القضية الفلسطينية اولا
ربما يتهم الواقعيون اولئك الذين ما زال حُلمهم بتحرير فلسطين كجغرافيا تاريخية بالسوداويون او المثاليون الذين يركزون عل جوانب النقص مقابل كم من الايجابيات التي حققها الواقعيون كما يعتقدون من انجاز بينما الملتزمن او المنضبطون للمعنى والمفهوم التاريخي والوطني ( المثاليون) يتهمون الواقعيين بالخيانة والفساد ويصنعون برامج لا تتعدى عن التعبير عن الكيف والكم من المصالح الذاتية لهم بنرجسية عالية ومتعمقة ودقيقة ، ويرد الواقعيون باتهام المثاليون بالطوباوية والتهور والعدمية مبررون سلوكهم التفريطي بالارض وحقوق الشعب واصول القضية لعوامل يتم اسنادها لمتغيرات اقليمية ودولية ، بالتاكيد ان لكل طرف مبرراته ومصالحه بل يصف الراديكاليون الواقعيون برامجهم بالراديكالية الملتزمة بخطوط العرض والطول لمصالحهم ومفهوم المجتمع المدني والديموقراطية البرلمانية وهو تطبيق لا يخلو من البيروقراطية وحركة رأس المال المسيطر عليها تماما ، وكما هو الحال في التجربة الفلسطينية التي افرزت تكتلات بيروقراطية واقعية تتعامل مع الصراع بما سمونه واقعية وكثفت وجودها من خلال تراجعات عن القرارات الدولية للصراع وبرغم ان تلك القرارات لا تنصف الشعب الفلسطيني ، بل مضت للامام لتكريس وجودها عبر تراجعات تحسب تاريخيا على
الشعب الفلسطيني وحقوقه بما يسمى حل الدولتين والمبادرة العربية ومبادرة بوش ومبادرة كيري الى ان تحولت القضية الفلسطينية الى قضية استيطان في عمق الدولة الفلسطينية المختزلة من الارض الفلسطينية والتي تمثل فقط اقل من 20% من اراضي فلسطين ال تحويل القضية الفلسطينية لقضية انسانية بشكلها المهم الشكل الامني في المنطقة والذي يجب ان يوضع له محددات امنية واقتصادية وسيادية من خلال منطق سياسة الحزب الديموقراطي الامريكي وادارته الجديدة برئاسة جو بايدن وبمفهوم دولة ( قابلة للحياة ) وليست دولة ذات سيادة كاملة على حدودها وجغرافيتها وامنها واقتصادها .

المثاليون كما يسمونهم والمتمسكين بالثوابت التاريخية والاصولية للصراع وبجوهرها قضية اللاجئين والارض والجغرافيا السياسية لفلسطين وهم رجال منطق الثورة التحرري من الاحتلال وهي تيارات ضعيفة بعد انهيار شبه كامل للاطار الثوري وارتكازاته وغير مدعومة اقليميا ما زالت تتحدث بانه بالامكان تحرير فلسطين اذا ما نظرنا للديموغرافيا على الارض الفلسطينية وامكانية قلب المعايير والمعادلات من خلال انجاز حدث او احداث تغير طبيعة النظام السياسي التفريطي ( الواقعي ) وصناعة اجيال بتعبوية ممنهجة لها خيارين اما الدولة الواحدة التي لن تسلم بها اسرائيل بسهولة بل ان تكون الحالة الوطنية جاهزة ان تدفع بقدر كبير من الضحايا لاعادة ترسيم الديموغرافيا بناء على حقوق وارض الغائبين والدستور والعدالة وشكل النظام السياسي للدولة الواحدة او الخيار الاخر وهو الصراع المفتوح كما نصت عليه ادبيات فتح لاقتلاع المشروع الصهيوني وهو خيار لن يقبله العالم الان بل كان ممكن قبوله في القرن العشرين وتعدد القطبية في العالم . وهو في حد ذاته هو الاتهام الذي يتحدث عنه نهج الثوابت بان قيادة الثورة ومنظمة التحرير لم تستغل الظرف لاعداد ثوري وانجاز في مرحلة كان يمكن ان تنجز فيها مرحلة من التحرير بل انساقت وراء وعود امريكية اوروبية لدولة فلسطينية بحل اقتصادي امني شتت القضية الفلسطينية واحدث تصدعات في الحالة الوطنية والثقافية وما لحق بالانقسام . ولكن اعتقد اذا ما استطاع الفلسطينيون القفز عن مخطوطة حل الدولتين بطريقة عرضه المهينة وصناعة حدث شعبي متكامل نحو حق تقرير المصير بكل جوانبه وفعالياته فان العالم سيصغي جيدا لهذا المنطق بعد فشل عشرات المبادرات وفشل اوسلو وتغلغل الاستيطلن والاشتباك السكاني والاقتصادي .

على العموم لا يبدو في الافق اي خيار من الخيارين السابقين في هذه المرحلة وتجددت مقولة حل الدولتين ومبادرة بوش بعد فوز بايدن واندثار مبادرة وخطة ترامب التي سُميت بصفقة القرن الا ان تلك الادارة التي تلتزم تاريخيا بامن اسرائيل لن تتجاوز بعض قرارات ترامب وخاصة الخاصة بالقدس بل يمكن ان تخفف الضغط على السلطة ببعض القرارات الخاصة بالانروا وموازنة السلطة من خلال مؤسسات مدنية تتجاوز المغهوم الدستوري لقرارات ترامب .

اذا مجددا اصبح طرح حل الدولتين يتصدر الشارع السياسي العربي بما يتناسب مع برنامج الحزب الديموقراطي وادارة بايدن ونظرة تلك الادارة لمنطقة الشرق الاوسط وازماتها سواء الانفراج في ازمة المشروع النووي ومحاولة او طرح توازنات اقليمية جديدة في اليمن والعراق وسوريا بين القطب العربي متمثل بالسعودية والخليج ومصر ومن هنا كان لابد من التفكير بالنظرة السريعة كتحضيرات سياسية وامنية في مقدمتها القضية الفلسطينية فمن جديد سمعنا خطاب ان قضية فلسطين هي قضية العرب الاولى وعل سلم الاوليات بعدغياب اكثر من عدة عقود اتكلوا فيها العرب على الاتفاق الثنائي بين منظمة الحرير واسرائيل باتفاق اوسلو وغابت في الخطاب العربي واخره اجتماع وزراء الخارجية العرب قضية التطبيع وعادت من جديد لغو الارض مقابل السلام على حدود الرابع من حزيران .
بالتاكيد ان العالم مدركا لاهمية حل القضية الفلسطينية امام كم من المبادرات سواء ذات المرجعية الدولية او الاقليمية او المبادرات مثل مبادرة كيري والمبادرة الفرنسية والمبادرة العربية . ولكن ما زالت السلطة تدعو لمؤتمر دولي للسلم وتم قبول تلك الدعوة من الامين العام للامم المتحدة ولكن هل ستتراجع السلطة امام سياسة الادارة الامريكية الحديدة التي هي محسوبة على المسيرة التاريخية للديموقراطيين والتي تؤكد ان حل الصراع بالتفاوض المباشر وتحت اشراف امريكي صرف ...!

المهم الان اصبحت دول الاقليم تعطي اولوية للشأن الفلسطيني وتسوية اوراقها الداخلية ومعالجة الانقسام بالحد الادنى كوحدة برنامج سياسي فلسطيني لا يختلف عليه الاغلبية او عل الاقل 14 فصيل المجتمعين في القاهرة والخلافات الان حول مسائل اجرائية كالمحكمة الدستورية ومحكمة الانتخابات والقوى الامنية والشرطية بل التحرك الاقليمي منسجم تماما مع المطلب الامريكي والاوروبي كاستمرارية للدعم اللوجستي بتجديد الشرعيات للسلطة تشريعية ورئاسية وضمن محددات طرحتها اوروبا لنوعية القيادات التي طالبت بقيادات شابه تبتعد عن قيادات الصف الاول والثاني وهذا ما استجاب له الرئيس محمود عباس وضم حماس للسلطة ومنظمة التحرير هذا المطلب مع خطاب حماس المعتدل واتصالاتها مع قوى دولية وتنفيذا لما جاء في وثيقتها بقبول حل الدولتين وتصريح القيادي فيها الزهار بان حماس ستقبل دولة ولو على شبر من فلسطين يذكرني هذا التصريح بكلمة ابو اياد بعد طرح الحل المرحلي .

اذا ما زال الفلسطينيون في عنق الزجاجة لا يعرفون شكل الدولة وجغرافيتها ومستقبل الكتل الاستيطانية الكبيرة ونوع الحكم والسيطرة عل القدس الشرقية واراضي الغور والبحر الميت وتبادلية السكان والمياة الجوفية والاقتصاد وابار الغاز في المتوسط . وهل سعلن المجلس المركزي المزمع عقده بالتحول الى دولة كما جاء في تعديلات الرئيس عباس الاخيرة .

اذا ننتظر حوار القاهرة الذي سينتهي اليوم حول توافقيات اجرائية وسيغيب النظر في البرنامج السياسي المختلف عليه تفصيلا والمتفق عليه في خطوطه العامة ... المهم التوافق مطلوب اوروبيا وامريكيا وعربيا ولا اعتقد يمكن لاي قوى من القوى الفلسطينية ان تتجاوزة وسيذهب الجميع للانتخابات كمطلب دولي واقليمي الا اذا حدث امر اخر على الارض حدث كبير يغير من المعادلات التي يمكن ان لا تخضع للتوافق الدولي الاقليمي على القضية وعندها يمكن ان نتحدث عن خيارات اخرى اصبحت في حكم الاعدام بناء على طرح الواقعيون.
سميح خلف