المرأة العربية ما حققته و ما لم تحققه في ظل الربيع العربي
شاعرات أوصلن صوت المرأة إلى ما وراء البحار

شكلت قضية المرأة العربية في العالم محورا استراتيجيا،و اسالت كثير من الحبر، فهي تعد ضمن حركة التاريخ الإنساني، عندما تصدرت مشاهد الاحتجاجات في المظاهرات و المسيرات الشعبية السلمية أو ما يسمى بالحراك الشعبي، بحيث لم يعد ينظر إليها كجنس، بل كائن واعٍ، يفكر و يقرر، يواجه و يتحدى، يكافح و يقاوم، حتى المرأة نفسها لم تعد تطالب بالحقوق البسيطة كحقها في العمل و الخروج من البيت، بل حقها في صنع القرار و الوقوف ندا للند الأنظمة الإستبدادية، و مطالبتها بإسقاط النظام مثلها مثل الرجل، و هي اليوم تواصل نضالها من أجل بناء الدولة الحديثة لدرجة أن أصبح يُنظر إليها بعين التوجس و الريبة

أضحت قضية المرأة ضمن النقاشات حول حقوق الإنسان حيث ظهرت أصوات تمثل الحركة النسوية في الوقت الذي يرى البعض ان قضية المرأة تظل ضمن القضايا الثانوية لأن هناك ما أهو أهم و تجاهلوا ان المرأة هي العمود الفقري للمجتمع و إذا انكسر جزء منه يصعب ترميمه ، و لذا اهتمت الصحف و المجلات العربية في 08 مارس (آذار) من كل سنة بالإحتفال بعيد المرأة العالمي ، حيث تخصص لها صفحتان أو أكثر للحديث عن المرأة و تمثيلها في الحياة الإجتماعية و السياسية ،بعدما عززت دورها و مكناتها بين الرجال، فالمرأة منذ بداية الربيع العربي أو قبل، سعت إلى تعزيز مشاركتها في المجتمع العربي ورفع كل التحديات لتكرس وجودها كفرد في المجتمع، و تحقيق طموحاتها، لما تملكه من طاقات وإمكانيات فاعلة وأساسية في التطور، هل كان الربيع العربي ربيعًا للمرأة المناضلة، المقاومة، المكافحة و الثَّائرة؟ وهل حققت المرأة طموحها، من خلال مشاركتها الرجل و الوقوف معه في الميدان؟.
الحقيقة ، لقد نالت المرأة كل حقوقها التي كانت تطمح إليها في الوصول إلى أعلى المناصب الوظيفية، حققت حريتها و أكثر، و وصلت إلى أعلى الوظائف و مناصب المسؤولية، و لدرجة أنها أصبحت تصدر أحكاما على الرجال في المجالس القضائية، بل اصبحت مخابراتية، بالإضافة إلى كونها شاعرة و روائية و مفكرة و عالمة، و لم تعد تتأثر بما يقال عنها ( أرملة، مطلقة، عانس، مسترجلة، متحررة..و..و..و ) لأنها خلقت لنفسها مساحة سمحت لها بأن تكون في مستوى أعلى، كانت أكثر وعي بأن عليها واجب مقدس و أن رسالة ما تنتظرها، و في ظلّ ما يسمى بالربيع العربي، انقادت المرأة بكل ثقلها في الثورات، و فيها عاشت النشوة الثورية، كما شاركت في الحراك الشعبي بخروجها في المظاهرات و المسيرات الشعبية، رفعت صوتها إلى العالم كله، دون عوائق تحدّ من حريتها، متحملة ما يصادفها من متاعب و تهديدات، و اعتقالات و كل أشكال العنف والممارسات التعسفية التي تتلقاها من بعض رجال الشرطة.
في هذه الورقة نفتح قوس (..) و نقول: وجب التفريق بين مشاركة المرأة كفرد، ومشاركتها كمجموعة أي في إطار تنظيمي (حركات نسوية) ، هذه الأخيرة كانت و لا تزال بعيدة كل البعد عن العمل الثوري أيام الإستعمار، فلا يمكن إذن أن نضع جماعة "الفينيميست" في كفة نساء ثائرات "مقاومات" كفاطمة نسومر، أنديرا غاندي ، بينظير بوتو و غيرهن.، لكن يبقى القول أنه رغم الاحباط انتزعت المرأة العربية مكانتها المهمة في المجتمع، ساهم في ذلك ارتفاع أصوات تدعوا إلى تحرير العقل و تنويره من أجل الرقي و الإزدهار الفكري، و الوقوف في وجه من نصبوا أنفسهم حراساً للشريعة و أولياء أمر المرأة، يخاطبونها عبر المنابر، من خلال هذه الأصوات أثبتت المرأة بأن صوتها يساوي قرارا، و نها صاحبة قضية و ذات موقف مثلها مثل الرجل و لها كلمتها.
ماذا عن المرأة العربية في المهجر؟
قبل انطلاق الثورات و في ظل الواقع المزري عانت المرأة العربية المغتربة من غياب الديمقراطية و استشراء الفساد السياسي و الإقتصادي ، فبات السؤال يلح على الطرح، هل دورها مختلف عن الدور الذي تلعبه المرأة العربية دا خل وطنها، إثر التغييرات الحديثة في الأنظمة ، و هل سيبقى المجال السياسي الذي فتحته الانتفاضات الشعبية مفتوحاً أمام النساء اللواتي يتمتعن بوعي ، ولو أن الهجرة تترك آثارا نفسية لدى المهاجر من حيث تكيّفه مع المجتمع الجديد الذي ينضم إليه و ينخرط فيه، خاصة إذا كان مجتمعا أكثر تفتحا، لم تعد الهجرة تقتصر على الرجال فقط، بل النساء أيضا، ليس في إطار الزواج بالأجانب أو بمسلمين يقيمون خارج أوطانهم، و إنما في إطار مغادرة البلاد بإرادتهن حينما تسنح لها فرصة للعمل أو الدراسة ، فتستقر في البلد الذي تتوجه أو تلجأ إليه، نتكلم عن المرأة المثقفة و كيف يكون دورها في مجتمع تجبر على أن تنسجم معه في معيشته اليومية، و كيف تحافظ على هويتها هناك.
فموضوع الهوية يؤرق كثير من الجاليات العربية في المهجر سواء بالنسبة للرجال أم النساء، لكنه أكثر إثارة للقلق لدى المرأة المغتربة، الحقيقة نرى أن دور المرأة في بلاد الغرب لا يختلف عن دور المرأة داخل وطنها و لو أن الأولى تكون منقسمة بين موروثها و ما هو موجود هناك، فتجدها بين مطرقة الإغتراب و سندان المحافظة على الهوية ،إلا أنهما تشتكران في الأدوار، و رغم أن المرأة العربية ( الشرقية) في المهجر أكثر عرضة لمشاكل التمييز العنصري والديني، و لذا نجدها تبحث عن آليات للتأقلم مع المجتمع الجديد، و في غالب الأحيان نجد نساء عربيات مهاجرات نجحن في المحافظة على هويتهن العربية الأصيلة، واستطعن خدمة بلدهن من وراء البحار، لقد كانت المرأة العربية ( الشرقية) و الجزائرية بالخصوص بكبريائها و شموخها سفيرة تمثل بلدها بكل فخر و اعتزاز لأنها حافظت على هويتها، و ظل قلبها ينبض بحب الوطن، و هي لا تزال إلى اليوم تناضل بفكرها من أجل رقيّه.
و تستمر المسيرة ..
المعركة لم تنته وهي مستمرة، لأن ذهنية بعض الرجال في المجتمع العربي ما تزال صلبة و يصعب ترويضها، أو تنويرها، ذهنيات تأثرت بشكل عام بكتابات مفكرين متعصبين، الذين يتهمون المرأة في ابسط الأمور و يحملونها مسؤولية تدهور المجتمع، هي ذهنيات تشبه إلى حد ما ذهنية المجتمعات المتعصبة ( الرجل الشّاوي في الجزائر، وذهنية الرجل الصّعيدي في مصر)، حتى لو كان رجل ثقافة، فهو لا يؤمن لا بالقوانين و لا بالإتفاقيات أو المعاهدات ، المرأة عنده أقل درجة منه، تأكل و تنام و تحقق له رغبته الجنسية و فقط ، فهو يرى أن مكانها البيت لتربية الأطفال، لا تشاركه حياته، لا يفصح لها عن أسراره، لا يسمح لها بأن تناقشه في أمور الحياة، أوفي امور السياسة، لا يسمح لها حتى بأن ترفع صوتها في وجهه، أي يفعل بها ما يشاء إلى أن تغادر الحياة، عكس بعض الرجال الذين يرون أن المرأة يجب ان تكون قوية، صلبة، عنيدة، تفرض رأيها، حتى إن توفي، يرحل و هو مطمئن على أولاده من بطش الوحوش البشرية.
علجية عيش
شاعرات أوصلن صوت المرأة إلى ما وراء البحار

و إن كان هذا رأينا فللأخريات رأي آخر، و لضيق المساحة اخترنا شاعرتين جزائريتين، إحداهما مغتربة ، و لكن قلبها لا يزال معلق ببلدها و ينبض بحب الوطن، هي الشاعرة أروى شريف جاف نجلة الروائي أحمد بن شريف، و حرم الشاعر العراقي جلال جاف، إعلامية ومدير تحرير صحيفة الفكر للثقافة و الإعلام ، والشاعرة صليحة نعيجة تنحدر من مدينة قسنطينة و هي مترجمة و أستاذة التعليم الثانوي لغة إنجليزية، و الإثنتان لهما مؤلفات تركن بها بصمتهن في الساحة الأدبية و حظيتا بتكريمات عديدة في مختلف المناسبات الثقافية، كان لهما صوت واحد رفعن به تحدي المرأة العربية لاسيما الشاعرة أروى شريف جاف المغتربة و التي مثلت المرأة الجزائرية في المهجر فكانت سفيرة بنضالها و فكرها و كبريائها و شموخها، بحيث جعلت من قلمها و صوتها على المنابر سلاحا في وجه كل جلاّد يريد أن يجعل من المرأة هدفا لا شريكا في الحياة، و لأن الشعر رسالة أيضا طرحنا على كل واحدة السؤال التالي:" مالذى حققته المرأة العربية و مالذى لم تحققه فى حياتها ؟ فكان رد كل واحدة بلسم يشفي العليل و يروي العطشان ، و يزرع البسمة و الأمل في وجه كل امرأة تعاني و تتألم.
أروى شريف جاف : المرأة الشرقية كادرة و مقاومة و قائدة نسوية
تقول الشاعرة أروى الشريف جاف: لقد مرت الشعوب العربية بمخاضات وهزات سياسية في العقدين الماضيين كنا نتوقع فيها أن تؤثر إيجابيا على وضع المرأة وإمكانية الإرتقاء بوضعها إجتماعياً وإقتصادياً وحقوقياً لكن هذه المخاضات لم تسفر عن ولادة فرصاً للشعوب أن تأخذ بزمام المبادرة فضاعت آمالها وخابت ظنون النساء معها وبقى وضع المرأة يراوح مكانه، هناك جهود مبعثرة تقودها شخصيات نسائية هنا وهناك وترفع صوتها بالكلمة تحاول أن تؤثر على الساحة لرفع معاناة المرأة والتعريف بإمكانية الدور المهم والإيجابي للمرأة وأهميتها في المجتمعات وهيكليتها السياسية والإجتماعية ومنظومتها الفكرية وننظر لها بعين الأمل.
أما الشق الثاني من السؤال حول إن كان دور المرأة في المهجر مختلف عن دورها داخل وطنها تقول الشاعرة أروى شريف جاف: أعتقد أن ماتوفره مساحات حرية التعبير هناك كانت لها دور في بروز أصوات نسائية حاولت أن تمد الحركة النسوية بزخم من نوع آخر لترفد الحركة النسوية داخل أوطانهن من الناحية الفكرية والحقوقية رغم عدم تقبل بعضها نظراً للفروقات المعروفة حول النظر إلى المرأة ودورها في المجتمع، وقد استطاعت المرأة الشرقية أيضا الدخول في عالم الدراسة الأكاديمية في مختلف حقول المعرفة مما يجعلها كادرة و مقاومة و قائدة نسوية تؤثر مكتسباتها الثقافية على منظومة الحراك النسوي داخل وطنها الأصلي آنيًا ومستقبليًا.
صليحة نعيجة: على المرأة أن تتحرر من الدونية و تبعيتها للرجل
أما الشاعرة والمترجمة صليحة نعيجة أستاذة التعليم الثانوي لغة انجليزية ، فهي تتفق مع ما قالته الشاعرة أروى شريف جاف، و قد أسهبت في الحديث عن واقع المرأة العربية في زمن التحولات، إذ تقول: إن الحديث عن المرأة العربية يحيلنا لمسائل صعب جدا التوغل فيها و التعمق للخروج برأى متفق عليه حول انجازاتها و اخفاقاتها فى ظل هذا الخراب الذى تعرفه المنطقة العربية ، و تعبر صليحة نعيجة عن وجهة نظرها فتقول: الانجازات تجزأ الى ما هو شخصى و ماهو مجتمعى يتحقق بدءا بخروج المرأة للدراسة و العمل لتحقيق ذاتها و فى رحلتها تمارس النضال على عدة جبهات نقابية سياسية و دبلومناسية، نسبيا المرأة تحررت لكنها ببعض الذهنيات لاتزال موؤودة فلا تستطيع الخروج بمفردها و لا تستطيع اتخاذ القرارات دون العودة الى المحارم ،هناك نساء تمنعن من الخروج فمابلك بالسفر لوحدها و الأمثلة كثيرة.
و تستطرد صليحة نعيجة قائلة: بعض النساء تعشن مسلوبة الحقوق بعقد زواج فلا تقوى على رفع صوتها بكلمة تعارض فيها لتعبر عن صوتها بحرية ..، يؤسفنى القول ان هاته الاخيرة لا تستطيع الدفاع عن نفسها و هى الجامعية و المثقفة تخرج لسوق العمل و تساهم فى انتاج العقول و لكنها سلبية بالبيت لا تقوى على النقاش و التفكير بصوت عالٍ، دائما المرأة هى التى تدفع الثمن غاليا إن هى خضعت حبا أو خوفا، عندما تسمح لنفسها بان تكون مجرد رقم بدفتر عائلى فمن الصعب أن تحلق بعيدا ( دون تعميم ) ..لا أتكلم و احرض على التحرر فالتحرر الفكرى أهم بكثير من الكذب على النفس بفتوى احترام العادات و التقاليد و الاهل و الدين و لا يفسر إلا "خوفا" لا أكثر ..بالمقابل هناك نساء رائدات / قويات و متصالحات مع أنفسهن و بيئتهن لان الايادى الناعمة التى ربتت عليهن كانت رفيقة احلام الطفولة فاخذت باياديهن لبر الامان و هى تبرمجهن على التفوق و التحليق عاليا .
هناك نساء عربيات تسافرن الى دول بعيدة جدا للدراسة و لا يمنعهن التزامهن الاسرى من تحقيق ذواتهن و هن أمهات ..فى الحقيقة ..بعضهن يرى الحياة مال و بنون و لهو و ترف و سيارات فارهة و عقارات تنتهى احلامهن عند سقف مبلغ مالى ضخم من بينما اخريات بحكم تربيتهن و بيئتهن الحاضنة ترى نجاحها الاكاديمى و العلمى و البحثى اهم بكثير من الماديات و هو الذى سيحقق لها الاستقرار و الامان النفسى و الامتلاء ..لا يمكننا ان نسلط الضوء على كل الشرائح لاننا لا نحتك بالجميع ولكننا نتابع و نعجب بسير نساء راءدات يمجالهن ..، المرأة العربية أديبة كبيرة و شاعرة و مترجمة و اعلامية و ناقدة و لنا فى الوطن العربى من تالقن كثيرا و صقلتهن التجارب بحكم الاحتكاك و التلاقح و التربصات و التكوين و مخالطة اقوام اخرى منفتحة على الحياة دون إفراط أو تفريط .
و تضيف صليحة نعيجة بالقول: قد أتشبع بسير الرائدات تاريخيا من بلقيس ملكة سبأ الى زنوبيا ملكة تدمر و لالا نسومر و غيرهن وصولا لزها حديد المهندسة المعمارية العراقية التى ابهرت العالم بتصاميمها و حققت تكريمات عالمية لم يسبقها إليها أحد فكرمها الرئيس الامريكى باراك اوباما و الملكة اليزايث فى رحلة محفوفة بالمواجهة و عدم الاستسلام ليخلد اسمها للابد ، و فى عرضنا لكل ذلك مازالت هناك نساء لا يتمتعن بابسط الحقوق كالدراسة و العيش الكريم لاعود الى ما تقدمت به " واقع المراة العربية " حلها بيدها ،عليها ان تتحرر من الدونية و تبعيتها للرجل و انتقاصها من قيمتها لذاتها وصولا لنظرة المجتمع اليها على انها مجرد جارية بالبيت او هكذا يشبه لى ، فالمراة هى الحياة و الحياة امرأة.
إعداد/ علجية عيش