احمد جبريل القائد الوطني والخيارات الصعبة


لسنا بحاجة هنا ان نتحدث او نذكر السيرة الذاتية لهذا القائد الوطني بالقدر الذي قد نضع بعض المحطات المهمة في حياة احمد جبريل والقيادة العامة بقدر الامكان .

كمقدمة :
قد يكون قرار الانسحاب من بيروت والذي سبقه الانسحاب من جنوب لبنان ووعود فيليب حبيب بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كانت هي الفيصل والمحطة الاساسية لدى القيادة العامة وفصائل فلسطينية اخرى حينما اتجهت منظمة التحرير الى التساوق مع الطرح الامريكي وكما قال ياسر عرفات بأن القطار الامريكي اتى للمنطقة ويجب ان نلتحق به وكان رد سعد صايل في ذاك الوقت معارضا لهذا الخيار قائلا ساجعل من بيروت هزيمة ساحقة للجيش الاسرائيلي وساجعلها سايقون العرب ، ولكن ذهبت قيادة منظمة التحرير الى ماهو ابعد من الاعتراف بمنظمة التحرير الى البحث عن وجود سلطة لها تؤكد وحدانيتها في تمثيل الشعب الفلسطيني .

بلا شك ايضا ان القيادة العامة والجبهة الشعبية في فترة السبعينات والثمانينات اشغلت العالم وجعلت من العالم ان يفهم ان هناك شعب اسمه شعب فلسطيني على ارض فلسطين وفي الشتات وان فلسطين لها شعب وليس كما تقول اسرائيل بانها ارض بلا شك ، فعمليات وديع حداد وعمليات القيادة العامة فعلا قد اشغلت العالم .

ينتمي احمد جبريل الى الجيل المؤسس التاريخي لحركة النضال الوطني الفلسطيني ما قبل الطلقة الاولى او الرصاصة الاولى ، فلقد اسس جبهة التحرير الفلسطينية عام 1959 وهي تختص بالعمل العسكري ، بالتاكيد ان احمد جبريل احد خريجي الكليات العسكرية المصرية برتبة ضابط وعمل في القوات المسلحة السورية ثم استبعد منها ، بعد تحول حركة القوميين العرب الى النهج اليسار كان هو المسؤول العسكري للجبهة الشعبية منذ عام 1967 بقيادة جورج حبش الا ان هناك كانت خلافات ادت الى انفصال احمد جبريل الجبهة الشعبية القيادة العامة .
احمد جبريل القائد الوطني والخيارات الصعبة
*احمد جبريل الرجل الثائر والمقاتل وليس القائد

ربما كان فصيل القيادة العامة هو اول من اطلق الصواريخ على شمال فلسطين وبالتحديد كريات شمونة وهو من اسس فكرة الطيران الشراعي ولكن من ابرز العمليات التي اختص بها احمد جبريل في شمال فلسطين هي عملية الجليل التي تمكنت الجبهة الشعبية القيادة العامة عام 1985 من اطلاق سراح 1150 اسير في صفقة تبادلية مقابل ثلاث جنود اسرتهم الجبهة الشعبية القيادة العامة وكان من ابرز المفرج عنهم الشيخ احمد ياسين مؤسس حركة حماس .

احمد جبريل الرجل الصلب الذي حافظ على مبادئ تاريخية الارض الفلسطينية في الطرح السياسي والعسكري ، فهو مؤمن بالكفاح المسلح وكانت الخلافية الكبرى بينه وبين ياسر عرفات قرار عرفات الانسحاب الى دول المنافي للدخول في الخيار السياسي السلمي بمستوجب قرار 242 اي التخلي عن فلسطين التاريخية وعن حق العودة مقابل دويلة في الضفة وغزة .. وياليتها كانت او تكون ! .. فلقد كانت اتفاقية اوسلو هي المجزرة للقضية الفلسطينية واصبح الاستيطان يشكل اكثر من مليون مستوطن ، واصبحت من خلال هذه الاتفاقية ان السلطة تؤدي دور وظيفي لصالح الاحتلال واصبحت 60 % من اراضي الضفة بموجب الاتفاقية تحت تصرف القوات الاسرائيلية وبرامجها الاستيطانية بالاضافة الى التفاقية الخليل المشينة التي قسمت الحرم الابراهيمي وكما ذكر بعض قادة فتح محمود عباس بان من حق اليهود التواجد على حائظ البراق الذي سمي بحائط المبكى ، هكذا كانت تصريحات جبريل رجوب امين سر اللجنة المركزية لفتح عباس .

*الخيار الصعب لاحمد جبريل

طبعا حدثت انقسامات في الفصائل الفلسطينية بين موالي لقرار عرفات بالانسحاب من بيروت وفصائل رفضت هذا الانسحاب محذرة من مخاطر افراغ الساحة اللبنانية من الثورة الفلسطينية ، وكان اهم هذه التحذيرات التي حدثت فعلا هي مجزرة صبرا وشاتيلا ،بالتاكيد ان كان مام فصائل المقاومة احد الخيارين ، اما الذهاب للقطار الامريكي في انتظار حلول سياسية وفي كل الاحوال لا تعطي الفلسطينيين حقوقهم المشروعة ... او الذهاب نحو سوريا باعتبارها على خط التماس وتمتلك خاصية النفوذ في الساحة اللبنانية ، فكان خيار احمد جبريل كباقي الفصائل مثل فتح الانتفاضة ابو موسى وجبهة النضال الشعبي وفصائل اخرى عدم ترك الساحة والحاضنة السورية للمقاومة الفلسطينية .

كانت تبريرات وتعليلات نهج الحل السياسي مع اسرائيل بقيادة الرئيس عرفات بان سوريا تريد وتطمح في السيطرة على القرار الفلسطيني ومن هنا اتخذت قيادة منظمة التحرير التي يرؤسها الرئيس عرفات شعار القرار الفلسطيني المستقل ، والذي يبتعد ويتعامل مع عواطف الشعب الفلسطيني تجاه الانظمة العربية ، فكان خيار منظمة التحرير كما قلنا واسلفنا هو تتويج لمفاوضات واتصالات سرية مع رجال امن وسياسيين اسرائيليين وامريكيين وبالتالي لم يكن هناك ما يتشدقون به من اقاويل القرار الفلسطيني المستقل والذي يرى الان المشاهد مدى التصاق القيادة المتحكمة والمختطفة لحركة فتح ومنظمة التحرير التصاقها بالادارة المدنية والعسكرية الاسرائيلية .

كان خيار احمد جريل ورغم بعض الطموحات الخاصة للنظام السوري كان الاقل خطرا على القضية الفلسطينية من اللحاق بالقطار الامريكي ، من السذاجة والغباء ان يتهم مسوقي نهج اوسلو والتيار التفريطي في منظمة التحرير بان احمد جبريل كان عميلا سوريا ً في حين يتبجحون بان احمد جبريل كان من اسباب سقوط تل الزعتر في حين اخر قلعة مقاومة وهي تلة القيادة العامة اخر من سقط في الحرب في الدفاع عن تل الزعتر كما كان ابو موسى ايضا وباعتراف ياسر عرفات بانه فارس الثورة الذي دمر لواء دبابات سوري ، هذه حقيقة ولكن يمكن سؤال ياسر عرفات لماذا سحب قواته من المخيم وبقيت قواته صامته ويطالبون احمد جبريل بتحرير تل الزعتر..؟!

بالتاكيد ان انسحاب المقاومة الفلسطينية كان له ما بعده ، فتخيلوا لو لم تنسحب قوات الثورة الفلسطينية ويصنع منها جيش يؤدلج للسلام لما كان ما يسمى الربيع العربي ، فلقد احدث انسحاب المقاومة الفلسطينية في لبنان متغيرات في الواقع العربي سواء في واقع تلك الدول او نظرة الدول للصراع العربي الاسرائيلي الذي بدا فعليا بسقوط خيار منظمة التحرير التحرري الى الدخول في جرف اوسلو والاعتراف باسرائيل .

خروج منظمة التحرير من الساحة اللبنانية مشتتة في عدة دول ومحاولة ادرلجة قواتها للمرحلة التالية من خلال مراقبة شديدة على الضباط وتحركاتهم وتدخل الاجهزة بشكل عنيف في حصار رجال المقاومة الفلسطينية والكفاح المسلح قد اسس لانهاء الانتفاضة الفلسطينية الاولى التي اوشكت ان تحقق اولى اهدافها بازهاق الاحتلال وجعل الاحتلال مكلفا للضفة وغزة وقطف ثمار هذه الانتفاضة بانسحاب اسرائيلي كان مؤكد وفتح خطوط سياسية موازية لهذا الانجاز ، لقد قطعت منظمة التحرير هذا الانجاز عن الانتفاضة الاولى باختراقها ومتبنية الحل السياسي الذي نظرت له امريكا واسرائيل بالحاجة لها بديلا عن انجاز الانتفاضة الاولى التي اطلقت شعار ( لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة ) ومن هذا قدمت منظمة التحرير التنازلات حفاظا على وجودها وتمثيلها واعتبرت شعار الانتفاضة هو ازاحتها عن المشهد .

بالتاكيد ان احمد جبريل دفع الى الشهادة احد اهم ابنائه وهو جهاد في صفقة توصيل الاسلحة لشواطئ غزة التي بعدها اغتالته الاجهزة الامنية الاسرائيلية .

بالتاكيد ان احمد جبريل فوق كل الشبهات التي يثيرها البعض في البداوي ونهر البارد وبصفتي كنت في قوات عدن وقسم كبير من قواتنا ذهبت الى هناك وعادت مرة اخرى في بانوراما الرحيل الذي حاول الرئيس عرفات ان يحقق منه مكاسب فالمدفعية التي ضربت البداوي ونهر البارد فعلا لم تستهدف المقاتلين وكانت فقط فتح طريق لعرفات مرة اخرى للخروج وهذا ما كان يريده وكذلك القوات الموالية لعرفات ايضا التي لم تدقق في ضرباتها لتصيب اخوة لهم سواء في فصيل الانتفاضة او القيادة العامة ، ولكن ما حدث بالتاكيد ان ابو جهاد رحمه الله اكتشف الكثير من مخططات للسير بمنظمة التحرير الى هاوية اوسلو وبالتالي انقسمت القوات في عدن وانا كنت احد اطراف هذه القوات الى طرف مع ياسر عرفات وطرف مع ابو جهاد وتدخل اليمنيين لاصلاح ذات البين الا ان الصراع كان موجودا ً مع الحفاظ على الوجه العام للقوات وحركة فتح .

هذا ما اردت ان ادونه باختصار شديد في هذا المقال ورحم الله احمد جبريل القائد الوطني الفذ .

بقلم / سميح خلف