أضحى المواطن العربي لا يعرف أين يقف؟ و إلى أين يمضي أو يتجه؟ فكل الشعارات التي ترفعها السلطة هي شعارات جوفاء، خاصة مع ظهور كوفيد 19 جمدت فيه كل حركة أو نشاط و أوقفت وسائل النقل من و إلى، ففي الجزائر مثلا ، فقد عمّق الوباء أزمة المواطن الهش، كما هو الآن في باقي دول العالم، أتاحت للمضاربين التلاعب بحياته و بخبزه اليومي، وهو الآن يشعر أن كل الأحلام سُرِقَتْ منه ليس بسبب كوفيد، بل بسبب فساد النظام الذي يأبى أن يرحل أو أن يغير من أسلوب تعامله مع الشعب من خلال تطبيق آليات حماية حقوق الإنسان

استهلكت قضية حقوق الإنسان من الجدل أكثر ما يستهلكه الفرد من الأشياء الأخرى التي يحتاجها في حياته اليومية، و أضحت حاضرة بقوة في أيّ مجلس يعقده كبار المسؤولين في الحكومة أو البرلمان، فهذا له رأي و ذك له رأي آخر (مخالف)، و إن كانت حقوق الإنسان تعني المفهوم الأخلاقي القاضي بأن لكل إنسان الحق في التمتع بحقوق أساسية لكونه إنسانا، إلا أن أكثر الآراء المتفق عليها تدور حول حقوق الإنسان في المأكل و المشرب و السكن و العمل و التطبيب والحق في الإستجمام ، وعملت السلطة على توفير له جزء من هذه الأشياء التي تعتبر من الضروريات، إذ لا يستطيع الإنسان العيش أو تحقيق حياة كريمة بدونها ، و تأتي في الأولويات أيضا حرية التعبير و الرأي، و حرية الإحتجاج السلمي و هذه العناصر الثلاثة لا يمكن أن تنفصل عن حق الفرد في الحياة من أجل ضمان الإستقلال و الإستقرار، فعندما يكون الحُكْمُ عاجزا عن الإستمرار في توفير هذه الشروط دون نقصان ، يكون سببا في أن يكون الشعب ناقما على الحكم، فثورة 22 فبراير 2019 في الجزائر مثلا لا يمكن أن نصفها بأنها مجرد نقمة شعبية أو انقلاب على السلطة أو أنها النبش في قشرة الحياة الإقتصادية و السياسية مثلما حدث في 05 أكتوبر 1988 بل هي ثورة من أجل تغيير النظام القديم، نظام اتسم بالدكتاتورية و الإستعمار الداخلي.

أراد هذا النظام أن يجعل من الشعب قطيعا، فكان التحرك الجذري في جوف المجتمع، بل كان انفجار حتمي لوضع متفجر، حيث كان تحركا عميقا واسعا، شمل كل تراب الوطن ، زعزع أسس الحياة، و يمكن القول ان الحراك الشعبي في الجزائر و إن لم يحقق كل مطالبه في بناء جزائر جديدة، فهو يعتبر ناجحا، لأنه استطاع أن يكشف الوضع في الجزائر و أن يوصل صوت الشعب إلى الرأي العام الدولي، عندما خرجت الجماهير في مسيرات شعبية سلمية، و كشفت ما يحدث في جزائر الألفية الثالثة، و لو كانت لهذا الحراك خطة واضحة شاملة، لفعل ما فعله شهداء المليون و النصف مليون شهيد، الذين خاضوا نظاما ثوريا نموذجيا فكانت تجربتهم رائدة رغم الأخطاء، إن التجربة الثورية الجزائرية تجعلنا نطرح كثير من الأسئلة و الوقوف على أيهما كانت لها نفحة شعبية بنضالها و أدواته؟، الواقع أن كل الثورات التي شهدتها الجزائر كانت لها نفحة شعبية، منذ ثورة أول نوفمبر 1954 إلى ثورة 22 فبراير 2019 ، مرورا بأحداث 1990 التي اتسمت بطابع هستيري عدواني، دون الحديث عن الأحداث التي سبقتهما ( أحداث ماي 1980 و أكتوبر 1988 )، إلا أن الفرق بين هذه الثورات هو أن الأولى كان هدفها طرد الإستعمار و تحقيق الإستقلال السياسي و العسكري، أما باقي الثورات فهي من أجل مكافحة الفساد و تغيير النظام.

كانت هذه الثورات أمر واقعي و حتمي أيضا، حتى و لو لم تكن إيجابية مائة بالمائة، لأن أطرافا خارجية كان لها يد في إبقاء النظام القديم و إعطائه لونا جديدا فقط، تريد هذه الأطراف التي تخدم أجندات أجنبية أن تفكك الجزائر و تقسمها، و تخلق منها جمهورية "موز" كما يقال، فظل الوضع على حاله، و لم يتغير ما كان يطمح إليه الحراكيون، و قد يتعفن الوضع إذا ما ظلت سياسة تكميم الأفواه و الإعتقالات مستمرة، و ظل الفساد ينشر سمومه، بدليل أن السلطة تريد تغليط الشعب و الرأي العام عندما تصرح على لسان الناطقين باسمها بأنه لا يوجد في السجون الجزائرية معتقلي رأي، مما يعمق الأزمة أكثر ، خاصة إذ كان المعتقلون السياسيون لا يعاملون معاملة إنسانية، فما نقرأه في الصحف عن المحاكمات المبرمجة للسجناء السياسيين و الذين اعتقلوا اثناء الحراك الشعبي، خير دليل على أن السلطة تكذب على الشعب و تريد تغليطه و استغفاله، و هذا يوحي بأن الوضع غير آمن و غير مستقر ، أمام ارتفاع أصوات بأن هناك أمور تخطط في الخفاء و من وراء الستار لضرب الحراك و إسكات صوت الشعب.

لا أحد يمكنه طبعا أن يزعم أن الحريات في العالم كلها مضمونة و في أحسن حال، فقد تحدث تجاوزات من طرف السلطة يمكن تجاوزها ، خاصة في الظرف الإستثنائي ( الأوبئة و الحروب)، لكن أن تستمر السلطة و الأنظمة في استفزاز شعوبها بتسليط عليهم قوانين لا تخدم الحريات ( فردية كانت أو جماعية)، فلا تنتظر من الشعوب إلى الإنقلاب عليها و التمرد ، تكشف تقارير الجدل القائم حاليا حول حروب حقوق الإنسان و زمن أفوله، و ماهي القضايا التي تنتهك حقوق الإنسان في عالم يشهد تغيرات على كل المستويات، فمن جهة معرفة من هو مجتمع حقوق الإنسان، هل السلطة الدستورية؟ أم المجتمع المدني؟ ثم معرفة ماهي حقوق الإنسان في أوقات الحرب و الوباء؟ من أجل إثبات إن كانت حقوق الإنسان أكذوبة سياسية صنعتها القوى السياسية أو جماعات الضغط أم هي مشروع حقيقي للإنسانية جمعاء، و من جهة أخرى إبطال ما يروج من شائعات بأن سنة 2021 ستكون ربيع عربي جديد؟، ليس في الجزائر فقط بل في كل شبر من الوطن العربي، و هذا يتطلب إعادة النظر ( استعجاليا) في كل المسائل و المشكلات المتعلقة بحقوق الإنسان في ظل انشار الوباء.


علجية عيش