الضفة ومستقبل الصراع بين روابط المدن وروابط القرى

المخيمات في الضفة الغربية قد تكون بوابة الحسم في اي متغيرات تخضم لها الضفة الغربية وبالطبع لن يكون الاحتلال بعيدا عنها وعن صياغة بعض منها اذا لم يكن غالبيتها مع اعتبار لموازين القوى بين المتناحرين بفي الضفة ، سواء في السلطة او عشائر او قبائل مسلحة ، حالة الفلتان وعدم الالتزام بالقانون الاساسي اتى من طبيعة اتفاق اوسلو وما تبعه من خطوات امنية واقتصادية وثقافية واعلامية تحجم طبيعة الخطاب الوطني واستبداله بتلك الثقافات جميعا التي عملت السلطة وقيادة منظمة التحرير على تطبيقها في الضفة الغربية وخاصة بعد الانقسام عام 2007 .

منذ ايام عديدة وصفت ما يحدث في الضفة الغربية هو صراع قائم بين روابط المدن التي تمثلها القوى والاجهزة الامنية المختلفة ومراكز قواها في كل منطقة من الضفة الغربية والتي تتعارض بشكل او باخر مع روابط القرى وتاريخها منذ سبعينيات القرن الماضي ، فلم تنتهي روابط القرى ولم ينتهي عملها ولكن كانت مفاوضات بينها وبين منظمة التحرير على تجميد انشطتها وبالحد الادنى ، ولكن اتى اتفاق اوسلو ليكسر كل الموانع في علاقة تلك العشائر مع الاحتلال ومع المستوطنات المحيطة بها ، فالتنسيق الامني بين السلطة واسرائيل عملا مشروعا ً سواء على مستوى العمل المنظم او على المستوى الشخصي لرجال السلطة او رجال الاعمال الكبار ، ومن هنا ليس هناك مادة في القانون تحاسب على الاتصال بالاسرائيليين او التعامل معهم .

قامت قيادة منظمة التحرير بالغاء النصوص والمواد التي تعاقب وتحاسب وتحاكم الفلسطينيين الذين يتصلون بالاسرائيليين ، حيث كانت تلك المواد تحدد الجرم والخيانة العظمى في حالة الاتصال بالعدو او افشاء اي معلومات تخص منظمة التحرير او الفصائل او الحركة الوطنية او تضر بالصالح العام الفلسطيني ، لم تعد تلك المواد موجودة سواء في بنود الميثاق الوطني لمنظمة التحرير او في النظام الاساسي لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح .

لا يمكن للسلطة ان تستطيع محاسبة او معاقبة اي متصل مع الاسرائيليين قانونيا ، فاي متهم على المستوى الفردي او الجماعي او العشائري يستطيع الرد على السلطة ولان السلطة تقوم بالتنسيق الامني ، وما حدث مع فريد الجعبري والذي يمثل تلك العشيرة من حزام حول مستوطنة كريات اربع ومن المعروف ان تلك العشيرة او غالبيتها لها اتصالات مع المستوطنات وقبلت السلطة بهذا المنطق منذ وجودها ، بل بالعكس استعانت السلطة بالجعبري في حل كثير من الازمات والقضايا ، ولكن اذا كانت السلطة حريصة على مدينة الخليل فاتفاق h1h2في الخليل يعتبر جرم وطني يضاهي جرم اوسلو او اكثر ! هناك مصالح تربط تلك العشائر مع المستوطنات وتقول تلك العشائر انها تحافظ على الارض والممتلكات من غزوات المستوطنين ، اما السلطة فهي ليست قادرة على الحفاظ على الارض والممتلكات ، ومن هنا تعتبر تصرفات العشائر هي امتداد لمنطق العشائر وروابط القرى منذ السبعينات ، ومازلنا نذكر نشاطات مصطفى دودين ورشاد الشوا والجعبري عندما طرحوا الرجوع الى السيادة الاردنية للحفاظ على الارض ، وربما كانت لهم وجهة نظر ابعد بكثير من قادة منظمة التحرير الذين لم يستطيعوا الحفاظ على الارض او على البشر ، وتعرض اكثر من 45 % من الضفة الغربية لعملية التهويد وانتشار المستوطنات ، وكانت تصاريح دودين والجعبري ورشاد الشوا تلاقي احتراما ً اكثر بكثير من سلوكيات السلطة الموبوءة بالفساد ، وبالتالي الاسرائيليين ليسوا هم بالغياب عن كل ملفات السلطة الفاسدة ، لست هنا ادافع عن روابط القرى والعشائر ولكن لو بتصور روابط القرى والطرح الذي طرحوه بعودة الضفة وغزة للاردن ومصر من الممكن ان يكون افضل بكثير في الحفاظ على القضية ، وربما لو بقي الاحتلال ملتزم بكافة التزاماته نحو المناطق المحتلة وما تنص عليه اتفاقيات جنيف ووجود المقاومة على الارض في ذات الوقت كان افضل بكثير من واقع اوسلو ومخاتيرها ولصوصها .

المهم هنا بدأ الصراع في منطقة الخليل وقبله في مخيم بلاطة وجنين ومحاولة شيطنة المخيمات تحت مسميات مختلفة ، ولم تكن عملية المنع هي المفجر في ظل كورونا للطبقة المتوسطة في الخليل ، فالخليل تعتبر العدو اللدود للسلطة بعد غزة ، منعت عنها جميع الالتزامات واهتمام السلطة الاقتصادي والثقافي ، فالبتالي كانت منطقة الفراغ التي تسللت لها روابط القرى والعشائر في علاقتها مع الاحتلال ، فالسلطة غير قادرة على فرض القانون لدى العشائر سواء في الخليل او نابلس او جنين او مناطق الضفة وخاصة ان السلطة تمارس مع الاحتلال نفس ممارسة تلك العشائر .. اذا ماهو الاختلف وما هو الجديد ؟! في ظل فساد السلطة وانعدام المساواة والعدالة .

اعتقد ان الامور قد تتوسع في الضفة الغربية في صراع على السلطة والنفوذ ، فلازلنا نسمع الاخبار عن سلوك الامن الفلسطيني في بلاطة ومخيمات اخرى وجنين ايضا ، وهذا يشكل كم من المواجهة والتصادم والصدام بين العصابات المنظمة للسلطة وعصابات العشائر وربما بالتراكم مع عمليات الفلتان الامني المتراكمة والاغتيالات في المخيمات والمناطق الاخرى قد تزيد تعقيد الامور ، ولا نستبعد ان يقوم الاحتلال بادارة الصراع بين روابط المدن التي تديرها السلطة والتي تحت تصرف الادارة المدنية الاسرائيلية وكذلك روابط العشائر التي تمثل ايضا حالة تنسيقية بين الادارة المدنية ايضا ً .

ولكن اريد ان اذكر اثناء مفاوضات اوسلو تمت تفاهمات بين العشائر الكبرى في الضفة مع الاحتلال بشروط ان يتم حماية المتعاونيين مع الاحتلال وعدم ملاحقتهم وتحقيق مصالح العشائر في الشراكة مع السلطة من خلال بعض ابنائهم وقبلت بذلك منظمة التحرير .... وبالتالي السلطة لا يمكن معاقبة او ملاحقة الجعبري او غير الجعبري ولو ارادت العشائر تسقط النظام السياسي اذا صح التعبير او التشكيل للعصابات المنظمة التي تقود السلطة لن يستغرق الامر 48 ساعة. ومن المؤكد ان هناك كثير من ابناء العشائر يريدون احياء روابط القرى والالتحاق بالاردن او باسرائيل ..... واعتقد ان الامور تنتظر فقط الاشعال.

اذا اي صراع بين السلطة واجهزتها ومراكز قواها المختلفة امام العشائر فستكون السلطة هي الخاسرة ، واخيرا ستكون صياغة المعادلة لدى الادارة المدنية للاحتلال وتوجهات القيادة السياسية للاحتلال لماذا ذلك وهنا نستطيع القول ان السلطة الفلسطينية قد قضت على الحركة الوطنية الفلسطينية بكاملها فهمشت فتح وسطحتها ولاحقت الفصائل جميعا ً سواء اسلامية او وطنية ووضعت كثير منهم في السجون وتلاحق كل من ينتقد السلطة .. اذا على ماذا تعول السلطة في مواجهتها لروابط العشائر ؟في حين انها خسرت حاضنتها الشعبية واعتقد ان كثير من افراد الاجهزة الامنية ولائهم للعشيرة اكثر من ولائهم للسلطة ونذكر هنا ايضا ان جميع الاقطاب المتناحرة في الضفة الغربية لها مجموعات مسلحة في حين تترقب وفاة او رحيل عباس لكي تحاول ان تجد لها موقع من المصالح في قيادة الضفة الغربية ومن هنا قد تلجأ تلك المجموعات المسلحة الى العشائر كحاضنة لها ، اما المخيمات فستبقى هي ايضا نقطة الفصل بمجموعاتها المسلحة التي لم تسيطر عليها السلطة ولا القوى الاخرى وستبقى جبهة اخرى مفتوحة في الضفة الغربية وبالتالي السلطة هي المسؤولة عن كل هذا الانهيار الحادث في الضفة الغربية برنامج وسلوك ونتمنى السلامه وان كانت ضئيلة للحركة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية .

بقلم / سميح خلف