من أعلام التركمان
أبو حنيفة النعمان
د. نظام الدين إبراهيم اوغلو
باحث أكاديمي تركماني ـ تركيا

ولد العلاّمة ابو حنيفة النّعمان بن ثابت الفقيه التركماني الكبير في مدينة الكوفة العراقية سنة 699م. في أوّل أمرهِ اشتغل بتجارة الملابس (ببيع الخز أو الحرير)، ثم تردّدَ إلى حلقات الدّرسِ وحفِظ القرآن الكريمَ وأبدى ذكائه عند أساتذته فاشتغلَ بالتّدريسِ والفُتيا في الكوفة ثم اتّجهتْ نفسهُ لتعلّمِ الحديثِ والفقهِ، وأصبحَ فقيهُ العراقِ وإمامها ثم فقيه معظم المسلمين، وكذلك أصبح من أحد أئمة مذاهب السّنة الأربعة، وكان ممّن سلّمَ له دقةُ النّظرِ وأغوصُ الفِكرِ، وصّحةُ الرأي، وقوّةُ الحُجّةِ. كان إمامًا في القياس والاستنباط، أدرك أنس بن مالك من الصّحابة. ورَوى عن كثير من جلّة التّابعين، من بينهم نافع مولى عبدالله بن عمر (رض). قال فيه الإمام الشّافعي رحمه الله: (النّاسُ عِيالٌ في الِفقهِ على أبي حَنيفةَ)، وقال فيه سفيان ابن عُيينة: (ما مقلت عيني مثل أبي حنيفة). أسّس مذهبَهُ بالكوفةِ ورَسمَ أُصولَ منهجهِ في الفقهِ بالاعتمادِ على القرآنِ الكريمِ ثمّ السّنةِ النّبويّةِ ثمّ الاجماعِ ثمّ القياسِ والاستحسانِ. ومن أساتذتهِ حمّاد ابن أبي سُليمان وعطاء والزّهري وإبراهيم النّخعي والشّعبي وقيل أيضًا جعفر الصّادق، ولقد أخذ عنه الفقه خَلقٌ كثيرٌ، من بينهم أبو يوسف ومحمد وزُفر بن الهذيل وغيرهم رضي الله عنهم، وله من الكتب منها: كتاب الفقه الأكبر، ورسالته إلى عُثمان البتّي، وكتاب العالم والمتعلّم وكتاب الرّد على القدريّة. استدعاهُ الخليفة العباسي المنصور لتولي القضاء في بغداد فرفض فأمره بهِ إلى السّجن وتوفي فيهِ سنة 767م ولهُ من العُمر سبعونَ سنةً.
لقد أفدى أبو حنيفة حياته من أجل خدمة الدين الاسلامي والمسلمين، وجاهد من أجل توحيد صفوف المسلمين والرّد على أعداء المسلمين في المواضيع العلمية والفلسفية، بالإضافة إلى تسهيل أمور المسلمين الفقهية، لأنه لم يكن يفرّق بين الشعوب ولم يكن يتفاخر بقوميته بل كان يتسابق معهم على أساس التقوى، وحتى الشعوب العربية لم يفكروا يومًا أن يسألوا عن قوميته، فحبّه كافة المسلمين ومن كافة القوميات والشّعوب.
كما ذكرنا ولد في مدينة كوفة وكانت تقطنها عوائل تركمانية كثيرة، ونحن نعلم أن نسبة التركمان الذين يعيشون في العراق أكثر من 13%، وعندما نقرأ مصادر تركمان العراق[1]، والمصادر التركية نجد أنهم يدعون أنه كان من أصل تركي.[2] ويؤكد الكاتب العربي عبدالله خليفة بأن أصول الإمام أبي حنيفة النعمان كانت تركية[3]. وأكثر المصادر الاسلامية والدكتور المرحوم مصطفى جواد يدعي بأن الامام ابو حنيفة من اعلام الافغان تعود أصوله إلى تركمان كابل. ونحن نعلم أنّ التركمان في أفغانستان يشكلون بنسبة 10% من مجموع الشعب. وأكَّد ابن تيمية شيخ الإسلام أنه مولودٌ في حران (سفوح الأناضول) وهذه المنطقة كانت حتى زمنٍ قريبٍ خاضعةً للنفوذ التركي.

[1] مصادر تركمان العراق تؤكد على أنه من أصل تركماني. وأما المصادر العربية، فادّعي بعضهم أنّه فارسي والبعض الآخر أنه تركي. وكتب أخرى أنّ والده فارسي ووالدته تركية. وسبب اختلاف أراء علماء العرب، عدم بحثهم بشكل دقيق عن علماء من أصول غير عربية، فكانوا يدّعون في السابق على كل غير عربي أنه فارسي بسبب وجود قوة الفرس على الساحة السياسية إما جهلاً أو عمدًا، وبعد أن تعرّفوا على القومية الكردية بداؤا يدّعون العالم التركماني أنه كردي وإلى القرن التاسع عشر. والسبب هو سياسي محض لأن أعداء الترك والتركمان لا يريدون الإعتراف بوجود تركماني في العراق. وفي العصر الحديث ظهر بعض المؤرخين المنصفين فصححوا أخطاءهم مثل الأستاذ المؤرخ العراقي الكبير مير بصري رحمه الله وقد استطاع من تصحيح أعراق وقوميات بعض علماء التركمان بدلاً من الفارسية والكردية.

[2] تدّعي مصادر علماء الأتراك أنّ أصل أبو حنيفة تركي لاشك فيه. وأن العامل الأساسي لانتسابهم إلى مذهبه كونه تركيًّا، وكونهم في قمة التّطور الدّيني والعلمي في حينه فلا يحتاجون الى أخذ فقهم من مذاهب أخرى. وإليكم أسماء مؤرخي الأتراك الذين يثبتون أنه تركي الأصل:
Prof. Dr. M. Fuad Köprülü, Osman Keskioğlu, Halim Sabit Şimay,/ Prof. Dr. Neşet Çağatay, / Prof. Dr. İ. Agâh Çubukçu, / Prof. İsmail Hakkı İzmirli, / Prof. Şemsettin Günaltay, / Prof. Dr. Osman Turan… ve başkaları Ebu Hanife‘nin Türk asıllı olduğunu ileri sürmüşlerdir. (bk: İsmet Demir, İmam-ı A’zam Ebu Hanife, İstanbul 2005, 2-7).

[3] العلمانية التركية والسنة والحداثة، للمفكّر البحريني عبدالله خليفة.