سؤال: هل يجوز وصف الله بالمنتقم؟


قلت: لا يجوز ذلك فهو وصف كهنوتي مغاير للقرآن ومخالف لحقيقة الرحمة الإلهية وعدل الله الذي وصف نفسه بكلمة واحدة هي "ذو انتقام" في ثلاثة آيات :


"إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام" [آل عمران : 4]
"ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام" [المائدة : 95]
"فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام" [إبراهيم : 47]


والفارق بين المنتقم وذو انتقام


أن المنتقم يعني الشدة والقسوة المطلقة التي لا حدود لها، وهذا يتنافى مع كون الله رحيما مطلقا، بينما ذو انتقام يعني أن هذه الصفة جزئية محدودة ومحكومة (بالعزة الإلهية المرتبطة بالحكمة) وفي القرآن ذكر إسم الله "العزيز الحكيم" أكثر من 30 مرة، وذكرت العزة مع الرحمة في سورة الشعراء 9 مرات..وهي دلالة مؤكدة أن رحمة الله وعزته فوق انتقامه..


أي أن القرآن يصف الله بالرحيم لكن لم يصفه بالمنتقم أبدا، وهو تفريق واضح بين سلوك الانتقام الجزئي المحدود من العصاه والظالمين وبين رحمة الله التي وصفت أنها (وسعت كل شئ)


قال تعالى "وسعت كل شيء رحمة وعلما "[غافر : 7]
"ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون " [الأعراف : 156]


إعلم أن الرحمة × الانتقام، كلاهما نقيض فلا يجوز عقلا أن تكون الرحمة مطلقة والانتقام مطلق، فالرحمة تعني الرفق واللين وتحقق هذه الصفة بلا حدود يعني نفي تحقق عكسها، وأن انتقام الله يجب أن يكون محدودا وجزئيا لأحداث وظروف معينة كشرط من لوازم العدل..


اقرأ القرآن ستجد أن الله وصف لم يصف نفسه بالمنتقم، بل قال أنه (سينتقم)


قال تعالى " إنا من المجرمين منتقمون" [السجدة : 22]
"فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون" [الزخرف : 41]


شبيه عندما تغضب من فلان فلا يجوز وصفك ب (الغاضب) كونه تعبير يصفك بالغضب الدائم المطلق لغويا، والأصح أنك (غضبت لسبب معين) يزول هذا الغضب بزوال أسبابه، أو تشتري بضاعة من السوق فلا يجوز وصفك ب (المشتري) الذي يتطلب منك أن تكون مشترٍ دائما بلا توقف لا تنتج أي شئ، والأصح لغويا أنك (اشتريت كذا وكذا) مما تحتاجه..


وأخيرا: لماذا هذا المقال؟


للتحذير من فقه الشيوخ الذي يجمع النقيضين في شئ واحد، فيجمعون الرحمة والانتقام المطلق في الله الخالق..وهذا لا يجوز، فالرحيم ليس منتقما..بل هو ينتقم من جماعة محددة رفضا لسلوك محدد علما بأنه انتقام محكوم بالرحمة الأوسع شمولا والأليق فكريا وأخلاقيا أن تكون صفة للرب لا العكس..


علما بأن الشيوخ عرفوا أن المنتقم ليس من أسماء الله، وذكر ذلك ابن تيمية في مجموع الفتاوى ، واعترف أنه ليس إسما قرآنيا بل هو من رواية لحديث ال 99 إسما المفترى في الكتب التسعة، وقد خلق هذا الإسم إشكاليات عقائدية وفلسفية كبيرة شوّهت معنى الدين حتى عند المسلم نفسه..