[B

]تقريظ كتاب "الإرشاد إلى تحقيق بانت سعاد"
تأليف الشيخ فيض الرحمن بن الشيخ خدر خان، الحَقاني،
الأردن، عمان، دار النور المبين، ط 1، 1442هـ/2021م، 328 ص

[يصدر قريبا إن شاء الله]
***

ابن الأحمر

(عضو اللجنة الشرعية في رابطة علماء المغرب العربي، سابقا)
(عضو مشارك في جمعية علم الاجتماع الدولية (ISA)، واشنطن)


إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءًۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۗ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ .
أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِى النَّارِ.
شرّفني أخي الشيخ الفاضل (أبو سفيان فيض الرحمن بن الشيخ خدر خان، الحقّاني)، قدسَ الله هُداه وسَقَى مُنتَداه، بالتقديم لكتابه، فآثرت التقريظ؛ ذلك أني لما تأملت محاسِن رَقشه، نشرتُ أعلامَ الثناءِ والشكر!
إنّ كتاب "الإرشاد إلى تحقيق بانت سعاد" -لا يخفى على ذوي الألباب- أنه جامعٌ للفرائد، زاخرٌ بالفوائد، جمّ العوائد. وهو بِحق فريدٌ في بابه، لم يَنسُجْ أحدٌ على مِنواله. وممّا يميِّزه ذاك النَّفس الإيمانيّ الذي صُوِّر بعبارات لطيفة رائقة، وألفاظ منتقاة لائقة، تتغلغل في أعماق القارئ وتُحرّك منه المشاعر. والتقوى أفضلُ حُلّة، والمروءةُ أجَلّ خُلّة.
شِعر كعب بن زهير رضي الله عنه جزل الأسلوب وعذب في الأفواه والقلوب. أما من ناحية الصُّنعة الحديثية فإن أسانيد قصيدته غير مرضية؛ إذ احتوَشَتْها الغرابةُ والإرسالُ والمحال. ومن ذلك ما جاء: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعطاهُ [أي كعبُ بنُ زُهَيرٍ] بُردَتهُ حين أنشدَهُ القصيدةَ [بانَتْ سُعادُ]" .
وقِدْماً شرَحها جمعٌ من فضلاء الدهر، وعلماء العصر، فاستفاد المصنِّف من شروحهم شرحا جامعا كواسطة العقد. وتصرف في التصنيف حتى صار كتابه صدر ناديها وقلادة هاديها. أما ترى روضات آدابه ذوات أزهار؟!
إنه محتوٍ على علومٍ شريفة، وآدابٍ لطيفة. مشتملٌ على: دقائق أسرار العربية معجما وصرفا وإعرابا وبلاغة وعروضا، مُنْطَوٍ على المباحث التي هي مفاتيح العلوم الأدبية؛ إذ برزت في حاصل المعاني والنكات الدراسية والبحوث العلمية. ولم ينسَ إيضاحَ مقاصدِه في الموضوع ومذاهبِه. ولقد أجلب الخيرَ بخيلِه ورَجِلِه، وانتهت القوس إلى باريها.
وبعدما كرَّرتُ النظرَ في مَعاقد أصوله؛ وجدتُ المصنِّف قد أوضح فيه ما عمّوه، وأبرز ما ستروه وغمّوه، وأجلى في منصة الإبداع بناتِ فِكره حتى أبان صباحها، وفاضتْ في كتابه السرائر، وعُقدت على حُبّه الضمائر!
وتميزتْ مطارحاتُه في المسائل بطولِ الباع وسعةِ الذِّراع. وعَجَم مِن عُود البلاغةِ ما عجَم. وإنْ نَقَل أوضحَ العبارة وصَقَل. وله في فن الأدب سَهْم، وفي معاناة المعاني تحقيق لا يدخله وَهْم؛ ذلك أن له الأدب الذي تحلَّت بقلائدِه اللَّبَّاتُ والنُّحور، وقَصُرت عن جواهِره البُحور. وأجال في كل فن قِداحا؛ فجَلَّى في مَيدان الإجادة وبرّز، وطوّف الأبياتَ وطرَّز. وفي تضاعيف هذا المجموع ما يشهد بسعة دِرْعِه، ويُخبرُ بكرَم عُنصره وطيبِ نَبعه.
وقد جعله ميسَّراً لمن قَرأه، ميسِّراً معرفةَ علومِ اللغةِ والأدبِ على مَن طالَعه. وهذا ما تنتظره النواظر، وتشهد بوقوعه خطرات الخواطر.
وبان أنه اجتنى ثمرة العلم صبيا ويافعا وفتى وكهلا، فتعلم وحصّل، وبلغ الغايةَ وتوصّل حتى انفسحَ في العِلم مجالُه، وشهدتْ له بالإجادةِ شيوخُه ورِجالُه، فأصبحَ صَدرًا في مصرِه، وغُرةً في صفحةِ صَدره. ومَنْ لَزِم العلماءَ زهَا بَدرُه، ومَنْ رافقَ السُّفهاءَ وَهَى قَدرُه. وهو اليوم أديبٌ على السَّنَن سالك، وبليغٌ لزِمام القَولِ مالك، حاملُ فنونٍ جَمّة، وإن كان لغير فنٍّ من الأدب مَصروفًا، وبعلوم الدين معروفًا. وإذا بدت البدايات صحيحة كانت النهايات على غاية النُّجْح. والقَبولُ مِن عند الله.
ولله الحمد على سابِغِ نِعَمه، وعلى ما مَنَّ به من فَيض فضله ودَوام دِيَمِه.
والله المسئول في مَغفرة الذنوبِ وستر العُوَار، ومسامحةِ ذي اللعبِ والخَوض بِوُرُودِه الحَوض يوم الأُوار.
وأسأله سبحانه وتعالى، قاشِعُ غَمَّامِ الغُمُوم، وقاصِعُ هَمَّامِ الهمُوم، أن يمنحَنا وطُلابَ علومِ الدينِ ولسانِ العربِ قلوباً حافظة، وألسنة لافظة. وأن يحفظنا من غمَرات طَوارق الأسْقام وسَطواتِ اللئام. وأن ينصب لنا رايات الهدى والإيمان بعد دُرُوسِه، وأن يخفِض منارَ الكُفر والطُّغيانِ بِهَدْمِه وطُمُوسِه.
والصلاة والسلام، على صاحب المقال والمقام، نبينا محمد المؤيَّد باللسَن والبَراعة؛ صلاةً وسلاماً دائمين إلى يوم الساعة، وعلى آله الأطهار، وصحبه من المهاجرين والأنصار، وعلى مَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

ابن الأحمر
(الشيخ أ. د. جمال بن عمار الأحمر الأندلسي الأنصاري الساعدي النصري)
(من نسل سيد الأنصار، سعد بن عبادة رضي الله عنهما)
في الشتات الأندلسي بالجزائر، ليلة الخميس 29 جمادى الأولى 1442هـ
[
/B]