معركة غزة اكبر من ان تكون معركة محدودة

قد نفهم هذه الايام و ما يدور فيها من نشاط سياسي ودبلوماسي وتقاطعات ما لم يفهمه البعض او يردده البعض الاخر حول مادار او متجهات المواجهة التي حدثت بين غزة و اسرائيل دوافعها واهدافها واسبابها واطرافها ايضا وهو المهم وان كان الطرف المباشر فيها طرفين فقط اسرائيل وغزة و بالتحديد القوى الفاعلة في غزة حماس والجهاد و المكونات الوطنية الاخرى محدودة الامكانيات ، سنفكر خارج الصندوق المعتاد والذي كتب فيه المحللين السياسيين و سنفكر ايضا خارج السرب و ما اكثر الاسراب وتعددها في الساحة الاقليمية والذاتيه .
معركة غزة ليست معركة محلية بين المقاومة الفلسطينية واسرائيل بل ترتقي لمعركة اقليمية نفذت في غزة وبدقة شديدة و منفذيها فلسطينيون وضعوا حساباتهم لتلك المعركة من رصد ومعلومات وتقنيات تكنولوجية وخطوط اتصال و غرف عمليات متعددة ولكن كان هناك ماهو اكبر في التخطيط والتحكم ورصد احداثيات مواقع العدو من خارج غزة .
بالتأكيد ان غزة انتصرت و كيف انتصرت و ما يردده الاخرون من عملية تشويه لهذا النصر بأن تلك المعركة اجهضت التفاعل و النشاط الجماهيري السلمي في الشيخ جراح والقدس بينما كان هذا النشاط تحت رقابة السلطة واسرائيل ايضا ولن يستطيع ان يحقق ان استثمارات لمنع الاحتلال من الكف عن مداهماته للمسجد الاقصى او الشيخ جراح بل كان تفاعل الصواريخ بتكتيك عالي الدقة من حيث التعداد وسرعة الاطلاق وعمليات التشويش على دفاعات الاحتلال من القبة الحديدية وغيره و تسليط الاعلام على معركة غزة و قصف القدس و تل ابيب و عسقلان و مطار بنغوريون و محطة الغاز كان هذا اضافة نوعية عن المواجهات السابقة التي استهدفت غلاف غزة فقط ، كل هذا باعلام قوى قام بدوره بإثارة الرعب لد مواطني الاحتلال وتسليط الضوء على جرائم الاحتلال في غزة كان هذا هو النصر كان نصر غزة و نصر المقاومة الفلسطينية عندما تبدأ غزة والمقاومة الفلسطينية في تحديد المعركة وتوقيتها وليس كالسابق من معارك كان يحدد الاحتلال توقيت المعركة و مكانها كان النصر عندما يتوحد الشعب الفلسطيني في الضفة و غزة والخارج والجديد في هذا الموضوع الذي اربك اسرائيل تفاعل فلسطينيي 48 مما اربك جبهته الداخلية و هي الاخطر ايضا عندما تتوحد وحدة الهدف بين فلسطينيي الداخل وغزة و الضفة الغربية التي عليها رقابة مشددة من قوى امن السلطة الفلسطينية ، هذا النصر الذي حاولت فيه اسرائيل وقف اطلاق النار من جانب واحد هذا النصر الذي دفع الرئيس الامريكي بايدن للاتصال 6 مرات بإسرائيل و دفعه يتصل بمصر و الاردن و السلطة الفلسطينية هذا نصر عندما ينقسم الحزب الديمقراطي على نفسه مؤيد للفلسطينيين وظهور الراديكاليين الجدد الذين لا يعبؤوا لما فرض من ادبيات على الساحة الامريكية و الدولية بأكذوبة معاداة السامية .

  • ولكن فالنخرج خارج الصندوق
اعترف النسوار و وقيادات من حماس ان التمويل والسلاح من ايران و اعترف حزب الله انه ممول لتلك المعركة و اعترف ابراهيم الامين رئيس تحرير صحيفة الاخبار اللبنانية و المقرب من حزب الله بأنه بالاضافة الى غرفة عمليات غزة "الغرفة المشتركة " بأن هناك في بيروت كانت غرفة عمليات وتوجيه مكونة من ضباط من حماس و الجهاد والحرس الثوري و حزب الله و هناك اقمار صناعية عملت في جمع البيانات و الاحداثيات والاهداف و لكن هذا التنسيق كان من عدة شهور لرصد الاحداثيات و تموضع الصواريخ باحداثياتها وتعدادها و توقيت اطلاقها و الى اي هدف اذا هذا هو تبويب لمعركة اقليمية خاضتها غزة بمقاتليها ومقاومتها الفلسطينية بلا شك ان تلك المعركة قد غيرت مفاهيم اقليمية و معادلات معمول فيها صنعها الرئيس الامريكي ترامب ولكن ما هي الدوافع لتلك المعركة وان كانت القدس والشيخ جراح هو العنوان العريض الذي ابرزته المقاومة الفلسطينية ببدء معركة مع الاحتلال لأول مرة وبمبادرة منها .
1 – الشيخ جراح والقدس كانت هي الدافع لتحديد موعد المعركة الاقليمية و اذكر ان اجتياح لبنان عام 1982 بررت فيه اسرائيل اجتياحها بمقتل عنصر امني لها في باريس ولكنها كانت بالتأكيد معدل اهداف سياسية اخرجت منظمة التحرير وقواتها من لبنان لتصور جمع هؤلاء المقاتلين في داخل الضفة و غزة تحت رقابة اسرائيل بالفهم الجيد لطبيعة القيادة الفلسطينية وما تتوق له تلك القيادة من اي انجاز لها يحسب بعد فشلها في استمرارية الثورة و حين وقعت اوسلو .
2 – بلا شك ان المعادلة الاقليمية المتنازع عليها بين ايران و اسرائيل و تركيا و سياسة الحزب الديمقراطي بقيادة بايدن حول السياسة الناعمة تجاه ايران وتسوية الخلافات و تحديد نفوذ ايران الاقليمي وباعتراف امريكي بإيران كقوة فاعلة في المنطقة و عقدة بايدن من ناتنياهو و محاولته لتخريب المفاوضات بينه و بين ايران و عنجهية ناتنياهو و اليمين الاسرائيلي الذي اصبح يعارض السياسة الخارجية الامريكية كان لابد من امريكا ان تغض بصرها بعض الشيء ولوقت محدد لتقليم اظافر اسرائيل لتركع للبيت الامريكي .
3 – المقاومة الفلسطينية ايضا و من خلال حلف المقاومة في المنطقة الذي هو مناقض لحلف التطبيع والاتفاقيات مع اسرائيل يريد ان يغير المعادلة فكان غير المناسب ان يرد حزب الله او سوريا او العراق على عنجهية ناتنياهو في اراضيهم لحسابات دولية والانشغال في محاربة داعش و توحيد الارض السورية فكان لابد من ان تكون جبهة غزة هي البديل و تحت هدف القدس والشيخ جراح الذي يجد دعما من كل مسلمي العالم وهي الجبهة التي تستطيع ان تفكك الجبهة الداخلية الاسرائيلية في تلك المعركة المحسوبة الايام غير المعركة السابقة لعام 2014 التي استمرت 51 يوما مع انذار امريكي لاسرائيل اذا تهورت واستخدمت اسلحة استراتيجية ستؤدي لحرب اقليمية كبرى ستدفع ثمنها اسرائيل و ستغير معالم المنطقة وبالتالي قبلت اسرائيل وقف اطلاق نار متزامن .
4 – بالتأكيد ان المقاومة الفلسطينية انتصرت و حلف المقاومة الذي قال عنه رئيس تحرير الاخبار اللبنانية انه يبدا من الحوثيين الى العراق الى سوريا الى لبنان الى فلسطين وهو انجاز سيؤثر على نوعية و موازين القوى في الحوار النووي و الاستراتيجي بين ايران و امريكا استنادا لنتائج المعركة .
5 - ايضا اسناد النشاط الاوروبي والامريكي لمصر بما لها من علاقة وثيقة مع حماس وبوابة لغزة و تركيز الرئيس الامريكي على هذا الدور و احياء سلطة ميته بقيادة عباس و دعمها بالتأكيد هو لصالح اسرائيل اكثر مما هو لصالح فلسطين حيث سحب انجازات المعركة وتفريغها من محتواها والدخول مرة اخرى في مفاوضات حل الدولتين واعادة اعمار بقيادة السلطة وتهميش و خنق للمقاومة تحت الدواعي الانسانية والاقتصادية وبروز حلف الاعتدال والمبادرة العربية كمبادر ومضاد لنتائج المعركة ووحدة الصف الفلسطيني والعربي الشعبي والعالمي الذي قد يهدد كثير من الجغرافيا السياسية في المنطقة .
6 – ظهور الحلف بما فيها قطر وتركيا للحلف الاعتدال ليؤثر على مسارات الخريطة السياسية للقضية الفلسطينية وتمديد عمر الكيان المفتت في داخل اسرائيل .
7 – الامور تتوقف الان ما يدور في داخل حماس من تجاذبات و تنافرات حول كيفية استغلال نتائج المعركة هل هو بالانتماء الواضح الذي عبر عنه السنوار لحلف المقاومة بقيادة ايران والاستعداد لمعركة تالية قد تحرر كثير من فلسطين بعد ان اصبح العالم متفهما اكثر لاسس القضية الفلسطينية وعندما يقر العالم او اصبح على وشك ان وجود اسرائيل مكلفا كثيرا لامريكا واوروبا لتبحث عن معادلات لجغرافيا سياسية في المنطقة اكثر استقرارا تلبية لمصالحها الاقتصادية في السنوات القادمة وهذا ما بدأ يظهر في الحزب الديمقراطي الامريكي حيث تتغير مفاهيم وجود اسرائيل بحد ذاتها بينما عندما دفعوا بها الى المنطقة في 48 و ما قبلها وعام 1930 الذي فشلت فيه نظريتهم بعدم حصول هذا الكيان على الامن والامان في المنطقة بكل ما تتلقاه من دعم و محاولة تطويع شعوب المنطقة ستجد امريكا واوروبا نفسها خاسرة في دعم هذا الكيان المهزوز ، اما حلف الحمائم داخل حماس وتوجهاته المذهبية بقاعدة الاخوان المسلمين وانتهاجه سلوك قيادة منظمة التحرير سابقا للحصول على اعتراف بهم فقط على حساب اسس القضية الفلسطينية ايهما من التيارين داخل حماس سينتصر الصقوروكيفية معالجتهم للضغوط الخارجية الاقليمية ام الحمائم الذي يدفعهم المنطق المذهبي للهرولة نحو حلف الاعتدال ، الايام القادمة ستبين ذلك ولكن بالتأكيد انها كانت حرب اقليمية .

بقلم سميح خلف