لماذا الغزو والفتوحات ظُلم للأبرياء وليس عدلا ولا أن يكون من شرع الله؟


كل من يبيح الغزو والفتوحات العسكرية بدعوى (نشر كذا وكذا) فهو يظلم الشعوب بشكل مؤكد، وبعيدا عن قصة الغنائم والفئ والأطماع توجد عدة أمور لا ينتبه إليها الشيوخ حين يفتخرون بغزوات أسلافهم


أولا: العرب قديما كأي حكومة غازية لبلد أجنبي..لا يملكون أي معرفة عن تلك البلدان، لا من حيث اللغة ولا الثقافة والأدب..إلخ، لم يكونوا يملكون سوى "الجيوش" وهذا يعني عدم دراية للقائد العربي بحل مشاكل هذا البلد الأجنبي..فمن يجهل لغة قومٍ وثقافتهم ولا دراية له بتاريخ هذا البلد لن يحل مشكلاته..


وسيُقال: كيف عرفت أن العرب كانوا جَهَلة بالشعوب الأخرى؟


والجواب: لم يخرج في عصر الغزوات العربية في القرنين 7، 8 م علماء وفلاسفة كتبوا في مشكلات وثقافات تلك الشعوب، ولم تدون أي نصوص – ولو عشوائية – عن كيفية إدارة المدن والقرى المستعمَرة، ولم يظهر أي قائد عربي يأمر بالكتابة والتدوين أصلا في هذا الأمر، هذا يعني أن العرب لم يهتموا بمشكلات المستعمَرين فكيف سيحلّوها؟..فهم اهتموا بشئ واحد فقط هو (جانب الفقه) للتوفيق بين النص الديني وغزوات الأمراء وتبرير معاركهم وحشد العوام ليس إلا..وهو الاهتمام الذي صنع لاحقا ما يسمى "علم الحديث" و "المذاهب الفقهية الأربعة" والتاريخ الإسلامي يذكر أن أول كتاب صنف في كيفية إدارة تلك الشعوب ظهر أواخر القرن 2هـ / 8 م وكان بعنوان (الخراج) لأبي يوسف تلميذ أبي حنيفة..


ومن عنوان الكتاب يثبت أن العرب اهتموا فقط بجمع الأموال – الخراج – فقط لا حل مشكلات الشعوب نفسها التي تدفع..!


ثانيا: العرب كانوا مختلفين مع تلك الشعوب الأجنبية التي غزوها واحتلّوها (لغويا ودينيا وثقافيا) وعندما يفشل العربي في حل مشكلات تلك الشعوب لن يتعاطف مع مطالب الإصلاح التي يرفعها الضحايا للنجاة بأنفسهم..فسيضطروا قولا واحدا (للاستبداد) وهذا ما حدث مع سائر الخلفاء الذين امتهنوا قصة الفتوحات، لقد استبدوا بالحكم لأنهم لم يتعاطفوا مع الضحايا..ولم يتعاطفوا مع الضحايا لأنهم مختلفين في كل شئ تقريبا (الدين والثقافة واللغة)


وبالمناسبة: هذا حدث مع الاستعمار الأجنبي للشرق الأوسط في القرنين 19 و 20 حيث كانوا ينعمون بالديمقراطية والعدالة في بلدانهم..لكن جهلهم بالعرب والمسلمين دفعهم للاستبداد..وقتل أي حركة مقاومة ضدهم مهما كان الثمن وعدد الضحايا (جرائم فرنسا في الجزائر نموذج)


ثالثا: لو قيل أن الخلفاء والمسلمين الأوائل كانوا على الدين الصحيح وكانوا رُحماء وقلوبهم بيضاء..أو أنهم ملائكة لا يخطئون ..أو يجب أن نحسن الظن بهم، قلت : حتى لو كنت ملاكا فبمجرد حدوث أي صدام مع الضحية – وهذا وارد لأنك عاجز عن حل مشاكلهم أصلا – ستتعاطف تلقائيا مع من يشبهك ثقافيا ولغويا ودينيا منهم، وستنحاز ضد الطرف الآخر الذي لا يشبهك..


وهذا حدث أيضا مع الاستعمار الأوروبي لبلادنا، فعندما ظهرت القوميات المحلية أوائل القرن 20م لتكون رد فعل على الاستعمار الأوروبي وبدأت مطالب الاستقلال والحرية بالظهور لم يتعاطف الإنجليز والفرنسيين سوى مع من يشبهونهم ثقافيا، فتولى هؤلاء الحكم والإدارة والمناصب..وكل من رفع القومية والحريات حاربوه وسجنوه وقتلوه، والقومية هنا هي الحد الفاصل بين قوميتين إنجليزية ومصرية – كمثال – فالإنجليزي لم يكن يحارب المقاومة المصرية ليس لأنها مجرد مقاومة تحرمه من مزايا الاستعمار، ولكن لأن المقاوِم المصري هويته مختلفة عن الإنجليزي ومطالبه القومية مختلفة عن قومية الإنجليزي، فكان الجندي من هؤلاء يقتل ببرود وهو على يقين بأن ذلك لا يجرح أخلاقه ودينه المسيحي، لأنه بقراراه الداخلي (يدافع عن نفسه أساسا)


حدث أيضا ذلك مع العرب الذين قمعوا ثورات المصريين ضدهم (البشموريين) طوال العصرين الأموي والعباسي، وقتلوا عشرات الآلاف من الأبرياء لمجرد أن رفعوا مطالب الاستقلال أو الاعتراض على ظلم الأمراء..وحتى الآن لا يجد الشيوخ تبريرا مناسبا لجرائم خلفائهم ضد الشعب المصري وقتها، فهم إنما بحالة إنكار – رغم ثبوتها تاريخيا – وإما بحالة تبرير أنها حرب وكل شئ في الحرب مباح..فالأولى أن يعترفوا إذن أنها طالما حرب يجوز فيها كل شئ..فهذا لا علاقة له بالدين الذي حرّم الظلم بمثقال ذرة..!


انتبه جيدا أنا لم أناقش الأطماع الاقتصادية والثروات والغنائم التي كان يسرقها الغزاه، هذا جانب آخر وثابت أيضا تاريخيا، ولم أناقش أيضا جرائم الغزو التي سقط فيها عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين على يد "خالد بن الوليد" كمثال، ولكني ناقشت عقليا طرق إدارة الاحتلال لبلد أجنبي..وأنه يستحيل عليك أن تعدل هناك وستُدفع دفعا للظُلم..ونموذج إسرائيل الآن أوضح مثال لكيف تكون دولة هي نموذج في الغرب للعدالة والديمقراطية أن ترتكب جرائم وتستبد وتقمع شعب كامل بالملايين في أرض فلسطين..ليس لأنهم متوحشين في ذاتهم فهم رحماء جدا مع أنفسهم، لكن الاحتلال والغزو العسكري دفعهم دفعا للتوحّش كخيار وحيد لاإرادي سلكوه في لحظة غضب..