أولا: عليك بالتخلص من المفاهيم الخاطئة أولا، يعني حول تعرّف كل مفهوم تعريفا صحيحا، وهذا يلزمه الاطلاع والانفتاح على الرأي الآخر دون محاذير، وقراءة تعريفات المفهوم العلمية التي وضعها السابقون، وملاحظة تطور التعريف عبر الزمن..ثم فهم هذا التطور وفقا للواقع التاريخي


يعني مفهوم "الدولة" في القدم كان يعني (السلطة) فتكون حكومة الملك هي الدولة نفسها، وفي عصور التنوير تغير هذا المفهوم بالعقد الاجتماعي فجرى فصل مفهوم الدولة التي تشمل مصالح الكل عن السلطة الموكلة عن الجمهور..وهكذا..أما الآن فقد تحولت الدولة إلى (جنسية وهوية) تحوي مصالح منتسبيها، فمنذ 200 عام لم يكن الحصول على جنسية دولة أخرى متاحا لأن تعريف الهوية والدولة لم يكن متطورا كما هو الآن، فالمصري سيظل مصريا والفرنسي سيظل فرنسيا إلى أن يموت...وهكذا، الآن هذا انتهى فبالإمكان أن يصبح المصري فرنسيا ويموت فرنسيا وتنقطع علاقته بمصر إلا أن الهوية تظل معه لفترة مؤقتة حتى تنقطع مع أحفاده..


ثانيا: بعد اكتسابك المفهوم الصحيح أو الأقرب للصحة أو الأدق وصفا علميا..ستكون قد تخلصت تلقائيا من (المقارنات الخاطئة) فيعتدل تفكيرك ويصبح أكثر دقة وتحليلا للأمور..


ثالثا: بعد تخلصك من المقارنات الخاطئة (ستكتسب مبادئ جديدة) هي التي تشكل معاييرك الخاصة وقيمك وأعرافك في التعامل مع الأفكار والنظريات، لكن هذا كله سيحدث بمعزل عن الأخلاق إذ أن تطوير أخلاقك وسلوكك الشخصي مرتبط بأمور أخرى نفسية خاصة بالتهذيب وضرورة تطبيق فكرك المنطقي ومبادئك على سلوكك، وأفضل تعبير عن ذلك الحكمة القائلة (حب للناس ما تحبه لنفسك) و (الناس سواسية كأسنان المشط)..وهكذا..


رابعا: بعد اكتسابك مبادئ جديدة لن تلوم الناس على أخطائهم وتلتمس لهم العذر، وهذا ما وصل إليه الأذكياء في تقعيد قاعدة (العذر بالجهل) لأنه ببساطة إذا لم يعذرك الناس وأنت جاهل لما تغيرت واكتشفت ذلك بنفسك، فاعط لغيرك فرصة أن يخطئ ويجهل لعله يعود مثلما عُدت، وهذه الصفة يكتسبها الحكماء ويظلوا يرددوها على تلاميذهم ويقنعوهم بضرورة الصبر واحتواء الطرف الآخر..


خامسا: بعد عذر الآخرين لجهلهم ستصبح مفردات (فضائح وتوبيخ ولوم) هي معانٍ قبيحة عندك، وستبدأ في رؤية الآخر ككيان إنساني له الحق في أن يخطئ ويختلف معك، وقتها لن يتشتت تفكيرك لأمور شخصية وتركز فقط على (موضوع الفكرة) وهذه الحالة التي وصل إليها الحكماء والفلاسفة من كثرة التجارب أو بالنظر العقلي (الذكي) لذا فعندما ترى من يشخصن رأيك ورأي غيرك ويبدأ بتتبعك فاعلم فورا أنه لا يعذر جهل الناس وبالتالي ليست لديه مبادئ جديدة وبالتالي يُخطئ في المقارنات وبالطبع لديه مفاهيم خاطئة كثيرة..


سادسا: بعد الوصول لهذه المرحلة لن تضطر إلى البلاغة والخطابة والإنشاء لإقناع غيرك أو توصيل فكرتك، وهذه الوسائل أكثر ما تعمي العين وتخدع الآخرين وتوصلهم لحقائق زائفة، وسيكون تفكيرك فقط منصب على (الإقناع المنطقي) ولن تكون مضطرا لخوض معركة معه لكي يقتنع، لأن إيمانك الداخلي وقناعتك النفسية أن الحقيقة لابد لها وأن تسود، وأن المنطق في الأخير سينتصر..حتى ولو بعد حين..


سابعا: ستقرأ في باب (المغالطات المنطقية) وهي مرحلة قبل الأخيرة يصل إليها أصحاب الفكر المنضبط، ووصولك إليها وعشقك في قرائتها وحبك لسماعها يعني أن لديك عقلا متطورا عن معظم محيطك الاجتماعي، وسيعزز ذلك لديك (عذرهم بالجهل) ولديك أجوبة لمعظم الأسئلة تقريبا، وفي ذات الوقت لديك الشجاعة للاعتراف والاعتذار للقوة المنطقية التي تتمتع بها ..فالضعيف فقط هو من يخشى الاعتذار


ثامنا وأخيرا: ضبط أفكارك ومنطقك سيؤهلك لامتلاك فكر إنساني مضبوط بميزان العدالة، فالعدل يعني الإنسانية، والإنسانية تعني العدل..وقتها تصبح كل مفردات ومفاهيم البشر الخارقة للعدالة لديك (تستوجب إعادة النظر) وهذه النقطة التي وصل إليها فقهاء المعتزلة المسلمين قديما والفلاسفة من كل الشعوب والأديان في الغالب..ومن خلال النظر الإنساني المبرأ من خطايا المجتمع والفكر نجحوا في تغيير المفاهيم وتطوير المجتمع الإنساني عبر التاريخ..


والبشرية وصلت بالفعل لهذه المرحلة وتجلى دستورها في (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1948م) حتى صار جزءا لا يتجزأ من الدساتير الحديثة، وما من دولة لها دستور إلا ويشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان جزء كبير من مواده بنسب مختلفة..


أكثر الناس المفتقدين للمنطق هم الإسلاميين والمؤدلَجين المتعصبين ..لأن (المفهوم) لديهم خاطئ منذ البداية، وبالتالي يكتسبون مقارنات خاطئة ومبادئهم قديمة ولا يعذرون بالجهل ولا يرون للآخر حق أن يخطئ ويجتهد، فالفكرة المسبقة لهم عن الآخر هي (شيطان مريد) أو (فوضوي مارق) يجب أن يمتثل للنظام والقانون، في ظل أن شيوخه وزعمائه وهموه أن لديه القانون والنظام الكافي لضبط هؤلاء،..لذا فعندما يحدثك أحد منهم فاعلم أن مفردات الهداية والرشد التي يطلقها ليست لها معنىً أخلاقيا بل (قانونيا) فلو حصل عليه واكتسب السلطة اللازمة لتطبيقه لن يتردد في (إجبارك) على الالتزام..برغم أن نظامه وقوانينه أولا ليست علمية ومنتهكة للعدل ويرى أن مطالبك للإصلاح والعدالة هي تصرف غير مسئول سيؤدي ليس فقط لتدميره هو..بل إلى فناء الكون..!


ورحم الله من قال أن (الخلافة أو الضياع) فقد كان لامنطقيا منذ البداية.