تُصِرُّ فرنسا بشعبها و حكومتها عدم تقديم الإعتذار عن جرائمها في حق الشعب الجزائري الذي عانى 132 سنة استعمارا و تعذيب مجاهدين و مواطنين أبرياء و تقتيلهم ، و تجويع أطفال صغار و حرمانهم من التعليم و التطبيب و سلوكيات أخرى مرتبطة بالإستعمار كتجريدهم من أراضيهم و ممتلكاتهم، و اغتصاب نسائهم و بناتهم، ما فعلته فرنسا في الجزائريين لم تفعله منظمات إرهابية و لا حتى داعش، إن قلنا أنّ فرنسا هي عرّاب داعش، بل هي داعش نفسها، فلا يوجد مصطلح آخر يمكن وصفها به، الحقيقة تعكّر مزاجي هذا الصباح و أنا أتصفح الصحف الوطنية، وأتفقد عناوينها المنشورة بالبنط العريض، حيث نشرت إحدى الصحف و في الصفحة الأولى على لسان المؤرخ بن يامين ستورا صاحب تقرير الذاكرة الذي اعتبر الإعتذار عن جرائم فرنسا شمّاعة لتعطيل المصالح، و أن معالجة هذه المسائل العمل لها يكون على مدى بعيد و طويل.
فمن جهة أراد ستورا القول أن المأساة لم تقع في الجزائر وحدها بل المأساة وقعت في فرنسا كذلك، و هذا يعني أن الجزائر مطالبة أيضا بالإعتذار للفرنسيين عن القادة و الجنود الذين قتلتهم فوق أرضها التي سلبوها منها ، و كان على الجزائريين أن يصمتوا و هم يشاهدوا نساءهم تغتصب و عرضهم يلطخ في الطين، هذا ما كانت تنتظره فرنسا من الجزائريين الأحرار، و لولا الخونة من الجزائريين لما بقيت فرنسا تحتل الجزائر طوال هذه المدة، و من جهة أخرى أراد بن يامين ستورا أن يقول أن معالجة هذه المسائل تحتاج إلى وقت طويل جدا ، بمعنى أنه وجب أن نؤجل الحديث في هذه المسائل أو نتركها لأجيال أخرى ( إن رغبت هي في ذلك) و نكتفي نحن بمناقشة المسائل الجوهرية و الذهاب إلى الملموس في مسألة الذاكرة، يعني عفا الله عمّا سلف، و قد توظف فرنسا "الإسلام" في ورقتها، باعتباره دين تسامح و تعايش، رغم ما تكنه من عدائية لديننا الحنيف، ففي السياسة كل شيئ جائز و مقبول.
لا ندري ماهو الملموس في نظر فرنسا؟ و هي تقفز على مطلب 44 مليون مواطن يمثل دولة، فرنسا لا تزال تتجاهل المطلب الجزائري و تصرُّ على رفضها تقديم اعتذار للجزائريين و للحكومة الجزائرية عمّا ارتكبته من جرائم ضدها و ضرب اقتصادها و تشويه هويتها ، تريد فرنسا أن تمحو ذاكرة الشعب الجزائري...، تريد فرنسا أن يصاب كل الجزائريين بـ: " الزهايمر"، فلا يتذكرون شيئا مما حدث لهم و لآبائهم و أجدادهم، تريد فرنسا من الجزائريين أن لا يتذكرون تاريخهم ، لا يتذكرون شهداءهم، لا يتذكرون قادة المقاومات الشعبية...و...و...الخ، و هي بذلك تتجاهل هذا المطلب و لا تعتبره جزءًا من قضايا حقوق الإنسان و هي التي رفعت شعار: حرية، مساواة.. Liberte Egalite، و نعتذر إن حذفنا الأخوة من هذا الشعار، فلو كانت فرنسا تحترم نفسها لاحترمت الشّعار الذي رفعته.
خطاب ستورا كان خطابا استفزازيا يحمل العدائية و الكراهيية للشعب الجزائري، لكنه جاء بأسلوب دبلوماسيٍّ راقٍ، في وقت تواصل فيه فرنسا حملاتها المسعورة على الجزائر و الإسلام و نشرها الفكر التغريبي لطمس الهوية العربية الإسلامية و السؤال: ماذا تنتظر الجزائر من فرنسا؟، و هي التي صرحت: " لا اعتذار عن حرب الجزائر" ...، ماذا تنتظر الجزائر من فرنسا و أرشيفها لا يزال محفوظا في الخزائن الفرنسية، ثم كيف تعترف فرنسا بجرائمها و تعتذر ، و الإستعمار الفرنسي في الجزائر لايزال قائما و مستمرا فكرا و ثقافة و اقتصادا؟ ، فجل القوانين في الجزائر مستمدة من القوانين الفرنسية؟ ألا يجدر بالحكومة الجزائرية أن تحرر نفسها و قوانينها و اقتصادها من التبعية الفرنسية؟..
طبعا الأمور مُعَقَّدَة و يصعب حلها في وقت قصير، طالما هناك جالية جزائرية تعيش في فرنسا، لا نتكلم عن حاملي الجنسية الفرنسية من الجزائريين، فهم اختاروا طريقهم و قرروا مصيرهم، ما يمكن قوله هو ، أنه لا توجد دولة تعرّض شعبها لإستعمار مثل الإستعمار الذي تعرضت له الجزائر، ثم تأتي جماعة و تروّج بأن الجزائر حرّرها الجميع ( هزلت)، و لذا لا ننتظر من فرنسا أن تعتذر، لأن هناك مصالح مرتبطة بينها و بين أطراف في الجزائر، مصالح تخدم فئة معينة على حساب كرامة الشعب الجزائري و كبريائه، و ستواصل عبثها بمقومات الأمة الجزائرية، طالما السلطة الجزائرية وافقت على تجاوز الخلافات و إعطاء العلاقات الثنائية دفعا قويا يضمن المصلحة المشتركة.
علجية عيش