وحدة فتح والتوازن الاقليمي والدولي للقضية الفلسطينية.

قد تكون وحدة فتح تساوي عقدة القضية الفلسطينية في ظل تيارات ومراكز قوى متعددة فيها لاتحتكم للنظام الاساسي فيها وفي ظل التيار الرسمي الحاكم والمتحكم في اقدارها والتزاماتها وهي حالة خروج وتجنح عن فرضيات الفكرة ووجودها وتجربتها منذ الطلقة الاولى بالاضافة للمتغيرات في مسيرتها من حالة الثورة الى حالة البحث عن الدولة بدون نضوج ثوري او نضالي او تغيير في موازين القوى مع الاحتلال مما دفعها الى السير قدما ً في عملية توريطية تاريخية للشعب الفلسطيني من خلال اتفاقية اوسلو التي جردت حركة فتح من كل قواها النشطة والمناضلة وهي مقتضيات تنفيذ اتفاقية اوسلو على الارض في سلطة لا نريد ان نخوض في التوسع في ماهيتها الان ودورها ووظيفتها ، ولكنها مازالت تبحث عن تجديد ثوبها من خلال عدة اطروحات فرضها الواقع الاقليمي والدولي عليها ، ومن خلال سلطة تسمى سلطة الحكم الذاتي التي فرض عليها تطوير ذاتها من خلال وزارة ورئيس ومجلس تشريعي كمؤسسات لادارة الحكم الذاتي تشريعية وتنفيذية في حين مازال الاحتلال هو السيد والحاكم من خلال مسؤول الادارة المدنية والادارة المدنية للاحتلال .

وحدة حركة فتح هو الشعار الذي يرفعه كثير من الفتحاويين وهي مطلب وطني ولكن كثير من تياراتها تدعو لتلك الوحدة من خلال دراسة التجربة الماضية وتصحيح مفاهيم العمل النضالي والثوري بما يتناسب مع الانهيارات التي حدثت بالمواقف الاقليمية والدولية المؤيدة للقضية الفلسطينية ولها اسبابها ودواعيها منها ذاتية بحد كبير واقليمية ودولية ايضا ً ، ولكن مازال التيار الرسمي يعبث في شؤون حركة فتح بما يمتلك من دعم من قوى الاحتلال وقوى اقليمية ودولية لانها هي الاطار الذي يمكن ان يقدم عدة تنازلات ولا يمكن ولا يستطيع التراجع للخلف ولو لامتار لصياغة معادلة جديدة اكثر عدلا وانصافا وحقوقا للشعب الفلسطيني وبالتالي الواقع الدولي وعلى راسه امريكا واسرائيل مازالت تتمسك بالسلطة التي هي مولودة وناتجة عن حركة فتح فقط لاغير ، اما اليسار الفلسطيني والمكونات الاخرى فهي كانت عاجزة تماما عن التصدي لخط التفريط في حركة فتح بل استخدمت كعامل مساعد لاعطاء الشرعية لمن يفتقدون الشرعية الوطنية بمقاييس اساسيات القضية الفلسطينية كقضية تاريخية وحقوق واستعمار استيطاني استولى على الارض كامل الارض ويتحكم في مقتضيات كل الشؤون الفلسطينية في الداخل وحالة التشتت لـ8 مليون لاجئ ونازح في الخارج اصبح بموجب اهمال منظمة التحرير وتجميد صلاحياتها هي مجرد عنوان او منشيت عريض ليتم من خلالها عقد الصفقات السياسية التي في الغالب هي ضد مصالح الشعب الفلسطيني .

كما قلت هناك عدة تيارات في حركة فتح بين المتشدد وبين المعتدل وبين من هم لا يتفقون مع واقع سلوكيات رئيس فتح في التيار الرسمي ، ولكن الاكثر انتشارا الان والذي قدم عدة خدمات للشعب الفلسطيني في ظل عدة قرارات قام بها التيار الرسمي ضد قطاع غزة وما يقارب من 200 الف عامل فلسطيني في الضفة الغربية يذهبون للاراضي المحتلة لكسب رزقهم وحالات الفساد الشرسة والمنتشرة في الضفة الغربية ، هذا التيار اصبح له قبول في الشارع الفلسطيني كمعبر عن بعض المعالجات لهذا الواقع ، ومن هنا كان الانتشار ولكن مع التزام هذا التيار بقرارات منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها وهي بمقتضيات ومستلزمات التقيد المفروض من السياسات الاقليمية والدولية على القضية الفلسطينية ، فالان اعتقد حتى التيارات الاخرى بما فيها الاحزاب التي تدعو للمقاومة وتقول انها تمارسها اصبحت لا تجرؤ في ظل المتغير الدولي والاقليمي ان تطرح برنامج تحرير فلسطين من النهر الى البحر ولذلك اعتقد في الاونة الاخيرة ودعوة حماس للتقارب مع التيار الرسمي عبر لقاءات عبر الفضائيات ثم اسطنبول ثم الدوحة ثم القاهرة التي يحاول الطرفين في الضفة وغزة تجاوز الانقسام بما يقرب من تصالح حول المصالح والقريب للفدرالية او الكونفدرالية الذاتية بين غزة والضفة ومهما كانت نتائج الانتخابات ، فكل منهما لا يسطيع ان يلاشي الاخر في مكانه بما يمتلك من اجهزة سيادية ولا يمكن التوافق في البرامج بحد كامل ولكن بالحد التقريبي ، ولذلك فضل التيار الرسمي بقيادة محمود عباس ان يعقد التحالفات مع حماس والقوى الاخرى القزمية في الساحة الفلسطينية وهو سلوك تعود عليه الرئيس الراحل ياسر عرفات امام معارضيه بدلا من ان يبحث عن وحدة حركة فتح كقوة اساسية في الساحة الفلسطينية ومهم كان برنامجها تبقى حركة فتح واسعة الانتشار وقريبة عاطفيا ووجدانيا مع الشعب الفلسطيني بما تحمل من ذكريات البطولة والاستشهاد وشعارات ومبادئ استبشر فيها الشعب الفلسطيني قديما لتحرير فلسطين .

وحدة فتح والتيار الاصلاحي

منذ البدايات ومنذ الخلاف الاول في عام 2011 بين ابو مازن ومحمد دحلان وجميع الادعاءات والافتراءات التي وجهت لمحمد دحلان والتي ثبت عدم صحة اي وثيقة تبين صحة هذه الادعاءات وبداية ظهور تشكيلات ترفض حالة الظلم والسلوك الدكتاتوري وزعامة الشخص الاوحد لحركة فتح ، حيث تبلور التيار الاصلاحي بجماهيره العريضة في قطاع غزة ومناطق اخرى في الضفة ولبنان والعالم كان الطرح هو البحث عن وحدة فتح واعادتها من خاطفيها ولكن تبين ان هؤلاء الخاطفين لهم من الاذرع الاقليمية والدولية والاحتلال ما يحافظ على وجودهم على الارض كامتياز وبذلك فشلت جميع الواساطات وجميع الاطروحات التي طرحها محمد دحلان والمشهراوي لحل الخلاف واعادة وحدة حركة فتح وتقييم برنامجها على قاعدة نضالية وسلوكية تحقق العدل الجغرافي والعدل الوطني على الارض الفلسطينية فكرا وممارسة ، ولكن اشتدت المطالب لوحدة حركة فتح مع توقيع الرئيس لمراسم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ظل تفكك حركة فتح ، حيث تفيد بعض الانباء عن اكثر من قائمة لفتح مما دفع الرئيس عباس ليقوم بالتهديد لكل من يخرج عن قائمة حركة فتح بالقتل واشد العذاب ، ولكن نسي الرئيس محمود عباس واهمل للان جميع الضغوط المصرية الاردنية والروسية ودول اخرى لتوحيد حركة فتح مع اكبر جناح معارض وهو التيار الاصلاحي وفضل التقارب مع قوى فلسطينية اخرى المعهود لها تاريخيا انها تعيش في كنف التيار الرسمي لحركة فتح بالاضافة الى التيارات الاسلامية التي ترى من نفسها قد تكون بديلا في المرحلة القادمة عن انهيار حركة فتح وبموجب متغيرات دولية بفوز بايدن الذي لا يختلف كثيرا عن سياسة اوباما وهيلاري كلينتون ، وبالتالي دخلت حماس في تعاون مطلق وتنازل نحو اتفاق مع محمود عباس الذي اتهمته بالخيانة سابقا ، وهنا نضع عدة علامات تعجب على هذا السلوك ! .. ولكن مازال التيار الاصلاحي وللحظة الاخيرة يمد يديه لوحدة حركة فتح كما قلت على قاعدة العدالة الجغرافية والتنظيمية والبرمجية الوطنية التي تعيد دراسة التجربة وتلافي اخطائها ومتجهاتها ، ولكن يبدو ان الامور في وجهة نظر عباس ودول اقليمية اخرى قد تختلف ، فهم يريدون ايضا وحدة حركة فتح على نفس برنامج محمود عباس والتزامات اوسلو وليس على برنامج جديد او تراجع عن اتفاقية اهدرت الحق والمال للشعب الفلسطيني والارض ايضا .

من هنا اعتقد ان قصة اطروحة وحدة حركة فتح اذا ما قلت ان حركة فتح منذ تاسيسها لم تكن موحدة وربما في مراحل معينة كانت موحدة شكلا وليس موضوعا في عهد الابوات فاصبحت قصة اطروحة حركة فتح هي مطلب اقليمي دولي من خلال التناقضات ومستوجبات المواقف الاقليمية والدولية للقوى الفلسطينية على الساحة بين العلمانية والاسلامية وكل له اهدافه ، ولذلك ولاختصر كثيرا ً اذا لم يستجيب محمود عباس لكل تلك الدعوات لوحدة حركة فتح واعادة خطها النضالي فمن وجهة نظري الشخصية ما عاد من اللائق ان نتمسك بحاضر لحركة فتح يذكر الاجيال الفلسطينية بالهزيمة ولذلك امام التيار الاصلاحي بقاعدته العريضة ان يبحث عن مخرج لهذه المعضلة والتمسك بالتجربة لا يعني التمسك بمراحل انهزامها وهزيمتها ولذلك امام التيار الاصلاحي فرصة ليفكر اكثر من مرة وان يعبر عن نفسه من خلال اطار ومسمى وطني يكون فيه مقاربات مع ادبيات فتح وعمقها السياسي والاجتماعي والامني والتنظيمي وبين متطلبات المرحلة على ضوء الواقع الذاتي والمتغيرات المهمة والخطرة للواقع الاقليمي والدولي .

بقلم / سميح خلف