حرب الابعاد السياسية لحماس

لم تكن الحرب الثالثة ناتجه عن حدث على حدود غزة ولم تكن لحصار خانق فمعبر رفح مفتوح والمنحة القطرية تورد لغزة بانتظام وهناك بعض المشاريع من المانحين قائمة وكان من قبلها حراك وتفاعل من اجل الانتخابات ، وهنا انوه ان كانت هي استحقاقات فلسطينية وطنية ولكن بمفهوم " اوسلو وبرنامجها " وواقع اصبح الشعب يتعامل معه بهدف تجديد الشرعيات الفلسطينية او النظام السياسي الفلسطيني القائم ، وهناك قوى اخرى طرحت تغيير النظام السياسي وبرنامجه ..36 قائمة استحضرت نفسها للانتخابات وبصرف النظر عن ان الدافع لهذه الانتخابات كان بضغط اوروبي ونصائح امريكية واسرائيلية بعدم اجرائها ، ولكن الحقيقة ان النظام السياسي الفلسطيني الحالي اصبح متخوفا من المتغيرات الحادة التي حدثت في داخل فتح وادت لوجود قوائم اخرى بما فيها التفاعلات الداخلية حتى الملتزمة مع محمود عباس ، المهم هنا ان الرئيس وبمبرر اجراء الانتخابات في القدس كشرط من اجل تلك الانتخابات الى ان تحل الاشكاليات القائمة ، هذا المبرر المباشر ولكن هناك دوافع مستترة :

القوى الاخرى نظرت لهذا لتاجيل بشيء من الاحباط وربما تغيير في مواقفها ومنهجياتها في التعامل مع واقع هذا النظام السياسي الذي يرفض الانتخابات ويجد فيها خطرا عليه وهناك تخوفات من حماس وتيار المستقبل ان يحصد مقاعد قد تمكنهم من تشكيل الحكومة القادمة .

اذا كان لابد من تفكير جاد للخروج من متاهات رئيس النظام السياسي الحالي للسلطة ومناواراته التي تهدف لبقائه وهذا ما برهن عليه الرئيس الامريكي بايدن بان على جميع القوى ان تعترف بان محمود عباس قائد للشعب الفلسطيني والسلطة ، هذا التصريح المخيب والمجحف بحق الشعب الفلسطيني وبالقاعدة الديمقراطية التي تتغنى بها امريكا .

اذا حرب الابعاد السياسية التي قررتها حماس وباقي فصائل العمل الوطني والاسلامي كانت بهدف خلق ظروف ومناخات جديدة قد تدفع لتغيير النظام السياسي الفلسطيني ومنهجيته وتوسيع البرنامج المرحلي لقوى المقاومة في غزة وعلى راسها حماس والجهاد الاسلامي وباقي الفصائل الاخرى لفرض معادلة جديدة تتسع لتشمل اكثر من حدود غزة ومتطلباتها ، فكانت الاستجابة واضحة ليشمل برنامج المقاومة في غزة القدس والشيخ جراح بما يحمل هذا المعنى من مفهوم في الجغرافيا السياسية الفلسطينية .

بالتاكيد ان المعركة العسكرية حققت اهدافها في فلسطين التاريخية باكملها وحققت وحدة الشعب الفلسطيني وحققت التعاطف للراي العام العالمي ، مما يدعو لحصد نتائج هذا الانتجاز سياسيا لينعكس على النظام السياسي الفلسطيني ، ولكن يبدو ان الامور ليست بهذه السهولة لاجراء عملية التغيير في الاستحقاقات الفلسطينية نتيجة هذا الصمود والانجاز في المعركة الثالثة مع الاحتلال ، فمازالت السلطة بشروشها العميقة المرتبطة مع الادارة الامريكية واسرائيل والمعترف بها دوليا واقليميا تحاول ان تسحب البساط من تحت اقدام المنتصرين واستحقاقاتهم في التغيير الذي ينعكس على القضية الفلسطينية بكاملها ، وبدلا من استثمار هذا الانجاز العظيم للمقاومة الفلسطينية بدات الطبقة السياسية في رام الله ورئيسها يتحدثون عن ابجديات هي تلك الابجديات القديمة والاتجاه للمجتمع الدولي وامريكا لان اوراق الحل بيدها ، ومازالت تطالب باي عملية اعمار بغزة ان تتم من خلالها واستبعاد غزة عن المشاركة عملية الاعمار ، هو نفس السلوك الذي تعودت عليه تلك الطبقة السياسية ورئيسها منذ ان تولى السلطة في عام 2005 بل يزيد الامر اكثر ايضاحا ان هذا النهج بتاريخه العقيم الذي لم يعمل يوما لتحرير الارض بل عمل لنسج علاقات مع القوى الدولية والاقليمية على حساب القضية الفلسطينية .

ولكن يبدو ايضا ان حماس تدرس بدقة المتغير الذي يحدث في السياسة الامريكية في المنطقة ومحاولة السلطة الاستحواذ على كل مفاصل العمل السياسي بدون الرجوع للشعب الفلسطيني او لفصائل العمل الوطني والاسلامي ، واعتقد ان القيادة السياسية لحماس المتواجدة في الخارج قد تقع عليها ضغوط في هذا الاتجاه ولذلك انطلقت المواقف من قطاع غزة المنتصر على لسان ابو ابراهيم السنوار ليحدد ملامح ويوثق عدة مبادئ لسياسة حماس القادمة والحالية ، فهو قد وثق في كلمته الاخيرة وركز على ميثاق حماس عام 2017 الذي هو اقرب وقريب جدا من برنامج منظمة التحرير المرحلي او ما تم استدراجه لهذا المفهوم من دخول اوسلو وحل الدولتين فحماس قبلت حل الدولتين على ارض 67 وهذا ما وثقه السنوار ولكن بدون اعتراف باسرائيل في حين ان الادارة الامريكية وعلى لسان بايدن قد وضع شرطا لاعتراف امريكا بحماس او اي قوى اخرى بان تعترف بيهودية الدولة .

ربما كان السنوار الاقرب لخطاب ابو عمار في الجمعية العامة عام 74 حيث وضع بدائل لخيار حل الدولتين اذا لم يقبل به الاحتلال وتحدى الاحتلال ووعدهم بحرب ضروس ستحرق الاخضر واليابس على حر قوله اذا ما فكروا بالاعتداء على غزة او القدس او الشيخ جراح ، كانت كلمة السنوار بلهجة التحدي مدعومة بنتائج المعركة الاخيرة مع الاحتلال التي اصابت تل ابيب وفلسطين من شمالها الى جنوبها وشرقها الى غربها .

اذا حماس خاضت المعركة من اجل بدائل سياسية لتفرضها على الارض كواقع وبديلا عن نظام سياسي فاشل مازال متمسك بالرباعية الدولية وينبذ الارهاب ويدمر كل ما يراه للحركة الوطنية في الضفة الغربية ، فهاهي الاعتلاقات تطال كل النشطاء في الضفة الغربية وفي ام الفحم والداخل الفلسطيني في عملية مزدوجة لتدمير ما تم بناءه من تعبئة وطنية في الضفة والشمال الفلسطيني حتى طالت تلك الاعتقالات كوادر قائمة المستقبل والقوائم الاخرى لحماس وغيره .

اذا بحق وحقيقة هناك انجاز حققته المواجهة الرابعة مع الاحتلال ، ولكن هل نستطيع قطف ثمار ذلك امام تغول النظام السياسي الفلسطيني وعلى راسه محمود عباس وبعض القوى الاقليمية والدولية ، ام ستقدم حماس مزيد من التنازلات للانسجام مع برنامج محمود عباس وخطاب الادارة الامريكية حول الاعتراف او الهدنة الطويلة مع الاحتلال الاسرائيلي ، اذا الشهور القادمة ستجيب لنا عن ذلك ، ولكن انوه ان تلك المعركة قد فرزت القوى في المنطقة محمود عباس كقوة تمثل النهج الامريكي الاسرائيلي والنهج الاخر يمثل تيار المقاومة وهو النهج الايراني الذي ذكره السنوار في كلمته الاخيرة واعتقد ان هذا سيكون محل وعنصر من التفاوض في الحوار الامريكي الايراني على طاولة التفاوض بصرف النظر عن تحرك قوى اقليمية تتحدث عن الاعمار هنا نتحدث عن سياسة وموازين قوى في المنطقة ترتبط فيها القضية الفلسطينية .

بقلم / سميح خلف