية محمود عباس في محل شك بخصوص الدول الاقليمية وخاصة الدول العربية وفشله في تمرير قرار ضد التطبيع في الجامعة العربية و فشله تفعيل صندوق امان .
4 – اعتقد المناورة التي اعتمد عليها عباس في التسويف سابقا يعود الى انتظار الانتخابات الامريكية و نتائجها و التي اعلن عنها بفوز بايدن الذي له محددات سياسية و امنية لصالح اسرائيل مع قناعاته بحل الدولتين و لكن لا اعتقد ان بايدن سيقف امام التطبيه بل سيدعمه و ان كان بايدن يؤمن بحل الدولتين فهو في نطاق نظرية الامن الاسرائيلي وسيستمر في دعم ما انجز في عهد ترامب ووجهة نظر لدولة العميقة بخصوص النظام السياسي الفلسطيني الذي يشجع بل يؤيد تغيير رأس النظام السياسي الفلسطيني اي وجود محمود عباس ، و بالتالي الدوافع المتراكمة لعودة العلاقات مع اسرائيل امام سقةطه اقليميا و دوليا وخوفا وتوجسا من استمرار بايدن والحزب الديمقراطي على نهج تغيير راس النظام السياسي ووضع البديل هو من اهم الدوافع لعودة العلاقات مع اسرائيل ، وسيبقى الامر في يد اسرائيل .
هل تبقى حاضنة لعباس ام تبحث بضرورة تغيير رأس النظام السياسي لتنفيذ جغرافيا سياسية ربما يحدث عليها بايدن بعض التغيير .
في نهاية الامر ان عودة العلاقات مع اسرائيل لن يلغي الخيارات الاقليمية والدولية بخصوص نهاية وجود محمود عباس على رأس النظام السياسي الفلسطيني و كما هو يتصور ذلك .

بقلم سميح خلف