زيارة هنية للمغرب بين الماضي والحاضر

في تزامن مع زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية للمغرب ارسل ملك المغرب محمد السادس برقية تهنئة لرئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد بينيت يهنئه فيها برئاسة وزراء دولة الاحتلال ، لا نريد ان نتحدث كثيرا عن هذا الارهابي الذي يكن العداء للعرب في عدة تصريحات خاصة له ولكن هذا الارهابي بتحالفه مع اليسار و نجاح مفاوضات ائتلاف حكومي لاسقاط ناتنياهو اتى بعد اربع محاولات انتخابية لم تفلح فيها ما يسمى الديمقراطية الاسرائيلية بحسم الاغلبية البرلمانية التي يمكن ان تشكل حكومة ، لم يأتي هذا الائتلاف نتيجة دافع اسرائيلي داخلي بل ات بضغط شديد من ادارة بايدن لازاحة ناتنياهو من سدة الحكم بعد اثنا عشر عاما او اكثر متحكما بالقرار الاسرائيلي ، اتت ازاحة ناتنياهو بفعل امريكي نتيجة العداء و التحسس الذي يعتري بايدن من ناتنياهو عندما كان نائبا لاوباما كذلك كان الهدف الامريكي ازاحة ناتنياهو لتدخله في الشأن الامريكي و خاصة المحادثات مع ايران حول الملف النووي و كانت الحرب الاخيرة على غزة و ان كانت بقوة وصلابة وذكاء تخطيطي وميداني فلسطيني الا ان امريكا قد اوقفت صفقة اسلحة طلبتها اسرائيل اثناء المعركة وكان هناك توجه بتقليم اظافر اسرائيل التي اصابتها العنجهية عبر سنوات حكم ترامب ولكن في هذا المقال لم ندخل كثيرا في ترتيبات سواءا مباشرة او غير مباشرة و حسابات اسرائيلية داخلية وحسابات فلسطينية ايضا و حسابات اقليمية ودولية ادت لتلك النتائج التي قال عنها الجميع وكررها هنية اليوم في المغرب ان المقاومة الفلسطينية حققت نصر على اسرائيل وبالتالي يجب استثمار هذا النصر في الانفتاح على العالم وعلى دول الاقليم .
ولكن من حق الفلسطينيين ان يتحسسوا و يقلقوا من تلك الزيارة التي تذكرهم بماض لم يؤتي بأي نتائج على المستوى الوطني قامت بها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية و عبر وسطاء واهمهم المغرب في الوساطه بين الفلسطينيين و الاسرائيليين و كان بتكليف من رئيس منظمة التحرير لعضو اللجنة المقيم في المغرب خالد الحسن ولكن المغرب لها تاريخ في العلاقات مع الاسرائيليين لم ينقطع تماما عبر الجالية اليهودية ورجال الامن الذين يعملون ويقيمون في المغرب ولكن ايضا اريد ان اذكر ان المغرب قد سمحت للموساد الاسرائيلي بالتجسس على الجلسات المغلقة لمؤتمر القمة في الرباط ابان ما قبل حرب 67 و كذلك اعتقد في مؤتمر فاس و من المفيد هنا ان اضع بعض المعلومات ان المغرب ترأست لجنة القدس المقررة من المؤتمر الاسلامي وبيت المال للقدس الشريف عام 1998 ، لجنة القدس مكلفة لحماية الحقوق العربية والاسلامية وتعزيز صمود اهل القدس في الصحة والتعليم والاسكان والحفاظ على التراث الديني والحضاري بينما نجد ان كثير من عقارات القدس تباع للمستوطنين عبر وسطاء ولم نرى اي انجاز لهذه اللجنة في الحفاظ على هوية القدس و دعم صمود اهلها و كبت جماح الاسرائيليين في الاعتداءات المتكررة على المسجد الاقصى والقدس وضواحيها في الشيخ جراح و غيره ، كذلك هناك مكتب اتصال مغربي في تل ابيب و مكتب اتصال اسرائيلي في الرباط كما ننوه هنا في ديسمبر الماضي و في عهد الرئيس الامريكي السابق ترامب وقع رئيس الوزراء المغربي وهو رئيس حزب العدالة والتنمية اتفاقية تطبيعية ضمت كل من امريكا والمغرب واسرائيل حيث اعترفت امريكا و اسرائيل بملكية المغرب على الصحراء الغربية ولكن يبدو ان بايدن والحزب الديمقراطي له وجهة نظر مختلفة في هذا التعهد و هذا الالتزام على ضوء السياسة الخارجية الامريكية التي تسعى لترتيب اوراق الشرق الاوسط بعد سنوات من سياسة ترامب الملتهبة في المنطقة .
يبدو ان زيارة هنية للمغرب وبدعوى من حزب التنمية هو تغيير لحظي ومرحلي يسعى للضغط على ادارة بايدن وكذلك التصريحات من قبل رئيس الحكومة العثماني التي تؤيد الشعب الفلسطيني في استرجاع حقوقه هذا اذا ما اخذنا الموضوع بشكل مباشر ، ولكن ماقاله هنية ان زيارته تسعى لاستثمار النصر ضمن قواعد حماس المعروفة في الوثيقة المعلنة عام 2017 والتي تحتوي على 32 بند اقتبست من الميثاق الوطني وادبيات حركة فتح والتي تعني قبولها بالحل المرحلي اي اقامة سلطة وطنية بدون الاعتراف باسرائيل ولكن يبدو ان الامور لن تسير ايضا في نطاق الحل المرحلي ومحدداته بل الجميع يقتنع ان المعركة الاخيرة التي اطلقت عليها المقاومة الفلسطينية سيف القدس وثقت التشابك السياسي والدبلوماسي الذي يسعى له الجميع سواءا على المستوى الذاتي الفلسطيني والاقلميمي والدولي في حدود ما يسمى الشرعية الدولية وقبول دولة وعاصمتها القدس الشرقية على اراضي 67 و اعتقد ان الجميع لا يستطيع الافلات من قواعد اوسلو و مترجماتها و مرجعيات اخر مفاوضات بين الوفد التفاوضي الفلسطيني برئاسة عريقات واولمرت وتبادلية الاراضي مع اقتناع الادارة الامريكية الجديدة بأن هناك كثير من الايجابيات فيما يسمى صفقة اقرن اي الحل الاقتصادي الامني الذي يعمل به الان في نطاق النظرة لاعادة الاعمار وضخ المال والصراع بين السلطة التي تعتبر نفسها شرعية في حين انها تفتقر للحالة القانونية والوطنية لتمثل الشعب و الصراع مع قوى المقاومة و على رأسها حماس عن مسؤولية اعادة الاعمار ، الامور معقدة جدا حيث تطمح حماس و هي مطالب مشروعة ليست لحماس فقط بل للشعب الفلسطيني تجديد الشرعيات لمنظمة التحرير و السلطة قبل تشكيل حكومة وحدة وطنية اي هي مطالب مشروعة ولكن على المستوى الخاص الحمساوي وكما قال رئيس المكتب السياسي لحماس انها تسعى لاستثمار النصر على مستوى التمثيل الفلسطيني والعلاقات مع الاقليم والمجتمع الدولي .
ولكن الملفت للنظر هنا عن كيفية استقبال اسماعيل هنية في المغرب حيث استقبل على السجادة الحمراء و السلام الوطني وحسب البروتوكول الدبلوماسي لا يسير عليها الا الرؤساء وليس قادة احزاب اي قادة يمثلون دول ولا يمثلون احزاب و هنا اشارة في منتهى الاهمية لما تمثله المغرب من علاقات قوية مع اسرائيل وامريكا و رئاستها للجنة القدس و متجهات تدعونا للتفكير في مستقبل السلطة الفلسطينية ومحمود عباس بالذات الذي اصبح معزولا بعد رفضه الحضور لاجتماعات القاهرة و تملصه من الانتخابات اي هناك اتجاهات دولية كبدائل لحالة الخمول وفقدان كل الاوراق للسلطة الفلسطينية و الاتجاه نحو القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية التي لها حاضنة كبيرة و تمتلك القوة على الشارع الفلسطيني ، اعتقد ان محمود عباس اصبح في موقف لا يحسد عليه في حين ان هناك تعميم داخلي لحماس يدعو لمزيد من فضح موقف السلطة ورئيسها و هنا اشير ايضا الى حالة الغباء التي تمتلك السلطة او فقدانها قوة القرار لالتزاماتها مع اسرائيل في تحريض الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية لخلق حالة مقاومة شعبية على الحواجز والمستوطنات في الضفة توازي النصر الذي حققته المقاومة في غزة ليمتلك بعض الاوراق التي تحافظ على السلطة على المستوى الاقليمي والدولي .
و هنا نؤكد ان حماس تمتلك القدر الكافي من الذكاء في التعامل مع كل مرحلة واستثمارها و ان كانت اسرائيل مازالت تعتدى على المسجد الاقصى والشيخ جراح ولازالت تحاصر غزة ولكن هذا يأتي في اطار ادارة ما بعد المعركة الذي لا يريد المجتمع الدولي ان يخرج اسرائيل مهزومة فمجرد ان يشعر اسرائيل انها مهزومة تعني نهاية دولة اسرائيل بالتزامن وهو مالايريده المجتمع الدولي ودول الاقليم .
اذا زيارة اسماعيل هنية تقول وسائط مغربية انها غير رسمية ولكن رئيس المكتب السياسي يقول ان تحت رعاية الملك محمد السادس وربما تبحث حماس عن وسطاء اخرين وتعدد الوسطاء مع اسرائيل بعد قطر ومصر والاردن اذا هي زيارة ممنهجة وليست عابرة .

بقلم سميح خلف