نظرة على الأبعاد الجيوسياسية لرؤية الرئيس عباس .

-( الجيو سياسية والتاريخية والقانونية )
منذ الحرب العالمية الأولى وانحياز العرب للاستعمار البريطاني ضد الإمارات العثمانية على أمل أن تحوز تلك الدول استقلالها ، بدا أن العرب يلدغون من الجحر أكثر من مرة !
ففي تلك الأثناء صدر وعد بلفور الذي وعد لليهود دولة وأرض للشعب اليهود على أرض فلسطين ، ولا نريد هنا أن ندخل في أروقة التاريخ ودهاليزه بل سنكتفي بأن نصف هذا الوعد لرئيس وزراء بريطانيا وكدولة إحتلال ولا تمتلك أي حق قانوني في إعطاء أو هبة لشعب على حساب شعب مقيم على أرضه ، و كدولة مستعمر رحلت ، وبالتالي أي وعود ناتجة عن هذا الإستعمار فهي باطلة بمجرد رحيل هذا الإستعمار.

لكننا نتحدث الآن عن ما هو أهم قانونيا وإنسانيا ووطنيا وتشريعيا ، والذي يلحق ضررا تاريخيا بفلسطين كجغرافيا وديموغرافيا على المستوى القومي وعلى مستوى الشرق الأوسط، إنها تصريحات الرئيس الفلسطيني عباس المتواترة والتي ينتقل فيها خندق غلى خندق آخر ومن سقوط إلى سقوط آخر.
ما يحدث في الساحة الفلسطينية ليس نهجا بقدر أن هذا الرجل أتى بالمظلة الغربية على الساحة الفلسطينية وعلى الواقع الفلسطيني بعد رفض ياسر عرفات ما طرح عليه في واي ريفر ليلبي شروط السيناريو المتزامن في الهبوط إلى مستنقع التشريع وتحريف التاريخ وتغيير الهوية النضالية والحقوقية والإنسانية على طبيعة الأرض الفلسطينية .
بعد أن نفض ياسر عرفات يديه من إتفاقية أوسلو وتداعياتها بعد أن هبط حلمه من إستغلال أوسلو لخلق واقع وطني فلسطيني متدرج ومتدحرج لكي يستعيد الشعب الفلسطيني حقوقه على الأرض الفلسطينية وفي صراع مباشر مع العدو الصهيوني وبإستخدام كافة الوسائل ومنها الكفاح المسلح ، كانت النهاية المعروفة لياسر عرفات كمرحلة في التاريخ النضالي الوطني الفلسطيني الذي لم يكتمل ، وأتى محمود عباس ليسطح مفهوم النضال الوطني الفلسطيني ومعانيه الثقافية والاجتماعية والسياسية والأمنية .
ولو نظرنا لتصريحات عباس فسنورد أخطرها وأهمها في الآتي:
- لقد ذهب محمود عباس للجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على دولة غير عضو بكلمة حق يراد بها باطل ، فمازال محمود عباس يرفض التوجه يحجم عن الذهاب للأمم المتحدة لمقاضاة الكيان الصهيوني ، بل كانت خطابه واضحا أمام الجمعية العامة عندما قال ” لم نأتي عنا لنزع شرعية إسرائيل ، بل لنأخذ حقنا في دولة في الضفة وغزة ” وبرغم البريق الإعلامي الذي صاحب هذا الإعتراف كنصر ، إلا أنه كان في أعماقه يحوم حول سحب قرارات الشرعية الدولية والخريطة التاريخية للأرض الفلسطينية في المنطقة العربية ، فهو إعترف بكيانية الدولة الصهيونية بناء على تطور النظرية الصهيونية على 84% من أرض فلسطين التاريخية.
- لقد ركز عباس جل سياسته الدولة والإقليمية للتطبيع مع إسرائيل عندما وجه رسالة للأفارقة بالتطبيع مع إسرائيل وإقامة العلاقات التجارية والاقتصادية ، في حين أن الدول الأوروبية أصبحت مقتنعة إنسانيا بحق فلسطين في وطن مستقل مهددة بمقاطعة المنتجات الصهيونية الصادرة من المستوطنات والمغتصبات .
- مؤخرا وفي سلسلة إجتماعاته مع المتطرفين الصهاينة إجتمع مع ما يقارب من 300 طالب متطرف صهيوني مرددا ومشرعا بما ليس من صلاحياته كرئيس سلطة ومنظمة تحرير ومؤسساتها المنتهية الشرعية في كلا الحالتين ، ولأن الرئيس الفلسطيني لا يعبر أساسا عن كل الشعب الفلسطيني إذا ما إحتكمنا لصندوق الإنتخابات الذي صعد فيه محمود عباس للسلطة ، وإذا ما إحتكمنا للمبررات القانونية في النظام الأساسي للسلطة ، فهو يدير مرحلة إنتقالية لا يجوز الأخذ فيها بقرارات إستراتيجية تغير من طبيعة الصراع مع العدو الصهيوني .
- قال محمود عباس بما هو أخطر من وعد بلفور ” إننا لن نغرق إسرائيل باللاجئين الفلسطينيين لتغيير الهوية الديموغرافية لإسرائيل” ومن هذا التصريح وإذا ما أخذنا البعد القانوني والوطني والقومي والإسلامي ، لا يصح لمحمود عباس أن يهب الإسرائيليين أملاك خاصة وعامة للمواطنيين الفلسطينيين في الشتات ، بل ينفذ عباس الآن عملية سطو على التاريخ وعلى الجغرافيا متحالفا مع مواطنين فلسطينيين لم يتضرروا من اللجوء ويقيمون في مدنهم وقراهم وأراضيهم ، فهو في هذا المجل قد جعل من اللاجئيين الفلسطينيين ضحية لنرجسيات إنحرفت عن شمولية المسؤولية الوطنية والقومية .
- لقد ذكر عباس أن القدس عاصمة مشتركة موحدة بينه وبين الإسرائيليين ، ومن هنا أساسا يفشل نظرية الحل المرحلي الذي أساسا نحن لسنا مقنعين به فلسطينيا بأن القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين المستحدثة ، بل يرمي الكرات التطمينية بأن إسرائيل وبقوتها وأمنها سيبقيان مسيطران على الوضع في القدس ، في حين ذكرت صحيفة نقلا عن الخارجية الأمريكية بأن دولة فلسطين ستبقى دولة هلامية على الورق وفي مؤسسات إدارية ، أمام الحدود فستكون قائمة بين إسرائيل والأردن ، وهناك تفاهمات قادمة من الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية والدور الأردني في هذا المجال بين الملك عبد الله الثاني والرئيس الأمريكي أوباما في زيارته القادمة ، وتحت خدعة سياسية وتشريعية بالكونفدرالية مع الأردن أو تحت إسم “المملكة الأردنية الفلسطينية المتحدة” وبإعتبار ان الأردن يوجد بها أكثر عدد من اللاجئين الفلسطينيين .
- لقد ذكر عباس متعهدا “بحفظ أمن إسرائيل” قائلا ” سنحارب أي عنف موجه لإسرائيل وهذا جوهر التعايش” فكيف يتعهد رئيس كهل في الثمانين من عمره بحفظ أمن إسرائيل إلا من خلال سيناريو سلطوي وإنتخابات مبرمجة لحفظ النهج نفسه لبقاء المهمة قائمة من أجهزة أمنية وتطبيع ثقافي ودمج إقتصادي مع الكيان الصهيوني ، كيف يتعهد رئيس بالمدلول التاريخي ببقاء إسرائيل الدائم وهو منافي للتاريخ وحيثياته ومنافي للديموغرافيا في المنطقة العربية .
أما مقدمات سياسة ونهج الرئيس الفلسطيني عباس فهي تكاد تكون مدمرة ، فلقد صاحب هذه التعهدات التي لم يتعهد مثلها بلفور أو أمريكا أو غيرها من القوى ، بل أتت من رئيس فلسطيني أخذ الهوية بالتزامن مع وجوده على هذه الأرض ، فلقد عمل على تدمير حركة التحرر الوطني فتح وإستبدال مناضليها بأحصنة خشبية وتماثيل فرعونية قديمة وموميات ومسطحات لا ثقافية لتنفيذ برنامجه الذي لا يعدو على أنه برنامج صهيوني متطور في الصراع ، لقد عمل محمود عباس وبكل قوة وعلى ما أوضحته صحيفة أمريكية أيضا عن أروقة في الخارجية الأمريكية أن الرئيس الفلسطيني عباس كان مسببا للإنقسام لتنفيذ هذا البرنامج الإندماجي بين ما يتبقى من الضفة بعد مساحات واسعة من الاستيطان وترك غزة لإطار سياسي آخر ومن هنا العبث القائم والدائم في تنظيم حركة فتح في غزة وبذر التهتك والتفرقة وقطع الرواتب والإقصاء لأبناءه من أي مواقع ذات قرار سواء في منظمة التحرير أو في حركة فتح نفسها .
وأخيرا إن سلوك عباس أصبح سلوكا مكشوفا يهدد الهوية العربية على الأرض الفلسطينية بما يحتم أخذ قرارات جريئة وعاجلة على المستوى الشعبي والقانوني وعلى المستوى الإقليمي والدولي لإيقاف تنفيذ المشروع الصهيوني الذي يحمله محمود عباس على الساحة العربية والفلسطينية .

إن عباس قد حكم بالإعدام الإجتماعي على مليون ونصف عربي فلسطيني في داخل فلسطين المحتلة عام 48 وذلك من تصريحاته الأخيرة ، أي ضمنا ومجمل التصريحات هو إلتفاف وإحتيال على الرأي العام الفلسطيني والعربي فإنه أقر وإعترف بيهودية الدولة .
سميح خلف